نوع المستند : أبحاث علمیة
المؤلف
جامعه بنى سويف کليه الاداب
المستخلص
الكلمات الرئيسية
تلعب المحددات الاجتماعیة والاقتصادیة للوالدین دورا فاعلا فى نمو معدلات الطموح والتطلعات المهنیة للأبناء، حیث یرتبط ذلک بالعدید من المکتسبات الأسریة المختلفة التی تؤثر على حیاة الأبناء وتترک صداها الواضح فی تفکیرهم وتطلعاتهم الحیاتیة والمستقبلیة؛ حیث یرسم الوالدان لأبنائهم مستقبلاً معینًا، ربما یکون إیجابیًّا یخدم مصلحة هؤلاء الأبناء من وجهة نظر الآباء، وربما یکون سلبیًّا بالنسبة للأبناء، ویرتضیه الآباء، هکذا تبدو هذه الثنائیة الجدلیة محل اهتمام ونقاش على مستوى واسع من اهتمام الباحثین والمفکرین فی مجالات التربیة، وعلم الاجتماع التربوی، وعلم النفس.
ویُعد التطلع المهنی من أبرز الأهداف التی تعزز قضایا التنمیة واستراتیجیات التغیر والحراک الاجتماعی فی العدید من المجتمعات، خاصة التی تسیر على خطی التنمیة المستدامة، کونه یعد نقطة الانطلاق الأساسیة التی تسعی إلیها الدول لتحقیق أهدافها الاقتصادیة والاجتماعیة والإنمائیة للألفیة الثالثة. وفی مصر یأتی الاختیار المهنی موصولاً بالتطلعات المهنیة، بوصف الأخیرة نقطة الانطلاق الأساسیة لعملیات الحراک الاجتماعی والتنموی فی ضوء استراتیجیة التنمیة والتغییر 2030، خاصة أن تلک التطلعات تصب فی المقام الأول لمصلحة الشباب، ودعم اتجاهاتهم ورؤاهم المستقبلیة وأهدافهم الحیاتیة والوظیفیة؛ ومن ثم بات المجتمع یضع هذه القضیة نصب الأعین لما لها من أهمیة بالغة تؤثر فی مستقبل واستراتیجیات الاستقرار والنمو.
ومن أجل ذلک سعت الدول المتقدمة جاهدة وراء بناء استراتیجیات مجتمعیة متطورة کیانها الأساسی التعلیم، فاتجهت إلى تشجیع الشباب للارتقاء بسلم التطور المهنی وفقًا لقدراتهم واستعدادهم الاکادیمی. وتلعب الأسرة بخلفیتها الاقتصادیة والاجتماعیة دورًا أساسیًّا فی بلورة هذه العملیة واستمرارها، وتذلیل العقبات أمامها بهدف مواجهة کافة أشکال القصور والصعاب التی تواجه الأبناء فی مستقبلهم الوظیفی والمهنی. حیث تُعد الداعم والدافع الرئیسى للارتقاء بهم من خلال مساعدتهم على تحقیق متطلباتهم وتطلعاتهم المهنیة. ومن المؤسف تراجع هذه التطلعات فی العدید من الدول النامیة، وربما یعود ذلک فی المقام الأول إلى طبیعة البیئة الاجتماعیة التی تحیط بهؤلاء الأبناء بشکل مباشر منذ نشأتهم، وبدایة تفکیرهم فی المستقبل حیث تتراکم العقبات التی تحول دون تنمیة میولهم وتطلعاتهم، ومن أبرز هذه العقبات: تراجع الوضع الاقتصادی والاجتماعی للوالدین الذی یؤثر سلبا على التفاعل الإیجابی مع تطلعات الأبناء؛ الأمر الذى یترتب علیه عدم قدرتهم على تحدید میولهم المهنیة، وتراجع تطلعاتهم الحیاتیة. بالإضافة إلى انخفاض المستوی التعلیمی للوالدین، وتواضع مکانتهم المهنیة، وتراجع إمکاناتهم المادیة، وعدم ملاءمة ظروف الاقامة، وتواضع مستواهم الثقافى، مما ینعکس سلبًا على دعم تلک التطلعات المهنیة المبکرة لأبنائهم.
ولهذه الدراسة أهمیة نظریة وتطبیقیة فی آن واحد. تأتى أهمیتها النظریة أنها تسعى إلى اختبار مدى ملاءمة المقولات النظریة والقضایا الفکریة لبعض المنظرین والمفکرین الاجتماعیین والتربویین، مثل: المقولات السوسیولوجیة التی رکزت على تأثیر البیئة الاجتماعیة والبنائیة على التطلعات المهنیة للأبناء ویمثلها (بارسونز- أنتونی جیدنز- بییر بوردیو)، والمقولات الفکریة المفسرة لنظریة التأثیر الوالدی على الإرشاد المهنی ویمثلها آن رو، ونظریة المهنة الاجتماعیة المعرفیة عند هولند، والمقولات الفکریة للنظریة المهنیة النمائیة عند جینزبرج، وسوبر، ونظریة التردد المهنی فی تفسیر علاقة المحددات الاجتماعیة الاقتصادیة بالتطلعات المهنیة للأبناء. أما الأهمیة التطبیقیة؛ فتسعی هذه الدراسة إلى التوصل إلى مقترحات تدعم من مواقف الآباء نحو تشجیع وتحفیز أبنائهم على تنمیة تطلعاتهم المهنیة والوظیفیة التی ترتبط بحیاتهم المستقبلیة.
مشکلة البحث :
أوضحت الدراسات السابقة وجود خلاف حول تأثیر المحددات الاجتماعیة والمحددات الاقتصادیة على التطلعات المهنیة للأبناء، حیث یُعد التطلع المهنی للأبناء من الأهداف الرئیسیة التی تشغل جمیع المجتمعات سواء النامیة أو المتقدمة، فالطفل یحدد ما یأمل فیه من تطلع مهنی أو وظیفی یفضله فی المستقبل، مثل أن یصبح (طبیب - ضابط – قاضی – مهندس - فنی ... إلخ) وینمو هذا التطلع بداخله، ویلعب الوالدان دورًا کبیرًا فی بناء هذا التطلع والحفاظ علیه، بل وتأهیل وتحفیز أبنائهم للاستمرار فی النجاح الأکادیمی والعلمی الذی یساعدهم على إستکمال حلمهم وتحقیق طموحهم العلمی والوظیفی، وذلک من خلال ما یتم اتاحته من إمکانات مادیة، وبرامج تحفیزیة معنویة، ورسم استراتیجیات مهنیة متطورة، وتیسیر سبل تحقیقها وإنجازها. وهنا تبدو المشکلة واضحة، فهناک من یرى أن التطلعات المهنیة تتأثر بالعدید من المحددات الاجتماعیة، متمثلة فی المستوى التعلیمی للآباء، ومکانتهم المهنیة، وخلفیتهم الریفیة الحضریة، ومکتسباتهم الثقافیة؛ بینما یرى البعض الآخر أن المحددات الاقتصادیة أکثر فاعلیة وتأثیرا ، وهى ترتبط فی المقام الأول بوضعهم الطبقی، ومستوى دخولهم، وامتلاکهم لرؤوس الأموال، وفی ضوء ذلک تتحدد مشکلة البحث فی محاولة حسم الخلاف بین هذه المحددات، فقد تأتی دافعًا لهذا التطلع، وقد تأتی معوقًا له؛ مما دفع الباحث إلى التعرف على ما یقدمه الآباء للأبناء من وسائل متعددة لدعم تطلعاتهم المهنیة فی المستقبل، من خلال الکشف عن الخبرات والمهارات التی یتیحها لهم الآباء حتى یتمکنوا من اجتیاز هذه المراحل الهامة فی حیاتهم، وهل تتوقف عملیة الدعم عند مرحلة عمریة معینة من عمر الطفل مع تباین الظروف الاجتماعیة للآباء؟ أم للمحددات الاقتصادیة رؤیة أخرى فی ضوء ما یتاح من موارد مادیة (مناسبة) تدعم تلک التطلعات، مثل: الذین ینفقون الکثیر من الأموال لإلحاق أبنائهم بنمط معین من التعلیم کی یحققوا لأبنائهم وضعیه وظیفیه معینة؛ أو غیر مناسبة تُسلب استمراریتها عودة إلى الوراء. وهذا ما یدفعنا إلى الانطلاق من تساؤل أساسی مؤداه: ما هى أهم المحددات الاجتماعیة والاقتصادیة للتطلعات المهنیة للأبناء؟
الهدف العام للدراسة :
یتمثل الهدف العام للدراسة فی تحلیل واستجلاء المحددات الاجتماعیة والاقتصادیة للتطلعات المهنیة للأبناء، وینبثق عن هذا الهدف عدة أهداف فرعیة على النحو التالی:
1- تحلیل علاقة المستوی التعلیمی للوالدین بالتطلعات المهنیة للأبناء.
2- تحلیل علاقة المکانة المهنیة للوالدین بالتطلعات المهنیة للأبناء.
3- تحلیل علاقة الخلفیة الریفیة/ الحضریة للوالدین بالتطلعات المهنیة للأبناء.
4- دراسة علاقة التراکمات والمکتسبات الثقافیة للوالدین بالتطلعات المهنیة للأبناء.
5- دراسة علاقة المستوی الاقتصادی للوالدین بالتطلعات المهنیة للأبناء.
التساؤل الرئیسی للدراسة :
یتمثل التساؤل الرئیسی للدراسة فی : ماهى أهم المحددات الاجتماعیة والاقتصادیة للتطلعات المهنیة للأبناء:
1- هل هناک علاقة بین المستوی التعلیمی للوالدین والتطلعات المهنیة للأبناء؟
2- ما علاقة المکانة المهنیة للوالدین بالتطلعات المهنیة للأبناء؟
3- هل تؤثر الخلفیة الریفیة/ الحضریة على االتطلعات المهنیة للأبناء؟
4- ما طبیعة العلاقة بین التراکمات والمکتسبات الثقافیة للوالدین والتطلعات المهنیة للأبناء؟
5- الى أى درجة یؤثر المستوى الاقتصادی للوالدین على التطلعات المهنیة للأبناء؟
مفاهیم الدراسة :
فی هذه الدراسة سوف یتم الاعتماد على مفهومین أساسیین، وهما: المحددات الاجتماعیة والاقتصادیة، والتطلعات المهنیة للأبناء.
1- المحددات الاجتماعیة والاقتصادیة :
یمکن الإشارة إلى المحددات الاجتماعیة والاقتصادیة إجرائیًّا فی هذه الدراسة بأنها "مجموعة الأفکار والقیم والاتجاهات الموجودة لدى الوالدین والمتعلقة باختیاراتهم وتطلعاتهم المهنیة لأبنائهم، وتتشکل هذه المحددات بفعل تأثیر الوضع الاجتماعی، متمثلاً فی: مستواهم التعلیمی، والمکانة المهنیة التی یشغلونها، وطبیعة الحی الذی یقیمون فیه، وما یمتلکونه من تراکمات ثقافیة وتعلیمیة مؤهلة بنسب متفاوتة؛ وکذلک تأثیر الوضع الاقتصادی متمثلاً فی: المکانة الاقتصادیة للوالدین وفقًا لوضعهم الطبقی، ومستوى الدخول التی یحصلون علیها"
"ترتبط هذه العلاقة ببعض السمات ذات الصلة بقیم ومعتقدات وقدرات الوالدین على إقامة علاقات دافئة وداعمة للأبناء، وتکون بمثابة نماذج إیجابیة ناجحة تؤدی دورًا کبیرًا فی تحقیق بیئة تربویة ناجحة من شأنها تحسین المستوى الأکادیمی والتربوی والمهنی للأبناء (Jodi, et al., 2001, p. 1248).
وقد أشارت دراسة (سومرفیل) إلى أن مستوى تعلیم الوالدین یؤثر تأثیرا کبیرًا ومباشرًا فی تنمیة قدرات الأبناء المهنیة، نظرًا لما یتبعه من دوافع ومحفزات تربویة تعمل على تقویة التطلعات المستقبلیة والوظیفیة لهم، فکلما ارتفع المستوی التعلیمی للوالدین کلما کان محفزًا لزیادة القدرات التحصیلیة والأکادیمیة للأبناء، الأمر الذی یؤدى الى زیادة تطلعاتهم الثقافیة المبکرة، حیث یتاح لهم العدید من الفرص المهنیة المتنوعة التی تتقارب مع قدراتهم الشخصیة والعلمیة (Somerville, 2013, pp. 226-227). کما یؤثر مستوى تعلیم الأمهات على وجه الخصوص تأثیرا بالغًا فی تنمیة التطلعات الفکریة للأبناء، واستعدادهم المناسب لاکتشاف المهن التی تناسبهم، کونها أکثر قربًا من الأبناء فی معظم الأوقات ( Dubow, 2008, p. 225).
وأحیانًا ما یجد الأبناء صعوبة فی التدرج فی السلم المهنی، وتحقیق أمالهم وطموحاتهم المهنیة التی تلائم مؤهلهم العلمی بسبب تراجع مهن الوالدین، حیث تصبح بمثابة عائق أمام أبنائهم، بسبب تراجع قدراتهم على التوفیق بین استعدادهم الأکادیمی ومکانة الوالدین الوظیفیة، ومن ثم شعور هؤلاء الأبناء بعدم المساواة والعدالة فی الحصول على فرصهم وحقوقهم الوظیفیة والمهنیة (Liu, et al., 2018, p. 93). ویظهر ذلک بوضوح لدى العدید من الأبناء الذین یتقدمون لشغل وظائف معینة ویواجهون بالرفض وعدم القبول؛ لیس بسبب ضعف قدراتهم الأکادیمیة، وتراجع مهاراتهم؛ ولکن لتواضع مهنة آبائهم التی تصبح عائقا کبیرا یحول دون حصول أبنائهم على حقوقهم المهنیة وترتیبهم داخل السلم الوظیفی، فى حین ینعم بذلک الأبناء الذین یشغل آباؤهم مهنًا علیا ووسطى.
أیضا یؤثر المستوی الاقتصادی للوالدین على دعم التطلعات المهنیة للأبناء، فهؤلاء الأبناء الذین ینتمون إلى أسر منخفضة الدخل یحصلون على مستوى ضئیل من التشجیع على تنمیة تطلعاتهم المهنیة من قبل آبائهم، وتکاد تختفی فی بعض الأمور، ویصبحون غیر قادرین على مواجهة صعاب الحیاة، نظرًا لعدم قدرة الوالدین على توفیر الدعم المادی المناسب لهم، وتراجع مشارکتهم الملموسة التی تحفز وتدعم تطلعات الأبناء (Somerville, 2013, p. 240). بالمقارنة مع أبناء الأسر التى تتمتع بمزید من الرفاهیة الاقتصادیة، والتی تسعى دائما لإتاحة مزید من الفرص لأبنائها کی یحققوا أهدافهم المستقبلیة وتطلعاتهم المهنیة، وتذلل أمامهم کل الصعوبات والمعوقات التی تُعیق ذلک (Arnelt, 2001 p. 478).
2- مفهوم التطلعات المهنیةOccupational Inspirations :
تؤثر التطلعات المهنیة الى حد کبیر فی مشوار حیاة الأفراد، وتؤثر على شعورهم بالرضا فی الحیاة؛ ومن ثم تلعب دورًا کبیرًا فی التأثیر على الأفراد ومکانتهم فی المجتمع، وتؤثر فی طبیعة أفکارهم، ورسم مستقبلهم الوظیفی بشکل منظم. وعلیه یعرف التطلع المهنی بأنه "الهدف الذی یحدده الفرد لنفسه فی ضوء المهنة التی یفضل أن یشغلها، ویتأثر هذا التطلع بعده عوامل من أهمها: الهدف من التعلیم، طبیعة حیاته الأسریة والعاطفیة داخل بیئته، وعلاقة ذلک بحالة الرضا والتناغم والتفاعل الذی یشعر به داخل المجتمع"(Kalita, 2014, p.118).
کما یشیر التطلع المهنی إلى "میل الأفراد إلى الدخول فی مهنة تتناسب مع قدراتهم وشخصیاتهم وآمالهم التعلیمیة، مثل: میل الأفراد ذوی السمات الفنیة إلى الدخول فی مهنة الفنون، بینما یمیل الأفراد ذوی السمات الاستقصائیة إلى الدخول فی مهنة ترتبط بالریاضیات والتحلیل" (Erdogam and Tezci, 2015). کما تعرف أیضًا بأنها"میول واتجاهات الأفراد نحو الانخراط فی مهنة معینة، تحدد خیاراتهم الحیاتیة بشکل نهائی" (Zhao & Hong, 2018, p. 233).
فالأفراد دائمًا ما یفضلون المهن التی تتماشی مع قدراتهم واستعداداتهم أو میولهم، والبعض الآخر قد یفرض علیه بعض المهن نظرًا لسوء التوزیع، وافتقاد العدالة فی منح الفرص المناسبة للأفراد، مما یؤثر بالسلب على حیاتهم المستقبلیة والحیاتیة. وبناء على ما سبق، توجد بعض التعریفات التی ترتبط بمفهوم التطلعات المهنیة، نعرضها على النحو التالی:
المهنة: هی "العمل أو الوظیفة التی یسعی الفرد إلى الوصول إلیها، کونها تُعد وسیلة تساعده على العیش والاستمرار فی الحیاة، ویرتبط بعضها بمهارات محددة، والآخر یتطلب مهارات خاصة فی بیئة العمل" (الذینبیات، 2006، ص 3). أما التفضیل المهنی فیعرف بأنه "البیئة المهنیة التی یفضلها الفرد، ویرغب العمل بها، والتکیف معها" (نفس المرجع السابق، ص 3).
وهناک مفهوم الاختیار المهنی والذى یعرف بأنه "النشاط العقلی الوجدانی الذی یفضله الفرد، وینظر له باعتباره نشاطاً تقویمیاً یُعتمد علیه فی العدید من المواقف التی تتطلب منه اتخاذ القرار المناسب، کما ینظر إلیه بأنه المفاضلة بین موضوعین أو أکثر" (المغربی، 2000 ص، 469). کما ینظر إلیه بأنه "القرار المتخذ من قبل الفرد فی ضوء المهنة التی یفضل العمل بها"، کما یشیر لدى الشباب البالغین على أنه "البدء فی مهنة جدیدة فی مرحلة زمنیة معینة، أو الارتباط بمهنة جدیدة لم یسبق لهم العمل بها من قبل" (Kaita, 2014, p. 118).
وهناک مفهوم العمل الثانوی حیث یشیر إلى "العمل الذی یقوم به فئة معینة من الأفراد فی فترات زمنیة محددة، بهدف الحصول على أجور، مثل: طلاب الجامعة، أو العاملین، ولا یمکن تصنیفهم على أنهم (دائمو العمل) ویکونون شبابًا من غیر ذوی الخبرة" (Zvonovski & Belousova, 2007, p.27)، فهناک العدید من الشباب الذین یتجهون إلى العمل أثناء فترة الدراسة ولم یکن لدیهم أی إعداد أو تخطیط لأحداث المستقبل، بالإضافة إلى عدم الاستقرار، ومن ثم یتجهون إلى اکتساب مهن منذ فترات مبکرة فی حیاتهم حتی یصلوا إلى سن الرشد والانتهاء من مراحل التعلیم وقد تشبعوا بمهنة معینة تساعدهم على التخطیط لمستقبلهم (Staff, et al., 2010, p. 661)، حیث یعزز التطلع المهنی من تحقیق الحراک الاقتصادی والاجتماعی داخل المجتمع، ویعمل على غرس القیم المهنیة؛ ویضفى الشرعیة على المعارف والمهارات اللازمة التی یتبعها الأبناء فی حیاتهم المهنیة؛ وتساعدهم على مواجهة العدید من المشکلات والصعوبات، وتمکنهم من السعی وراء تحقیق سبل النجاح، حتی یصبحوا أبناء ناجحین ونافعین فی المجتمع (Wilcax, et al., 2018). ومن ثم فالتطلعات المهنیة تدفع الأبناء إلى اکتساب المزید من المهارات والقدرات والخبرات الحیاتیة التی تساعدهم على رسم خطى المستقبل؛ وزیادة البواعث والحوافز الأکادیمیة والثقافیة التی تنمی من قدراتهم؛ وتخلق منهم مواطنین صالحین قادرین على العمل مع مراعاة الظروف والعوامل التی تتعلق ببیئتهم الأسریة والعوامل المرتبطة بها.
وهناک مجموعة من الدوافع التی تؤدی إلى زیادة التطلعات المهنیة للأبناء: (Zvonovsui & Belousave, 2007. P.27) من بینها زیادة الدخل المادی للشخص، تحقیق الإمکانات الثقافیة والعلمیة، زیادة القدرة على المنافسة، مساعدة الآباء بالدعم المادی، اکتساب مهارات معینة وتحقیق مهارات ابداعیة.
مما سبق یمکن تعریف التطلعات المهنیة للأبناء فی الدراسة بأنها "اتجاهات الأبناء نحو المهن التی یطمحون إلى العمل بها بعد التخرج، فی ضوء الثقافة المهنیة للوالدین لدى طلاب کلیات القمة بجامعة بنی سویف".
نظـریات الـدراسة :
النظریة هی محاولة لتحدید الخصائص العامة التی تفسر الانتظام فی الوقائع الملاحظة، وتتشکل النظریة من بناء جوهری من مکونات الأعمال السوسیولوجیة (عبد الجواد، 2002، ص 38).
هناک العدید من النظریات السوسیولوجیة والتربویة التی اهتمت بدراسة عملیات التنشئة الاجتماعیة، ورکزت على تحلیل الخلفیات الاقتصادیة والاجتماعیة داخل الأسرة، وجاءت هذه التحلیلات على مستوی التحلیلات الفردیة، والقدرات والتطلعات المبکرة لشرح وتفسیر التطلعات التعلیمیة والمهنیة للأبناء (Staf & Others, p. 660).
وفی هذه الدراسة یتم الاعتماد على عدد من المقولات النظریة لبعض المفکرین والمنظرین السوسیولوجیین والتربویین فی بیان وتحلیل تأثیر الخلفیة الاقتصادیة الاجتماعیة للآباء على معدل التطلعات المهنیة للأبناء من خلال الترکیز على ثلاثة محاور أساسیة:
- المحور الأول: المقولات السوسیولوجیة التی رکزت على تأثیر البیئة الاجتماعیة والبنائیة على التطلعات المهنیة للأبناء ویمثلها (بارسونز- أنتونی جیدنز - بییر بوردیو).
- المحور الثانی: المقولات المفسرة لنظریة التأثیر الوالدی على الإرشاد المهنی ویمثلها آن رو، ونظریة المهنة الاجتماعیة المعرفیة عند هولند.
- المحور الثالث: ویمثله المقولات الفکریة للنظریة المهنیة النمائیة، عند جینزبرج، وسوبر، ونظریة التردد المهنی.
المحور الأول : المقولات السوسیولوجیة التی رکزت على تأثیر البیئة الاجتماعیة والبنائیة على التطلعات المهنیة للأبناء
1- بارسونز:
یُعد عالم الاجتماع الأمریکی تالکوت بارسونزT. Parsons من رواد الاتجاه الوظیفی فی علم الاجتماع، حیث نظر الى المجتمع على أنه شبکة واسعة من الأجزاء المترابطة، وکل جزء فیها یسهم فی المحافظة على أجزاء النظام ککل، وقد أنتهی الأمر ببارسونز (1966-1971) إلى تبنی رؤیة تطوریة جدیدة باکتشاف الفعل خاصة المتعلق بالنسق الثقافی والشخصیة، مؤکدًا على أن العلاقات داخل النسق (الأسری مثلاً) تتسم بقدر من التماسک والإجماع، حیث تقوم الأبنیة الاجتماعیة المتعددة على إنجاز الوظائف الإیجابیة لبعضها البعض (عبد الجواد، 2002، ص 275). ویری بارسونز أن فهم قدرات الفرد واستعداداته، واهتماماته، أو تقریر طموحاته، والتعرف على مراکز القوة والضعف التی یمتلکها؛ تُعد من الشروط الأساسیة والمعاییر الأولیة لمعطیات النجاح الأکادیمی واختیار المهنة المناسبة التی توافق الأفراد، وإدراک المزایا والعیوب، والمعلومات التی یمکن أن تواجهه عند اختیاره لتلک المهن (الذنیبات، 2006 ، ص 12).
ووفقًا لبارسونز، هناک ثلاث نقاط مهمة لابد من مراعاتها عند اختیار الأفراد للمهنة:
1- الاعتراف الذاتی للفرد (طبیعة تفکیره، وشخصیته).
2- التعرف على المهنة التی یفکر فی اختیارها، مع الترکیز على المزایا والعیوب.
3- المطابقة الصحیحة.
وتمثل النقطة الأولی هنا الفرد، والنقطة الثانیة تمثل البیئة، أما الثالثة فتمثل الانسجام بین الاثنین، ومن ثم فالمهنة الملائمة هی تلک التی تلاقی انسجاماً کبیراً من الفرد وبیئته المحیطة، وفی حالة التشابه، یعبر ذلک عن ارتفاع درجة التجانس والتفاعل بین أجزاء النسق ککل، کالأسرة مثلاً: فعندما تتقابل المهنة التی یفضلها الفرد مع الانطباع العام لأسرته، یؤدی ذلک إلى حدوث الترابط والانسجام داخل الأسرة (Erdogam and Tezci, 2015, p. 187).
ویمکن الاستفادة من هذه المقولات النظریة فی الدراسة الحالیة من خلال التأکید على أن جمیع أجزاء النظام الأسری تترابط مع بعضها البعض لتحقیق النجاح، وبالمثل إذا تلاحمت وتفاعلت المهنة التی یختارها الوالدان لأبنائهم داخل الأسرة، ولاقت استحسانًا وتجانسًا من الأبناء وجمیع أعضاء الأسرة، فمن المتوقع حدوث قدر کبیر من الاتزان فی مکونات النسق الأسری، ویکون من شأنه تحقیق الدافعیة لإنجاز تلک المهام وممارستها بقدر من الراحة والتوافق داخل الأسرة، ومن ثم إنجاز الأهداف المهنیة بشکل فعال.
2ـ أنتونی جیدنز وبنیة الفعل البشری :
یری أنتونی جیدنز أن المجتمعات الإنسانیة فی مرحلة مستمرة من التباین والتشکیل، حیث یتطور البناء کل لحظة، وتکون للجماعات، والمجتمعات، والمجموعات الاجتماعیة بنیة واضحة المعالم؛ ذلک أن الأفراد یتعرفون وفق أنماط سلوکیة منظمة، یمکن التنبؤ بها إلى حد کبیر؛ ولا یمکن أن یتحقق الفعل البشری إلا من خلال هذا المکتسب الکبیر من المعرفة الاجتماعیة (جیدنز ، 2007 ، ص 703). وفی ضوء ذلک یقدم أنتونی جیدنز رؤیته للبیئة المحیطة بأنها تتمثل فی التأثیرات الخارقة على قدرة الأفراد، التی تحدد اختیاراتهم؛ وفرض هذا الاختیار، حیث تکون بمثابة قوة خارجیة تؤثر فی سلوک الأفراد واتجاهاتهم؛ وتوجههم نحو تبنی أفکار وهوایات بغرض محدد یؤدی دورًا مؤثرًا فی تشکیل بنیة الفعل (عودة، 2012، ص 110)، مما یشیر إلى التأثیر الفعال للبیئة المحیطة للأبناء فی مساعدتهم على اکتساب مهارات، وقدرات وتشجیعهم علیها، وتوجیههم نحو تحقیق إطار تکاملی لبنیة الکیان الإنسانی داخل جماعته.
یری أنتونی جیدنز أن الأبناء یتعلمون عبر عملیة التنشئة الاجتماعیة للعدید من الأدوار الاجتماعیة؛ وتکون بمثابة توقعات للمعرفة الاجتماعیة؛ ومن المتوقع أن یحققها الفرد فی أوضاع اجتماعیة محدده، حیث تعمل التنشئة الاجتماعیة وتتفاعل عبر الأجیال، فالطفل منذ مولده یتعرض للعدید من التغیرات والتفاعلات من قبل الآباء، ویرتبط بعلاقة الأبوة والأمومة، ویلاحظ أنشطة البالغین؛ ویلاحق الأطفال طیلة عمرهم فی الوقت الذی یتحول فیها الآباء إلى أجداد؛ ویکونون حلقة وصل تربط بین ثلاثة أجیال أو أکثر، مما یؤثر على إعادة تشکیل التفاعلات الاجتماعیة، مشیرًا إلى أن هذا الأمر قد یعطی للأفراد الحریة فی أن یطور وظائفهم، فیتعلمون الجدید، ویتکیفوا مع ظروف الحیاة المستجدة حولهم (جیدنز، 2007، ص ص 88-89).
وقد حاول جیدنز صیاغة نظریة حول التشکیل البنائی للتأکید على وجود ازدواجیة من الفعل والأبنیة الاجتماعیة، مؤکدًا على أن کل فاعل اجتماعی داخل بیئته یدرک شروط إعادة إنتاج المجتمع الذی یکون عضوًا فیه (بیرت و آدمز، 2011، ص 111)، کما تناول الفجوة التی تظهر فی بعض الأحیان بین البنیة والفعل، مشیرًا إلى أن الفعل یمثل دورًا أساسیًّا فی تشکیل البیئة الاجتماعیة، وذلک من خلال تأثیر الأخیر فی تشکیل الأفعال والممارسات والهویات، مؤکدًا على استمرار المجتمعات الإنسانیة فی التشکل والتباین (عودة، 2012، ص 110)، ساعیًّا إلى اعتبار البناء والفعل وجهان لنفس الظاهرة، أی التأکید على الازدواجیة البنائیة، مشیرًا إلى دور مهارات الفعل الإنسانی فی تکوین البناء الاجتماعی، ویشیر جیدنز إلى أن الوسائل المادیة والثقافیة تمکن الأفراد دائمًا من القیام بالفعل (مثال ذلک المدارس، والمصانع) وغیرها من المؤسسات الاجتماعیة، حیث یمتلک التعلیم داخل المدارس، القواعد والمهارات والوسائل التی تعمل على إعادة إنتاج هذه المؤسسات؛ مشیرًا إلى أن هذه المصانع والمدارس لا تعید إنتاج نفسها، بل الأفراد الفاعلون هم من یعیدون إنتاجها، وقد أکد جیدنز أنه على الرغم من ذلک، إلا أن البناء الاجتماعی مستقلاً عن الفعل الإنسانی الذی یؤسسه، فالفعل هو الممارسة، والممارسة الاجتماعیة هی البناء والعقل فی آن واحد (عبد الجواد، 2002، ص 63).
مما سبق یمکن الاستفادة من هذه الافتراضات النظریة لجیدنز فی الدراسة الحالیة، من خلال تأکیده على وجود علاقة ترابطیة بین تأثیر البیئة الاجتماعیة المحیطة ومؤسسات التنشئة الاجتماعیة على الفاعلین، وأن هؤلاء الأبناء هم الذین یؤدون دورًا فعالاً فی بناء المجتمع؛ وذلک من خلال الدعم المهنی الذی یقدمه المحیطون بهم داخل المجتمع، باعتبار أن هذا الدعم والعلاقة التبادلیة بین الفعل والبیئة الاجتماعیة تعبر عن امتزاج الدوافع والبواعث التحفیزیة بین الآباء والأبناء نحو إنجاز مهام معینة متفق علیها، تؤدی إلى الحفاظ على المجتمع وجمیع مؤسساته، فعلى الرغم من استقلالیة الأبناء، إلا أنهم فی النهایة یصبون أفکارهم فی قوالب نمطیة، تکون التشکیل البنائی للمجتمع؛ وتحقق الصالح العام الذی یرتضیه.
3. بییر بوردیو:
یُعد عالم الاجتماع الفرنسی بییر بوردیو من أکثر المفکرین الذین اهتموا بدراسة تأثیر البیئة الاجتماعیة والوسط الاجتماعی المعاش على المخرجات التعلیمیة والثقافیة للأبناء داخل المجتمع؛ مشیرًا إلى دور الوسط الاجتماعی والثقافی، والنوازع Ensemble of Disposition والإدراک الذی یحدثان داخل الفاعلین الاجتماعیین والمجال، من خلال تأکیده على العلاقة المترابطة بین الأوضاع الاجتماعیة وبیئة الأفراد؛ حیث أشار إلى ضرورة دمج وتحلیل خبرات الفاعلین الاجتماعیین من جهة؛ وتحلیل الأبنیة الاجتماعیة التی تترجم فیها هذه الخبرات من جهة أخری وبأنماطها المختلفة (عبد الجواد، 2002، ص 29).
یؤکد بوردیو على وجود علاقة تفاعلیة بین البیئات الاجتماعیة والفرص المتاحة، والتطلعات التعلیمیة المهنیة للأبناء، مشیرًا إلى الدور الکبیر الذی تلعبه الطبقة الاجتماعیة والمکنون الثقافی للآباء فی التأثیر على معدل التفاعل المهنی والطموح الأکادیمی للأبناء (Reay & Ball, 2011)، مؤکدًا وجود صلة قویة بین الخلفیة الاجتماعیة للآباء وتطلعاتهم وفقًا لمؤشرات ملموسة یستطیع البعض الوصول إلیها؛ والبعض الآخر یفتقد تلک القدرة، نظرًا لبعض المعوقات الاجتماعیة التی یعانون منها داخل بیئاتهم الاجتماعیة (Baker, 2014, p. 528). ویری بوردیو أن التطلعات المهنیة تشکل إلى حد کبیر هیکل الفرص المتاحة فی عملیة النمو المبکر للأبناء وفقًا لقوانین سوق العمل، والمتاح من الفرص، وتذلیلها لخدمة مصالحهم وتنمیة مهاراتهم وقدراتهم منذ أعمار مبکرة داخل أسرهم (Ibid, p. 528).
تناول بوردیو قضیة هامة فی هذا الإطار، وهى أن الأبناء الذین یأتون من بیئات محرومة وینتمون إلى والدین ذوی مستوى تعلیمی، ومهنی، وثقافی منخفض یبدون أقل رغبة فی تنمیة تطلعاتهم، حیث یفتقدون محفزات الترشح لتولی بعض المهن فی سوق العمل؛ ویشعرون بأنهم یدفعون عواقب انتمائهم إلى تلک الأسر، ومن ثم یکون عدد کبیر منهم عرضة للمخاطر بحثًا عن احتیاجاتهم الأساسیة التی یفتقدونها فی تلک الأسر (Bynner, 2001, pp. 19-22)، وربما یعود ذلک إلى أن هؤلاء الأبناء لم یکن لدیهم القدر الکافی من الإعداد المهنی الذی یدفعهم إلى تحقیق الحراک الثقافی والاجتماعی؛ بالمقارنة مع أبناء الطبقات العلیا والوسطی، الذین یمتلکون أیدولوجیات، ومهارات، وقدرات مکتسبة نظرًا لنمط التشجیع والدوافع التی یحصلون علیها من قبل آبائهم؛ والتی تکون بمثابة توجیه ومحفز لتنمیة حیاتهم المجتمعیة وتطلعاتهم المهنیة (Zhao & Hong, 2018, p. 1234)، کما یری بوردیو أن التطلعات المهنیة من شأنها أیضًا التأثیر فی معدل الاستثمار فی التعلیم لدى الأبناء، مع التأکید على الآلیات التی من خلالها یتم دمج وتحقیق هذه الطموحات؛ ویأتی فی مقدمتها المکتسبات الثقافیة التی أکتسبها الطلاب من بیئتهم الاجتماعیة (Baker, et al., 2014, p. 529).
مما سبق یمکن الاستفادة من تلک القضایا النظریة التی عرضها بوردیو فی الدراسة الراهنة فی فهم بعض القضایا المحوریة ذات الصلة بطبیعة الخلفیة الاقتصادیة والاجتماعیة للوالدین، وما یمتلکونه من مزایا وقدرات، ومکتسبات ثقافیة، ودورها فی زیادة معدلات التطلع المهنی للأبناء، فکلما ارتفع مستوى الآباء التعلیمی، والمهنی، والاقتصادی، کلما کانت الفرص أکثر إتاحة للأبناء فی تحقیق تطلعاتهم المهنیة التی تتوافق مع اتجاهات آبائهم؛ وکلما کان الآباء على علم ومعرفة بما یتناسب مع قدرات أبنائهم التعلیمیة، کلما کانوا یکرسون طاقاتهم، وقدراتهم، وجهودهم حتی یتمکن الأبناء من تحقیق أهدافهم وتطلعاتهم المهنیة، مع ملاحظة أن هذا التطلع ربما ینمو لدى الأبناء فی تلک الأسر منذ عمر مبکر، فالطالب الذی یرى والده طبیبًا مثلا یفضل أن ینهج نهج والده المهنی، ومن المؤکد أن الظروف المادیة، والمکتسبات الثقافیة سوف تساعد على ذلک ... إلخ؛ بالمقارنة مع الأبناء الذین ینتمون إلى آباء منخفضی المستوى المهنی، والتعلیمی، والمادی، فتنخفض مکتسباتهم الثقافیة، حتی إن کان لهم طموح وتطلع أکادیمی ومهنی لبعض التخصصات، فربما تتدخل تلک الظروف الأسریة المتدنیة وتقف حجر عثرة أمام تحقیق هؤلاء الأبناء لأهدافهم الأکادیمیة والمهنیة.
المحور الثانی: المقولات النظریة المفسرة للتأثیر الوالدی على الإرشاد المهنی (آن رو، وهولند).
1- قدمت (آن رو) نظریتها عن التأثیر الوالدی فی الإرشاد المهنی، وطورت من قضایا نظریتها التی دعمت من عملیات التنبؤ باختیار المهنة لدى الأبناء، حیث أکدت دور الوالدین فی تطویر العلاقة الوظیفیة والمهنیة للأبناء (Jodi, et al., p. 1447) من خلال ترکیزها على تأثیر خبرات الطفولة المبکرة، وأهمیتها فی التأثیر على الاتجاهات المهنیة للأبناء، وسبل إشباعها؛ کما اهتمت بتأثیر الحاجات النفسیة الناتجة عن التفاعل بین الآباء والأبناء؛ متأثرة فی ذلک بآراء (جاردنر میرفی) فی تناوله للطاقة النفسیة التی یتبعها الآباء فی بعض الأحیان کوسیلة للتأثیر على الأبناء نحو العمل (المومنی، 2018، ص 10)، مشیرة إلى وجود علاقة بین التنشئة الوالدیة والقدرة على إشباع الحاجات والخبرات والمیول المبکرة للأبناء، وعلاقة ذلک بالقدرات والاتجاهات وما یتصف به الأبناء من خصائص شخصیة تلعب دوراً کبیراً فی تنمیة قدراتهم على اختیار المهنة المناسبة للمستقبل، والتی تدفعه إلى تحقیق أکبر قدر من الرضا الشخصی وتحقیق الأهداف (الذنیبات، 2006، ص 12).
وترى (آن رو) أن هناک ثلاثة أسالیب للتنشئة یتبعها الوالدان فی عملیة الاختیار المهنی (المومنی، 2018، ص 13):
أ. أسلوب الترکیز العاطفی : حیث یمیل الأبناء طبقًا لهذا النمط من التنشئة إلى العمل فی مهن قریبة من الناس، الأمر الذی یترتب علیه وجود تأثیر سلبی على حب الاستطلاع والاستکشاف عند الأبناء، ومن ثم یصبحون غیر قادرین على تحمل المسئولیة، نتیجة لأسلوب الحمایة الزائدة، والمحافظة الزائدة، ومطالبة الابن بأداء متمیز للالتحاق بمهنة معینة تفوق قدراتهم واستعدادهم.
ب. أسلوب تقبل الأبناء (الدافئ) : حیث یُظهر الآباء علاقات دافئة مع الأبناء، ویشجعونهم على الاستقلالیة، ویتیح هذا الأسلوب الاهتمام بالآخرین، حیث یمیل الأبناء إلى مهنة قریبة أو بعیدة عن الآباء؛ أما النقل العرضی، فیظهر عندما لا یتیح الوالدان إلا قلیلاً من الحب لأبنائهم، مما ینعکس على شخصیاتهم؛ ویکون لدیهم میول مهنیة عدائیة تبعدهم عن الآخرین.
ج. أسلوب تجنب الأبناء (البارد) : وهو أسلوب الرفض، حیث یتعرض الأبناء للرفض والعقاب من قبل الوالدین، دون منحهم مشاعر الحب والعاطفة؛ ومن ثم یتجه الأبناء إلى شغل مهن بعیدة عن الناس، ویمیلون إلى المهن الآلیة، التی یتبعها أسلوب الإهمال؛ فعندما یهمل الآباء أبناءهم لانشغالهم، یتجه الأبناء إلى شغل مهن بعیدة عن الناس، ویمیلون إلى العزلة وتجنب الآخرین.
مما یشیر إلى وجود علاقة تبادلیة بین أسلوب التنشئة الذی یتبعه الوالدان تجاه أبنائهم، واتجاه هؤلاء الأبناء نحو تبنی مهن قد لا تتماشى مع قدراتهم، وانما یفعلون ذلک إرضاء لآبائهم حتى یتخلصوا من الضغط والقهر الذی یتعرضون له باستمرار؛ وفی بعض الحالات یمارس الآباء ضغطًا على الأبناء حتی یتمکنوا من إلحاقهم بمهن بعیدة عن تخصصاتهم الأکادیمیة واستعدادهم العلمی والتدریبی لإرضاء أهدافهم الخاصة.
وترى (رو) أن الخیارات المهنیة تتأثر بطریقتین (Liu, et al., 2018, p. 95)
1ـ القدرات الفکریة: التی من المفترض أن تتزاید مع مرور الوقت، ویتم تطویرها وتحسینها من خلال الممارسة والجهد، وتشمل القدرة على تحمل المخاطر، وهنا یعتقد الأبناء أن مهاراتهم وقدراتهم فطریة، وأن ذلک سوف یقیدهم فی المستقبل.
2ـ القدرة على تحدید الأهداف: فأحیانًا ما یمیل التفکیر الذهنی إلى العمل الفردی نحو الاستسلام عند مواجهة الشدائد، أو الفشل، حیث یعتقد بعض الطلاب الذین یقتنعون بتغیر استراتیجیتهم العقلیة بالقدرة على اجتیاز الصعاب؛ بینما من یعتقد أن قدراتهم الفکریة ثابتة، قد یفشلون فی تحقیق الإنجاز واختیار المهن المناسبة لقدراتهم، والتی تتماشی مع أهدافهم.
وقد صنفت (رو) المهن إلى ست مهن على النحو التالی (المومنی، 2018، ص14)
1- المهن الإداریة العلیا: وهو مستوی إداری تخصصی (1) مثل الباحث الاجتماعی، ورئیس الوزراء، والقاضی والمخترع.
2- المهن الإداریة التنظیمیة: مستوی تخصصى وإداری (2) مثل (العمل کمدیر عام، معلم، صیدلی).
3- المهن شبه الإداریة : تشمل مهناً شبه تخصصیة مثل (الممرض، المحاسب، المعالج الطبیعی).
4- المهن ذات المهارة العالیة: مثل العمال المهرة (الشرطی، الکتاب، الأخصائیین).
5- المهن ذات المهارة المتوسطة: تتمثل فی العمال شبه المهرة مثل (أمناء المکتبات، الباعة الجائلون).
6- المهن الیدویة کالعمال غیر المهرة مثل (موزعی البرید، باعة الصحف، عمال المزارع).
مشیرة إلى تأثر الخصائص الوراثیة عند الأبناء بالخبرات التی یمرون بها أثناء الطفولة وفقًا لأسالیب التنشئة، کما أن الجو الأسری یؤدی دورًا کبیرًا فی اختیار مهنة المستقبل لدى الأبناء.
ویمکن الاستفادة من هذه النظریة فی الدراسة الراهنة من خلال التعرف على أنماط المهن التی یفضل الأبناء الالتحاق بها، والتأثیر المباشر للخیارات الوالدیة على تطلعات الأبناء المهنیة، سواء تلک المتعلقة بالأسرة وأنماطها الأساسیة، أو المتعلقة بنمط شخصیة الابن، من خلال علاقته بالآخرین والبیئة المحیطة، وأثر ذلک فی اختیاره المهنی والحیاتی.
2. هولند (النظریة المهنیة الاجتماعیة المعرفیة)
تُعد نظریة هولند فی الاختیار المهنی واحدةً من النظریات المعاصرة الأکثر تأثیرًا فی الخیارات المهنیة (Murray & Hall, 2007, p. 16) حیث قدمت نظریة لفهم الرضا الوظیفی والإداری للأفراد، على نطاق واسع فی معظم أنحاء العالم، من خلال تناولها للافتراضات التی یتم اثبات صحتها فی العدید من القضایا والمشکلات المهنیة التی ارتبطت بمقومات الالتحاق بالمهن والاختیار الوظیفی المناسب (Erdogam and Tezci, 2015, p. 191)، وتسعی هذه النظریة إلى بیان العوامل التی تشکل الاهتمامات والخیارات التعلیمیة والمهنیة، ومحاولة ربط الخیارات المهنیة للأبناء بعدة عوامل من أهمها البیئة والکفاءة الذاتیة (Sheu, et al., p. 252)، فکلما قصرت المسافة بین المهنة التی یشغلها الفرد وبیئته، کلما کان هناک نوع من التکیف والتماثل والانسجام؛ والعکس فکلما اتسعت الهوة بین مهنة الفرد وبیئته، کلما ارتفع معدل الانفصال وظهور المشکلات، مشیرة إلى دور الاستقرار المهنی فی تحقیق الرضا الوظیفی والثبات النفسی (Choi, et al., 2017. P. 510)
وتعرض نظریة هولند لستة أنواع من بیئات العمل، تقابلهم ستة أنواع من المهن والأنشطة التی ترتبط بها (Erdogam and Tezci, 2015, pp. 188-189)
1- الواقعیة: تتمثل فی تفضیل الأنشطة المیکانیکیة والمادیة، مثل: الأفراد الذین یکون لدیهم القدرة على حل المشکلات، ویمیلون إلى الاشتراک فی إصلاح الأجهزة المیکانیکیة والکهربائیة، ویفضلون العمل فی الأعمال التجاریة، والعمل فی الهواء الطلق.
2- التقلیدیة: تتمثل فى تفضیل الأنشطة العلمیة، مثل: الباحثین، فهم یفضلون التعامل مع المشکلات ویتمتعون بوسائل حلها بشکل عملی وتحلیلی وفضولی، مثل الریاضیات المعقدة، والمنطق.
3- الفنیة: وتتمثل فی الأنشطة الإبداعیة، مثل: الفنانین، وهم یفضلون الانتقال إلى المسرح باستمرار لامتهانهم مهن موسیقیة یفضلون التعامل معها، مثل: العازفین على الآلات الموسیقیة، وکذلک بعض الأنشطة الأخرى کالتصویر الفوتوغرافی، والإبداع، والخیال.
4- المهن الاجتماعیة: تتمیز بتفضیل الأنشطة الخدمیة، حیث یعمل أصحابها على حل مشکلات الآخرین، مثل: المتطوعین فی المنظمات الخیریة، توجیه الآخرین، والتبرع لصالح المجتمع، والمشارکة فی الأنشطة المختلفة.
5- مهن المغامرة: تتمیز بتفضیل الأنشطة القیادیة، مثل: رجال الأعمال، فهم قادة حماسیون ومغامرون یمیلون إلى المخاطرة لتحقیق الأرباح، ویکون لدیهم القدرة على الاقناع، ویقومون بالعدید من الأعمال دون ملل، ویهتمون بتحلیل التفاصیل.
6- البیئة التقلیدیة: تتمیز بتفضیل الأنشطة الیدویة والبسیطة مثل: میکانیکا السیارات، والمهن الکهربائیة، وغیرها من المهن البسیطة الأخرى.
ویمکن الاستفادة من هذه النظریة فی التعرف على ثنائیة العلاقة بین الفرد والبیئة، والربط بین الرضا الشخصی للفرد عن المهنة التی یعمل بها والبیئة الاجتماعیة المحیطة، فکلما کان الفرد أکثر انسجامًا مع البیئة المحیطة، کلما کان أکثر انصیاعًا واتساقًا مع مهنته وأکثر حبًا وشغفًا بها والعکس، کما تساعد أیضًا فی بیان الترابط والانسجام بین الفرد والمجتمع، بالإضافة إلى مراعاة السمات، والخصائص، والمتطلبات التی تتعلق بکل مهنة، وطبیعة الأشخاص وقدراتهم.
المحور الثالث : المقولات الفکریة للنظریة المهنیة النمائیة
1ـ نظریة سوبر :
اهتمت نظریة سوبر فی النمو المهنی (1980) باستعداد الأفراد لاتخاذ القرارات المهنیة المناسبة، والتی ترتبط بعملیة التعبیر عن ذواتهم، باعتبار الذات المهنیة تتطور من خلال تطور القوى العقلیة، والنفسیة، والجسمیة، والانفعالیة للفرد، خاصة أن العوامل النفسیة الاجتماعیة یرتبط تطورها بعملیات تطویر مفهوم الذات، ویسعی الإرشاد المهنی إلى مساعدة الفرد على إدراکه لقیمة الذات، وتفهمه لدورها فی أنماط المهن المختلفة، حیث یرتبط بقدرات الفرد ومیوله؛ ومن ثم فإن اختیار المهنة التی تتناسب مع قدراته من شأنها تنمیة خبراته، وتلعب دورًا کبیرًا فی اعلاء شأنه الذاتی (المومنی، 2018، ص 16).
کما أشار سوبر إلى دعم دور الوالدین فی تشکیل التطلعات المهنیة للأبناء، وذلک من خلال الاهتمام بتحلیل العوامل الهیکلیة للأسرة، والتی تتمثل فی مهنة الوالدین وثقافتهم (Jodi, et al., 2001, pp. 12-47)، مؤکدا على دور الأسرة کمصدر للسیطرة، فی التأثیر على تطور النضج المهنی والوظیفی للأبناء، وهذا ما یطلق علیه بنموذج القیمة المتوقعة، حیث یؤکد هذا النموذج على تعزیز المعلومات والموارد والرؤى التی تساعد الأبناء على تحقیق أهدافهم الوظیفیة (Ibid, p. 1247)
ویرى سوبر أن المشاریع البحثیة تُعد تأکیدًا لذلک، حیث تُعد البدایة الحقیقیة للنمو العقلی، الذی یرتبط - من وجهة نظره - بعدة مراحل ترتبط کل مرحلة بمهام أساسیة یسعی الفرد إلى إنجازها، وتساعد على تطور ذاته وقدراته، کما تعمل على تنمیة التفاعل مع المشکلات ومواجهة الصعوبات، وتجعله دائمًا یتجه نحو الواقع والمهنة الأکثر تخصصًا والتی تلائم قدراته ومهاراته (بوطاف، 2014، ص 9).
من ثم تقدم هذه النظریة قضایاها فی بعدین أساسیین، الأول: وهو المتعلق بالأسرة، باعتبارها تمثل الدافع الأساسی لتحقیق النجاح المهنی، وذلک من خلال التأکید على دورها الهیکلی البنائی فی التأثیر على تنمیة الهویات المهنیة للأبناء، وذلک من خلال مساعدتهم على تعزیز تطلعاتهم المهنیة وتشجیعهم على اختیار المهن التی تناسبهم، حیث تمثل الداعم الرئیسی والمباشر لهم، فکلما استطاعوا تزوید أبنائهم بالخبرات والمعلومات والآراء المهنیة المتطورة التی تشجعهم على الاختیار المناسب لمهنهم، أدى ذلک إلى تحقیق البعد الثانی، والمتعلق بزیادة الدافع الذاتی لهم، وجعلهم ایجابیین فی المجتمع، وذلک من خلال توظیف أفکارهم ومواهبهم وابتکاراتهم المهنیة المتطورة التی من شأنها إعلاء ذاتهم، وشعورهم بأنهم أفراد فاعلون، مما یعود بالإیجاب على المجتمع باعتبار أن ذلک یمثل النتیجة المتوقعة.
2. نظریة جینزبــرج :
تُعد نظریة(1) جینزبرج فی النمو المهنی من النظریات الإنمائیة المعاصرة التی ترکت صدى کبیرًا فی عملیات الاختیار والتطلع المهنی للأبناء؛ حیث تنظر إلى الاختیار المهنی باعتباره "العملیة التی تتضمن سلسلة من القرارات، التی تتماشى مع مصالح الأفراد، وتطلعاتهم الشخصیة، والقیم، ومعدل القدرات، والفرص المتاحة للأفراد" (Zhao & Hong, 2018, p. 233).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تختلف نظریة سوبر عن نظریة جینزبرج، فی أن الثانی اهتم بشخصیة الفرد کعامل للاختیار المهنی، حیث یعد تعبیرًا عن شخصیة الأفراد، باعتبار أن النجاح المهنی من وجهة نظره یعتمد علی التوافق بین شخصیة الفرد وبیئة العمل؛ أما سوبر فیرى أن اختیار الفرد لمهنة معینة یرتبط بمفهوم الفرد عن ذاته. winipeaia.org/wiki/https://ar
اهتم جینزبرج بالعملیة التطویریة للاختیار المهنی، مشیرًا إلى أن هذه العملیة تنقسم إلى عدة مراحل (الذنیبات، 2006، ص 12) أهمها مرحلة الاختیارات الخیالیة التی تدور بمخیلة الطفل، وتصل به عمر الحادیة عشر إلى السابعة عشر، ففی هذه المرحلة تظهر الرغبة فی بدء تطبیق التجربة، حیث تنقسم إلى أربعة أطوار.
- الطور الأول: طور الاهتمام إلى غایة، ویبدأ من (11 إلى 12 سنة) وفیه یرکز الطفل على ما ینتجه فی لحظة واحدة.
- الطور الثانی: وهو طور القدرات ویبدأ من (13 إلى 14 سنة)، ویتعلق بالترکیز على متطلبات المهن التی یفضل الالتحاق بها.
- الطور الثالث: طور القیم ویبدأ من (15 إلى 16 سنة) وفیه یتم احتساب الالتزامات المحددة، وترتیب عملیات الاختیار وفقًا للأولویات المرتبطة بتلک التطلعات.
- الطور الرابع: طور الواقعیة والاکتشاف، حیث یمثل طور التبلور، ویتعلق بالمرحلة الجامعیة؛ وفی السنة الأولی الجامعیة یبدأ الاکتشاف، ویتبلور فی السنة الرابعة، ویدخل مجال التخصص، ویلتزم هنا بالعمل فی مجال التخصص الدقیق، والبحث عن المشروع المهنی الذی یناسب حیاته (بوصلب، 2013، ص ص 465 -466).
ویمکن الاستفادة من هذه النظریة فی التأکید على أن عملیة التطلع المهنی عند الأبناء تبدأ منذ المراحل الأولی فی حیاة الطفل، وتستمر حتی دخول الجامعة، بمعنى أن التطلع المهنی لیس ولید الصدفة، بل هو نتیجة تراکمات فکریة متنوعة على فترات زمنیة متعاقبة یمر بها کل طالب، حیث یکتسب فی کل مرحلة العدید من الصفات، والسمات الحیاتیة المختلفة التی تدعم من اتجاهاته، واستعداده المهنی، حتى اتخاذ القرار النهائی فی المراحل الأخیرة، وهی تُعد وفقاً لهذه النظریة (المرحلة الجامعیة)، ویتعاقب أدوار الآباء وتأثیراتهم المتنوعة فی تلک الفترات، منذ مرحلة الطفولة؛ وذلک من خلال تغذیة الطفل بالمکتسبات الثقافیة، والتربویة، والتعلىمیة المختلفة التی تساعده على اختیار المناسب فى کل مرحلة، وربما أن جینزبرج قد تشابه فی هذه القضیة مع بییربوردیو، فی تأکیده على أن الطفل یکتسب الموروث الثقافی منذ مرحلة مبکرة من عمره، ویمر بعدة مراحل داخل أسرته فإما أن تدعمه فى هذه المراحل، وإما أن تقف أمام نجاحه وتعرقل خطاه المهنیة.
3. نظریة التردد المهنی :
اهتمت العدید من الأبحاث والدراسات بظاهرة التردد المهنی، باعتبارها تمثل "عدم القدرة على التوصل إلى قرار بشأن اختیار المهنة التی یرغب الفرد فی العمل بها"، أو "تراجع قدرة الفرد على التعامل مع المشاکل التی قد یواجهها فی عملیة اتخاذ القرار المهنی"، کما یقصد به أیضًا "التردد الذی یتعرض له الفرد عند دخول الجامعة، وتأثیر ذلک على عملیات صنع القرار لدى الشباب، والالتحاق بالمهن التی یرغبون فی الحصول علیها" وتمثل مرحلة التردد المهنی، المرحلة التی یمر بها الأفراد والمراهقون، مثل: الوصول إلى قرار مناسب یتماشى مع قدراتهم واستعدادهم العلمی والأکادیمی المناسب؛ ویصف البعض التردد المهنی، بأنه تجربة مناسبة لنجاح عملیات التنمیة، واستجابة لتطلعات وتوقعات وتجارب الشباب المطلوبة لاتخاذ القرارات المصیریة، خاصة تلک المتعلقة باختیار الوظائف التی تناسبهم.
کما تشیر هذه النظریة إلى الدور الفعال والرئیسی للأسرة، من خلال عملیات الضغط والتأثیر الذی تمارسه على الأبناء عند الالتحاق بالجامعة، حیث یرتبط ذلک بتنبؤ الآباء بالفائدة التی تعود على أبنائهم من الالتحاق بنمط معین من التعلیم الجامعی، وعلاقة ذلک بالمصروفات والنفقات التی تترتب على هذا القرار، والوظائف التی یرغب الآباء فی إلحاق أبنائهم بها، وتوقعات النجاح التی تکون فی تصوراتهم عند الحاق أبنائهم بنمط معین من التعلیم، والتردد الذى یراودهم بشأن هذا الاختیار (Jung, 2013, pp. 118-119).
یمکن الاستفادة من هذه النظریة فی الدراسة الراهنة فی تفسیر تأثیر الترددات المهنیة للآباء فیما یتعلق بالاختیارات المهنیة لأبنائهم، وما یعانی منه الأبناء عند دخول الجامعة واختیار أنماط معینة من التعلیم، بسبب ما ینتاب أباءهم من ترددات وتباینات فی وجهات النظر یفضلها الآباء وتتعارض مع قدرات الأبناء، ویؤدی هذا التردد إلى نتائج عکسیة، یترتب علیها فی بعض الأحیان استسلام الأبناء لآراء ووجهات نظر معینة تؤدی بهم إلى عملیات الانسحاب التدریجی، وربما یقودهم إلى الفشل المهنی.
الدراسات السابقة :
هناک عدد من الدراسات التی تناولت بعض القضایا التی تقترب من موضوع الدراسة الراهنة، بعضها تناول المحددات الاجتماعیة والبعض الآخر تناول تأثیر المحددات الاقتصادیة على تطلعات الأبناء المهنیة، ویتضح ذلک من العرض التالی:
المحور الأول : الدراسات التی تناولت علاقة المحددات الاجتماعیة بالتطلعات المهنیة للأبناء.
1- دراسة علی عبدالرازق (1982)، عن "العوامل الاجتماعیة والاقتصادیة المؤثرة على الحراک المهنی فی المجتمع الریفی: دراسة میدانیة فی قریه بمحافظة الوادی الجدید" کشفت الدراسة تأثیر العوامل الاجتماعیة والاقتصادیة (التعلیم, والعلاقات الأسریة، وضع ملکیه الأرض الزراعیة) علی الحراک المهنی فی المجتمع الریفی؛ حیث أجریت هذه الدراسة علی عینه مکونه من (272) مفرده، تتراوح أعمارهم ما بین 25-35 عامًا، واستخدام أداة الاستبیان ودلیل المقابلة کوسائل لجمع البیانات اللازمة من المیدان، بالإضافة إلى الاستعانة بعینة من الإخباریین، والسجلات الرسمیة؛ واستخدام المنهج المقارن. وقد توصلت الدراسة إلى عدة نتائج من أهمها: أن العلاقات الأسریة الدیمقراطیة تؤثر بشکل فعال علی الحراک المهنی بین الأجیال؛ وأن امتداد علاقات الفرد بالمجتمع الخارجی یلعب دورا مؤثرا فی الحراک المهنی الإیجابی؛ کما کشفت الدراسة أیضًا أن حجم ملکیه الأراضی الزراعیة لا تؤثر فقط على مستوى الحراک بل ان شکل الملکیة یؤثر بوضوح على الحراک المهنی؛ وأخیرًا أکدت الدراسة على الدور المحورى للتعلیم فی دعم الحراک الایجابی بین الأجیال (عبدالرازق، 1982، ص ص 1- 352).
2- دراسة بویل وبیت (Powell and Peet, 2000)، عن "التوقعات والتطلعات المهنیة: رؤیة الأمهات لمستقبل أبنائهم العلمی والمهنی" هدفت الکشف عن العلاقة بین معتقدات الأمهات والإنجاز الأکادیمی للطلاب، حیث أجریت الدراسة على عینة مکونة من (141) طفل فی الصفوف الدراسیة من الأول حتی الرابع ذوی المستوی التعلیمی المنخفض، باستخدام المقابلات، وتصمیم مقیاس تم تطبیقه على الأمهات، بالإضافة إلى الرجوع إلى سجلات النشاط والإنجاز الاکادیمی للطلاب؛ وقد أسفرت الدراسة عن عدة نتائج من أهمها:أن الأمهات اللائى اعتقدن أن أطفالهن یستحقون قدرا من التعلیم الضرورى لتولى الوظائف العلیا والمتوقعة، کان مستوى تطلعهم أکبر للوظائف الملائمة لأبنائهم مقارنة بالأمهات اللائی اعتقدن أن أطفالهن لن یحصلوا على قدر التعلیم الضرورى للوظیفة، مما ترتب علیه تراجع مستوى تطلعهن لامتهان أبنائهن مهناً علیا ذات مکانة مرموقة (Powell and Peet, 2000).
3- دراسة دیبووآخرین (Dubow, et al., 2008)، هدفت إلى التعرف على أثر المستوى التعلیمى للوالدین على الإنجاز التربوی والمهنی للأبناء فی مقاطعة کولومبیا، عن طریق إجراء مقابلات مع عدد من الطلاب بلغ عددهم (856) طالبا، وقد کشفت نتائج هذه الدراسة عن تراجع تأثیر المستوی التعلیمی للوالدین بشکل مباشر على تطلعات الأبناء، ولکن جاء هذا التأثیر بشکل غیر مباشر من خلال بعض المتغیرات الأخرى، مثل: تأثیر بیئة الأقارب، والأصدقاء، والذین کان لهم دور کبیر فی دعم التطلعات المهنیة لهم (Dubow, et al., 2008, pp. 224-249).
4- دراسة جودی وآخرین (Jodi, et al., 2001)، عن "تأثیر أدوار الوالدین فى تشکیل التطلعات المهنیة للمراهقین" سعت الدراسة الى الکشف عن المسارات المباشرة، وغیر المباشرة التی ترتبط بالوالدین (الأب - الأم) وعلاقة ذلک بمستویات التطلع المهنی للأبناء فی وقت مبکر، حیث أجریت الدراسة على عینة مکونة من (444) طالبًا وطالبة من أصول أفریقیة وأوربیة، فی الصف السابع فی مدینة (بریلاند) بمنطقة المحیط الأطلسی، وقد توصلت الدراسة إلى أن الأسرة الأوربیة - متمثلة فی قیم وسلوک الوالدین - تؤثر تأثیرًا مباشرًا على أبنائها الطلاب، بینما توسط تأثیر سلوک الآباء الأفارقة على أبنائهم الطلاب، ویعود ذلک الى اعتناء الأسرة الأوربیة بمستقبل أبنائها والتخطیط له (Jodi, et al., pp. 1247-1265).
5- دراسة فیبیج، وبوریج (Fiebig & Beaurreg, 2011) عن "تأثیر الأمهات على التطلعات المهنیة للمراهقات الموهوبات"، هدفت إلى الکشف عن تأثیر مهن الأمهات على التطلعات المهنیة للفتیات، حیث أجریت الدراسة على (43) فتاة من المراهقات الموهوبات فی الصفین السابع والثامن بالولایات المتحدة الأمریکیة وألمانیا خلال أربع سنوات، وإعادته على نفس العینة مرة أخری عندما بلغن الصف الحادی عشر، والثانی عشر، وتوصلت الدراسة إلى أن الفتیات الأمریکیات والألمانیات کن على ثبات فى تفضیلهن للمهن التی تطلعن إلیها منذ أربع سنوات، حیث اختارت الفتیات الألمانیات مهنًا مرموقة مقارنة بالفتیات الأمریکیات اللاتی اخترن مهنا أقل تتطلب تدریبًا عملیًّا طویلاً، وأعزت الدراسة ذلک إلى الاختلاف فی مستوى تعلیم الأمهات لدى أفراد العینة، وتراجع دور الإرشاد التربوی لدى أمهات الفتیات الأمریکیات وتزایده لدى أمهات أفراد العینة من الفتیات الألمانیات (Fiebig & Beaureg, 2011, pp. 45-67).
6- دراسة فریونیدز وجوفیاز (Vryonides and Gouvias, 2012)، عن "توقعات الوالدین لطموح أبنائهم التعلیمی والمهنی فی الیونان: دور الطبقة)" هدفت إلى التعرف على الطریقة التی ینظر بها أولیاء الأمور إلى تطلعات أبنائهم التعلیمیة والمهنیة والعوامل المؤثرة فى ذلک، بالاعتماد على أدلة استقصائیة حیث أجریت الدراسة على حوالى (700) مفردة من أولیاء أمور التلامیذ فی المدارس الابتدائیة بالیونان. وقد کشفت نتائج الدراسة عن وجود مجموعة من العوامل المؤثرة من أهمها: رأس المال الثقافی الأبوی، وطبیعة البیئة المنزلیة، حیث أشارت الدراسة إلى أن الأسر غالبًا ما تستخدم الاستراتیجیات المختلفة نتیجة لواقعها الاجتماعی الذی یرتبط بسمات ثقافیة والتی تکون دافعة للأبناء، مما یؤدی إلى وجود تمایزات طبقیة فی اتاحة الفرص التعلیمیة والمهنیة، مما یؤکد على تأثیر الدور الفعال للطبقة على تطلعات الأبناء المهنیة من وجهة نظر الآباء (Vryonides and Gouvias, 2012, pp. 319-329).
7- دراسة (الزینی 1984) عن "استخدام دینامیات الجماعة فی ترشید القرارات المتعلقة بالاختیار المهنی: دراسة میدانیة على عینة من طلاب المرحلة الثانویة فی محافظة الجیزة"، هدفت الدراسة الکشف عن تأثیر الجماعة المحیطة بالطلاب على قراراتهم المتعلقة باختیار بعض المهن التی یمکن أن یلتحقوا بها، وتوصلت إلى أن جماعة الأصدقاء تُعد من أبرز الجماعات التی تلعب دورًا فعالاً فی التأثیر على الاختیار المهنی المناسب لدى عینة الدراسة، وذلک من خلال أسالیب الإقناع التی کانت تمارسها الجماعة والتی تمثلت فی عملیات النصح، والإرشاد، والتشجیع والتی لعبت دورًا فعالاً فی التأثیر على قرار الاختیار المهنی للطلاب فی تلک المرحلة (الزینی، 1984، ص ص 1-348).
8- دراسة بوطاف (2014)، عن "علاقة الاختیار المهنی بتقدیر الذات لدى تلامیذ الصف الثالث الثانوی"هدفت إلى التعرف على تأثیر تقدیر الذات على الاختیارات المهنیة للأفراد، وکذلک الکشف عن الفرق بین الجنسین فی الاختیارات المهنیة، ودور التخصص العلمی فی تنمیة هذه الاختیارات، حیث أجریت الدراسة على عینة من (300) من طلبة المرحلة النهائیة بالتعلیم الثانوی، باستخدام مقیاس تقدیر الذات واستبیان الاختیار المهنی، وتوصلت الدراسة إلى وجود تأثیر فعال للدوافع الذاتیة على التطلعات المهنیة لدى الغالبیة العظمى من أفراد العینة، کما أشارت إلى وجود فروق بین الجنسین فی التطلعات المهنیة، حیث تمیل الإناث إلى المهن الاجتماعیة والأدبیة؛ بینما یمیل الذکور إلى المهن التی تتصف بالمخاطرة (بوطاف، 2014، ص ص 8-21).
9- دراسة العنزی، والخضر (2018)، عن "اتجاهات المتقدمین للعمل فی دولة الکویت نحو ادوات الاختیار الوظیفى" هدفت الى التعرف على اتجاهات المستقدمین لشغل أدوار وظیفیة نحو عدالة الاختیار، وکذلک الکشف عن الاختلافات بین المتقدمین وفقًا للنوع، والتعرف على العوامل التنظیمیة الجاذبة التی أدت إلى اتجاه الأفراد الى امتهان مهن معینة، حیث أجریت هذه الدراسة على عینة مکونة من (110) مفردة مقسمة کالتالی: (57) ذکور، (53) أناث، تتراوح أعمارهم من (18-53) سنة، باستخدام مقیاس عدالة الإدارة والجاذبیة التنظیمیة، بالإضافة إلى استخدام طریقة المقابلة، وتوصل الباحثان إلى وجود فروق بین الذکور والإناث فی تفضیل أنواع معینة من المهن، کما أشارا إلى أن أسلوب المقابلة هو الأسلوب المتبع فی عملیة المفاضلة بین المتقدمین لشغل الوظائف باعتباره الأکثر عدالة، باستثناء بعض الأمور الأخرى القلیلة کالتزکیة والوساطة، کما أشارت الدراسة أیضًا إلى وجود ارتباط بین کل من الجاذبیة المنظمة فی بیئة العمل وأسلوب المقابلة المستخدم فی عملیة الاختیار، وأن الراتب والدخل هما أکثر العوامل الجاذبة للعمل داخل بیئة العمل (العنزی، الخضر، 2018، ص ص 125-152).
10- دراسة ویب وآخرون Webb, et al., 2015))، عن "تأثیر الأبعاد الجغرافیة والمکانیة على تطلعات الأبناء فی مرحلة ما بعد المدرسة". تهدف الدراسة الکشف عن الفرق بین السکان الریفیین والحضریین فی مدی إتاحة الفرص المناسبة للتطلعات المهنیة والوظیفیة للأبناء. وقد توصلت إلى وجود عدة عوامل جعلت البیئة ذات تأثیر على التطلعات المهنیة للأبناء، من أهمها: أن هذه التطلعات تأثرت بالبیئة السکنیة المحیطة والجوار، بالإضافة إلى تأثیر الفئات الوظیفیة الأکثر شعبیة (المهن الأکثر انتشارًا)، کذلک المسار الجامعی المفضل للشباب، وطبیعة مهن الآباء، وطبیعة المصالح والمؤسسات الحکومیة، وأخیرًا الفرص المتاحة بعد التخرج من الجامعة وعلاقة ماسبق بالبیئة السکنیة للأبناء (Webb, et al., 2015).
المحور الثانی: الدراسات التی تناولت علاقة المحددات الاقتصادیة بالتطلعات المهنیة للأبناء.
11- دراسة زفونوفسکی، وبیلوسوف (Zvonovskii & Belousova, 2007)، عن "الشباب وسوق العمل الثانوى" هدفت الکشف عن تأثیر العمل أثناء الدراسة على إکساب مهارات العمل النوعیة التی تلبی سوق العمل، والتعرف على التطلعات المهنیة لدى الشباب الذین یعملون فی مهن ثانویة کمصدر للدخل وتحسین ظروف المعیشة، وعلاقة تلک المهن الثانویة بتطلعاتهم المهنیة والمستقبلیة؛ حیث أجریت هذه الدراسة على عینة من الشباب الذین یعملون بشکل ثانوی فی فترات الإجازة الموسمیة، وذلک باستخدام استمارة الاستبیان؛ وکشفت نتائج الدراسة عن وجود تشابه بین هؤلاء الشباب خاصة فیما یتعلق بظروفهم الاقتصادیة، وإحساسهم الداخلی بأهمیة العمل کوسیلة لتحسین مستوى معیشتهم، کما أشارت الدراسة إلى وجود اختلاف بین خصائص المهن التى یتطلع إلیها الشباب وبین طبیعة الوظائف الفعلیة التى یعملون بها، کما أن العمل الثانوی لیس له علاقة بتطلعات سوق العمل المهنیة والمستقبلیة لهم، وبدا دور الأسرة ضعیفًا جدًا، ولم یظهر إلا لدى عدد قلیل من أفراد العینة (Zvonovskii & Belousova, 2007, pp. 26-48).
یُلاحظ من الدراسة السابقة أن الهدف من العمل هو التربح المؤقت لتحسین ظروف المعیشة، والانفاق على مراحل التعلیم المختلفة، وأن هذه المهن لا تمثل التطلع المهنی الرئیسی لدى عینة الدراسة، فالتطلع المهنی هنا هو صورة لحیاة مستقبلیة یرسمها الآباء لأبنائهم.
12- دراسة کارول (Caroll, 2008)، عن "الاختیار المهنى، المکانة الاجتماعیة-الاقتصادیة والتحصیل التعلیمى" أجریت على عینة من الأسر البریطانیة باستخدام دلیل المقابلة، وکشفت عن وجود فارق بین تطلع الشباب لبعض المهن والوظائف وحقیقة قدراتهم على امتهان تلک المهن، کما أشارت الدراسة إلى أن الطلاب الذین کان لدیهم تطلع مهنی منخفض کانوا ینتمون إلى أسر یعمل الآباء فیها بمهن حرفیة ذات مستوی تعلیمی منخفض، حیث کان لها تأثیر سلبی على تطعات أبنائهم، خاصة ذوی الخلفیات المحرومة والشرائح الفقیرة، بالإضافة إلى حالة الحرمان الاقتصادی التى کانوا یعانون منها (Caroll, 2008, pp. 243-268).
13- دراسة بوکیر وآخرون (Boker, et al., 2014) عن "التطلعات والتعلیم، وعدم المساواة فی إنجلترا" توصلت إلى أن معدلات التطلع المهنی تختلف بین الطلاب باختلاف مجموعة من العوامل من أهمها: المستوی الاقتصادی للآباء، الذی لعب دورا هاما فی تنمیة التطلعات المهنیة لدى الأبناء، ومن ثم المشارکة فی احداث الحراک الاجتماعی والمهنی لهؤلاء الطلاب (Boker & Others, 2014, pp. 525-542).
14- دراسة (بیشیا Baishya 2014) عن "التطلعات المهنیة لطلاب المدارس الثانویة العلیا" هدفت الکشف عن التباین فی التطلعات المهنیة لدى عینة من الطلاب فی کل من المدارس الحکومیة والخاصة، والتعرف على دور عامل الدخل فی دعم أو کبت تلک التطلعات المهنیة ، باستخدام منهج المسح الشامل. کشفت الدارسة عن أن معظم الذین حققوا تطلعات مهنیة مرتفعة کانوا ینتمون إلى أسر ذات معدل دخل مرتفع، خاصة لدى طلاب المدارس الخاصة، حیث تطلعوا للعمل فی مهن الطب، والهندسة؛ بینما أشارت نتائج الدراسة إلى عدم وجود فروق ذات دلالة إحصائیة فی مستوى التطلعات المهنیة لدى طلاب وطالبات المدارس الحکومیة وفقًا للنوع، حیث کان ینتمی معظمهم إلى بیئات محرومة، ومن ثم کانوا أقل فی تطلعاتهم المهنیة (Baishya, 2014, pp. 113-117).
15- دراسة (کارفالوه Carvalho 2015) عن "تأثیر التنشئة الاجتماعیة الوالدیة على نجاح الفتیات فى المجتمعات الحضریة الفقیرة فى البرازیل" والتى تم تطبیقها على ثمانی أسر منخفضة الدخل لدیها أبناء من الجنسین فی مدینة ساوباولو بالبرازیل، باستخدام دلیل المقابلة والملاحظة. أشارت النتائج إلى وجود تأثیر فعال للتنشئة الاجتماعیة الوالدیة على إنجاز الفتیات فی مختلف مراحل التعلیم، وعلى التطلعات المهنیة والوظیفیة المستقبلیة لهن، مع التأکید على دور الوالدین فی تطویر قیمهن، وتنمیة قدراتهن على توسیع شبکة العلاقات الاجتماعیة والتواصل الاجتماعی، الأمر الذی کان له مردود فعال فی التأثیر على تطلعاتهن المهنیة ، وذلک من خلال إبداء رغبتهن فی الاستمرار فی التعلیم، والبحث عن وظائف ذات مهارات عالیة تتوافق مع تطلعاتهن التى کن یرغبنها داخل أسرهن، مما یشیر إلى أن دخل الأسرة هنا لم یؤثر علیهن بالسلب، بل کان تأثیره إیجابیًّا ودفعهن إلى تلبیة طموحاتهن وتوسیع تطلعاتهن المهنیة (Carvalho, 2015, pp. 583-598).
16- دراسة (ستاهل، وبارزStahl & Baars 2016) عن "دور البیئة والمکان فى تشکیل التطلعات المهنیة" تناولت تأثیر الفضاء والبیئة على دعم التطلعات المهنیة للذکور من أبناء الطبقة العاملة، وقدرتهم على مواجهة تحدیات الظروف الشخصیة، وخاصة التنافس، والفقر، وسیطرته على الوضع القائم، وعلاقة ذلک بدعم روح المبادرة والتطلع لدیهم، حیث قام الباحثان بدراستین نوعیتین عن الأحیاء المحرومة فی جنوب مانشستر جنوب لندن. توصلت الدراستان إلى أن التطلعات المهنیة لدى الفقراء تتشکل فی بیئات متنازعة بین الهویات التقلیدیة المحلیة، وتحدیات الذات، والقیود، کما توصلا إلى وجود تأثیر للبیئة الجغرافیة والمکانیة قد یؤدى إلى الحد من تطلعات الأبناء المهنیة فی المستقبل (Stahl & Baars, 2016, pp. 313-327).
رؤیة تحلیلیة للدراسات السابقة :
من خلال العرض السابق للبحوث والدراسات السابقة یتضح أن بعضها أکد تأثیر المحددات الاجتماعیة على تطلعات الأبناء المهنیة؛ بینما أکد البعض الآخر أن المحددات الاقتصادیة تمارس الأثر الأکبر على تلک التطلعات، مما یشیر إلى وجود خلاف حول هذه القضیة. وقد تناولت هذه الدراسات العدید من القضایا التی اقتربت من موضوع الدراسة الراهنة، واستفاد منها الباحث على المستویین النظری والمنهجی؛ إلا أن هناک بعض الملاحظات التی یمکن رصدها فی ضوء علاقتها بالدراسة الراهنة على النحو التالی:
1- لوحظ أن الغالبیة من الدراسات السابقة قد رکزت على تناول عامل واحد فقط کمؤثر على التطلعات المهنیة موضوع الدراسة، مثل دراسة دیبو الذی تناول تأثیر المستوی التعلیمی على تطلعات الطلاب، وکارل بول فی اهتمامه بتأثیر المستوی الاقتصادی، وکذلک بوکیر وبیشتا، وویب؛ باستثناء دراسة علی عبدالرازق التی تناولت أکثر من متغیر (العلاقات الأسریة، والتعلیم، وملکیة الأرض الزراعیة)؛ بینما فی الدراسة الراهنة تتناول عده متغیرات معا تمثل الأبعاد الاجتماعیة والاقتصادیة للوالدین مثل:المستوی التعلیمی، المهنة، مستوى دخل، والبیئة السکنیة (محل الإقامة)، والمستوى الثقافی.
2- قلة الدراسات العربیة التی تناولت تأثیر الأبعاد الاجتماعیة والاقتصادیة للآباء على تطلعات الأبناء المهنیة مقارنة بالدراسات الأجنبیة.
3- أن الدراسات السابقة أجریت على شریحة طبقیة معینة، معظمها من الشرائح الفقیرة، باستثناء دراسة بیشیا التی أجریت على شریحتین من طلاب المدارس الحکومیة والخاصة، ولکن الدراسة الراهنة تتناول ثلاث شرائح طبقیة فی المجتمع.
4- لوحظ أن الدراسات السابقة استخدمت طرقًا محدده فی جمع البیانات مثل صحیفة الاستبیان والمقابلة، حیث اختصت کل دراسة باستخدام أداة منهجیة واحده مثل دراسة زنوفوتسکی، وبعضها اعتمد على طریقة المقابلة، مثل: دراسة دیبو، وکارل بول؛ وبعضها استخدم طریقتین، مثل: بویل، وکارفالوه ، والعنزی حیث استخدمت طریقتین مثل المقابلات، واستخدام بعض المقاییس؛ بینما الدراسة الراهنة توظف أکثر من أداة مثل صحیفة الاستبیان، وتصمیم مقیاس لقیاس اتجاهات الطلاب نحو التطلعات المهنیة تم صیاغته وتحکیمه، واستخدام المقابلات، بالإضافة إلى استخدام الوثائق والسجلات، وعدة أسالیب إحصائیة أخرى.
5- اشتملت العینة فى أغلب الدراسات السابقة على طلاب المرحلة الابتدائیة وحتی الثانویة، والأبناء فى هذه الأعمار قد یدرک بعضهم التطلع المهنی المناسب، والبعض الآخر قد لا یدرکه بشکل فعال، باستثناء دراسة العنزی التی تناولت أفرادًا تتراوح أعمارهم من (18 إلى 53) سنة؛ بینما تشمل عینة الدراسة الراهنة الطلاب الجامعیین، فی السنة النهائیة، کونهم أکثر إدراکًا لتطلعاتهم المهنیة الحقیقیة.
الإجراءات المنهجیة للدراسة :
سبق أن عرض الباحث أهداف الدراسة وتساؤلاتها الأساسیة، والمفاهیم، وأبرز المقولات النظریة المتعلقة بموضوع الدراسة، وأهم الدراسات والبحوث التی تناولت موضوعات تلامس موضوع الدراسة الراهنة؛ وفیما یلی یعرض الباحث للإجراءات المنهجیة للدراسة، متضمنة: المجالات، عینة البحث، المنهج، أدوات جمع البیانات، والأسالیب الإحصائیة التی تم استخدامها فی الدراسة.
1- مجالات الدراسة :
تشتمل الدراسة الحالیة على ثلاثة مجالات أساسیة؛ تمثلت فی المجال الجغرافی، الذی انصب على محافظة بنی سویف وتحدیدا جامعة بنى سویف، أما المجال البشری، فقد تمثل فی عینة من طلاب وطالبات ینتمون إلى کلیات القمة بجامعة بنی سویف – کما سیوضح ذلک بالتفصیل لاحقا. أما المجال الزمنی فقد استغرقت الدراسة أربعة أشهر، وهو الزمن المستغرق فی جمع البیانات من المیدان.
2- منهج الدراسة :
یُستخدم المنهج المقارن فی الدراسة الحالیة من خلال المقارنة الزمنیة والمکانیة للکشف عن أوجه الشبه والاختلاف بین الشرائح الثلاث، فیما یتعلق بالمحددات الاجتماعیة والاقتصادیة للتطلعات المهنیة للأبناء؛حیث یقارن الباحث بین ثلاث شرائح طبقیة تنتمی إلیها عینة الدراسة، متمثلة فی: الطلاب الذین ینتمون إلى الشریحة الدنیا، والطلاب الذین ینتمون إلى الشریحة الوسطى، والطلاب الذین ینتمون إلى الشریحة العلیا، وذلک فیما یتعلق بالتطلعات المهنیة للأبناء.
وقد تم الاعتماد على منهج المسح الاجتماعی بالعینة؛ حیث قام الباحث بإجراء مسح اجتماعی على طلاب وطالبات السنوات النهائیة فی کلیات القمة بشعبتیها الأدبی والعلمی، وتم اختیار عینة ممثلة من تلک الکلیات.
3- أدوات جمع البیانات :
تم الاعتماد فی هذه الدراسة على عدة أدوات لجمع البیانات، تمثلت فی صحیفة الاستبیان، حیث طُبقت عن طریق مقابلة الباحث لأفراد العینة محل الدراسة؛ وکذلک مقیاس للتطلعات المهنیة للطلاب؛ بالإضافة إلى استخدام المقابلات المتعمقة، واستخدام الوثائق والسجلات والإحصاءات الرسمیة بقسمی شئون التعلیم والطلاب، وشئون الخریجین بالجامعة؛ للتعرف على أعداد الطلاب من الجنسین بکلیات القمة فی السنوات النهائیة.
أولاً - صحیفة الاستبیان:
أعد الباحث صحیفة استبیان مکونة من العناصر التالیة:
1- البیانات المتعلقة بالمستوى التعلیمی للوالدین (نوع التعلیم لکل من الأب والأم، ومستوى تعلیم کل منهما)
2- البیانات المتعلقة بالمستوى المهنی للوالدین (نوع المهنة لکل منهما) .
3- البیانات المتعلقة بالمستوى الاقتصادی للوالدین (متوسط دخل الأسرة ونوعه).
4- البیانات الخاصة بمحل الاقامة (محل الإقامة، واسم الحی، ومدى مجاورة السکن لمصالح ومؤسسات حکومیة وخاصة).
5- البیانات المتعلقة بالمستوى الثقافی للوالدین (تشجیع الآباء على تنمیة التراکمات الثقافیة للأبناء، ودعم استعداداتهم الفکریة).
وحرصًا من الباحث على أن تفی صحیفة الاستبیان بهدف البحث وتساؤلاته الأساسیة، وخروجها بشکل علمی مناسب، فقد اتبع الباحث مبدأین أساسیین، هما:
1- معامل ثبات الصحیفة حیث قام الباحث بعرض الاستمارة على عینة من الطلاب والطالبات محل الدراسة، ثم عرضها مرة أخرى بعد مرور 14 یومًا، للتحقق من مدى ثبات واستقرار آراء الطلاب، وتوصل إلى وجود معدل ثبات یصل إلى 94.7٪ .
2- معامل صدق الصحیفة اعتمد الباحث على صدق المحتوى، وذلک من خلال عرض صحیفة الاستبیان على مجموعة من أعضاء هیئة التدریس بقسم الاجتماع، وقسم علم النفس بکلیة الآداب، للتأکد من مدى صحة وسلامة الأسئلة المتضمنة بالصحیفة، واستبعاد الأسئلة الصعبة أو الغامضة والاکتفاء بالأسئلة التى تفید الباحث بشکل مباشر فی موضوع دراسته، حتى تم الاستقرار على الأسئلة النهائیة للصحیفة.
ثانیًّا – المقیاس :
صمم الباحث مقیاسًا لقیاس التطلعات المهنیة للأبناء، مکونًا من 42 بندًا، من أصل 65 بندًا، وقد رُوعی فی ذلک الالتزام بعدة معاییر أساسیة من أهمها: البدء بتحدید المتغیر المقاس، ووضع تعریف إجرائی، وأن یغطی کل بعد فی التعریف بعدة بنود، بالإضافة الى استبعاد الأسئلة المنفیة.
أ- معامل الثبات: تم حساب معامل ثبات المقیاس باستخدام طریقة القسمة النصفیة، ومعامل ألفاکرونباخ، فمن خلال الجدول رقم (1) تبین ثبات المقیاس، وقبول هذا الثبات عند درجة 0.9 بطریقة القسمة النصفیة، و0.8 بطریقة ألفا کرونباخ.
ب- صدق المحتوى: تم التحقق من صدق المحتوى من خلال عرض المقیاس على عدد من المحکمین بکلیتی الآداب والتربیة، وتم استبعاد بعض البنود، وإضافة بعض العبارات وتعدیل بعضها الآخر، حتى خرج المقیاس فی صورته النهائیة.
جدول (1) : یوضح حساب ثبات المقیاس باستخدام معامل ألفا کرونباخ،
وطریقة القسمة النصفیة.
الثبات المقیاس |
معامل ألفا کرونباخ |
ثبات القسمة النصفیة |
|
قبل تصحیح الطول |
بعد تصحیح الطول |
||
التطلعات المهنیة للأبناء |
0.8 |
0.9 |
ثالثًا - المقابلة المتعمقة :
قام الباحث بتصمیم دلیل للمقابلة، حیث تم تکوینه من عدد من الموضوعات الرئیسیة، تم تقسیمها إلى عدد من الموضوعات الفرعیة، التی تناولت تحلیلاً دقیقًا یوضح سبب التباین فی تأثیر الأبعاد الاجتماعیة والاقتصادیة للوالدین على تطلعات الأبناء المهنیة على مستوى الشرائح الاقتصادیة الثلاث التی تم تحدیدها منذ البدایة. حیث قام الباحث بتحدید عدد (21) مفرده من عینة الدراسة(1)، بهدف التعمق فی بعض البیانات التی لاحظ الباحث أنها تحتاج إلى مزید من الفهم والتحلیل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) یطلق على هذه الحالات التی تم التعمق معها فی التحلیل المیدانی (مفردات الدراسة)، حیث قام الباحث بإجراء مقابلات متعمقة مع تلک الحالات، التی لاحظ الباحث من استماراتهم وأجوبتهم أنها تحتاج إلى مزید من التعمق والتحلیل، مما کان له دور کبیر فی إثراء نتائج الدراسة المیدانیة.
الأسالیب الإحصائیة المستخدمة فی الدراسة:
أ- اختبار ألفا کرونباخ، ب- طریقة القسمة النصفیة، ج- المدى الربیعی، د- تحلیل التباین، ه- المتوسط الحسابی، و- الانحراف المعیاری، ز- کا2.
عینة البحث:
اعتمد الباحث فی هذه الدراسة على نمط العینة العشوائیة البسیطة Simple Random Sample ، حیث اختار عینة ممثلة من کلیات القمة الواردة فی الجدول رقم (2)، وبلغ عدد الطلاب حوالی (2757) طالبًا وطالبة، وحتى یراعی الباحث التمثیل العادل لجمیع الطلاب، قام باختیار عینة عشوائیة بنسبة 10% حتى انتهى إلى تکوین عینة قوامها (280) طالبا وطالبة متشابهین فی العدید من السمات والخصائص مثل النوع، والدیانة، والتعلیم....إلخ، باستثناء التباین فی المستوى الاجتماعی والاقتصادی للأسرة .
جدول (2) : یوضح عدد الکلیات ونسبة أفراد العینة.
أسم الکلیة |
عدد الطلاب بالسنة النهائیة |
النسبة المئویة |
کلیة الطب البشری |
138 |
14 |
کلیة طب الاسنان |
143 |
15 |
کلیة الطب البیطری |
142 |
15 |
کلیة العلاج الطبیعی |
150 |
15 |
کلیة الصیدلة |
348 |
35 |
کلیة التمریض |
208 |
21 |
کلیة الهندسة |
194 |
20 |
کلیة الاعلام |
185 |
19 |
کلیة الاقتصاد والعلوم السیاسیة |
250 |
25 |
کلیة الحاسبات والمعلومات |
131 |
13 |
کلیة التربیة |
868 |
88 |
الجملة |
2757 |
280 |
مبررات اختیار عینة البحث:
راعى الباحث أن یتم اختیار عینة البحث من طلاب وطالبات السنة النهائیة لکلیات القمة بجامعة بنى سویف؛ وذلک للأسباب الآتیة:
1- اعتمد الباحث على طلاب وطالبات جامعة بنى سویف الحکومیة؛ حتى یکون هناک تشابه وتقارب بینهم فی السمات والخصائص الاجتماعیة والاقتصادیة والثقافیة التی تحیط بهم.
2- أن هذه الکلیات تمثل الشعب الأدبیة والعلمیة معًا.
3- دائمًا ما یکون طلاب وطالبات کلیات القمة على یقین تام بتطلعاتهم المهنیة؛ والتی من أجلها تم التحاقهم بتلک الکلیات.
4- أن طلاب وطالبات تلک الکلیات دائمًا ما یکونوا أکثر تعلقًا بآبائهم، خاصة من الناحیة الثقافیة، والمهنیة، والعلمیة، والفنیة.
5- أن الطلاب فی هذه المرحلة العمریة قد فطنوا عن رشد للتأثیر الحقیقی للوالدین فی تطلعاتهم المهنیة على مدى السنوات السابقة، بل أصبحوا أکثر إدراکًا لدورهم فی التأثیر على طموحهم المهنی.
نتائج الدراسة المیدانیة :
فی البدایة قام الباحث بتقسیم عینة الدراسة إلى ثلاث شرائح طبقیة (شریحة دنیا– شریحة وسطى–شریحة علیا)، وفقًا لمستوى دخل الأسرة، والمستوى التعلیمی والمکانة المهنیة للوالدین، وذلک باستخدام المدى الربیعی، فتم تقسیم عینة البحث وتلک هی نقطة الانطلاق الأساسیة للباحث، (حیث مُثلت الطبقة الدنیا بــ 19 مفردة(1)، ومُثلت الطبقة الوسطى بــ 169 مفردة، ومُثلت الطبقة العلیا بـ 92 مفردة).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لاحظ الباحث انخفاض نسبة العینة التی تنتمی إلى الطبقة الدنیا، فلم یفصح عن حقیقة ذلک إلا نسبة قلیلة تمثلت فی 7% من حجم العینة الکلیة، وربما یعود ذلک إلى أن الطلاب لم یرغبوا فی الإفصاح بصدق عن حقیقة مستواهم الاقتصادی، وربما یعود ذلک أیضًا إلى نظرتهم لأنفسهم أنهم ینتمون لکلیات القمة، ومن ثم الرغبة فی إثبات مکانة اقتصادیة متوسطة أو مرموقة بین زملائهم هربًا من دونیة النظرة لهم فیما بعد.
من هنا بدأ الباحث فی تحلیل نتائج الدراسة من خلال التعرف على تأثیر المحددات الاجتماعیة والاقتصادیة للوالدین، والمتمثلة فی: تأثیر المستوى التعلیمی - المکانة المهنیة – الخلفیة الریفیة الحضریة - تأثیر التراکمات الثقافیة للوالدین - والمستوى الاقتصادی على التطلعات المهنیة للأبناء فی ضوء الشرائح الثلاث التی تم تقسیمها سابقًا.
المحور الأول
النتائج المتعلقة بعلاقة المحددات الاجتماعیة بالتطلعات المهنیة للأبناء.
1) النتائج المتعلقة بعلاقة المستوى التعلیمی للوالدین بالتطلعات المهنیة للأبناء:
الدراسة الحالیة معنیة بدراسة طبیعة العلاقة بین المحددات الاجتماعیة والاقتصادیة للتطلعات المهنیة للأبناء، وفی هذا المحور نسعى إلى التعرف على علاقة المستوى التعلیمی للوالدین بالتطلعات المهنیة للأبناء فی ضوء شرائح الدراسة الثلاث (الشریحة الدنیا – الشریحة الوسطى – الشریحة العلیا)، وکذلک علاقة المستوى التعلیمی للوالدین سلبًا أو إیجابًا بتنمیة التطلعات المهنیة للأبناء.
أ- فیما یتعلق بعلاقة المستوى التعلیمی للوالدین بالتطلعات المهنیة للأبناء
کشفت نتائج الدراسة عن وجود فروق ذات دلالة إحصائیة بین المستویات التعلیمیة لآباء أفراد العینة من الشرائح الثلاث (الشریحة الدنیا – الشریحة الوسطى –الشریحة العلیا)، عند مستوى دلالة 0.05؛ حیث کان التعلیم الجامعی هو النمط التعلیمى السائد للوالدین بین النسبة الأعلى من أفراد العینة من الشریحتین الوسطى، والعلیا، بنسبة 46.1٪ ، و 67.3٪ على التوالى، بینما بلغت نسبة الامیة لآباء العینة من الشریحة الدنیا 36.8٪، الأمر الذی یشیر إلى وجود تفاوت فی المستوى التعلیمی لآباء أفراد العینة وتباینه على مستوى الشرائح الثلاث؛ إلا أن هذا التفاوت فی المستویات التعلیمیة لم یترک أثرًا سلبیًّا فی دعم التطلعات المهنیة للأبناء؛ وقد بدا ذلک واضحًا من خلال وجود تقارب واضح فى المتوسطات الحسابیة لشرائح الدراسة الثلاث،عند مستوى دلالة 1.98، بانحراف معیاری 1.38، فقد کان اهتمامهم بدعم التطلعات المهنیة لأبنائهم والحاقهم بالکلیات المرموقة فی أولویة طموحاتهم، فقد کانوا دائمی التشجیع لأبنائهم على تنمیة تطلعاتهم وطموحاتهم المهنیة، وربما یعود ذلک، کما ذکرت مفردات المقابلة التی تنتمی إلى الشریحة الدنیا، إلى أن آباءهم کانوا ینظرون لأبنائهم نظرة المنقذ للأسرة، فعلى الرغم من تراجع مستوى تعلیم أبائهم وانحساره عند نمط (بدون)، ومستوى (تعلیم ابتدائی وإعدادی)، إلا أنهم کانوا ینظرون لأبنائهم أنهم سوف یحققون ما لم یتمکنوا من تحقیقه؛ الأمر الذی دفعهم إلى السعی جاهدین من أجل توفیر کافة السبل الدافعة للنجاح، والتشجیع المستمر لأبنائهم کی یثبتوا ذواتهم، ویعلوا من مکانة آبائهم فی المجتمع، حیث کانت الرغبة فی تغییر الوضع والمکانة الاجتماعیة هی الدافع الأساسی لأبناء الشریحة الدنیا. بینما کان الدافع الأساسی لأبناء الطبقات العلیا -کما أشارت مفردات المقابلة- هو الحفاظ على المکانة الاجتماعیة والتعلیمیة المکتسبة من الأسرة؛ حیث لوحظ أن الغالبیة العظمى من تعلیم آباء الطلاب الذین ینتمون إلى الشرائح العلیا یتصدرها التعلیم الجامعی ثم التعلیم فوق المتوسط، مما کان له دور فعال فی الدعم المعنوی المحفز لهم من قبل الوالدین لتنمیة تطلعاتهم المهنیة، فقد کانت الرغبة فی دعم التطلعات المهنیة لدى أبناء الطبقة العلیا هی الحفاظ على الکیان العلمی والأکادیمی للأسرة، حیث بدا التطلع المهنی عالیًّا لدیهم، وظهر ذلک من خلال تأثرهم بالمستوى التعلیمی لآبائهم فی تنمیة موهبتهم العلمیة، والتوجیه الإیجابی والمستمر من قبل الوالدین، فقد کانوا أکثر إدراکًا لاهتمامهم وتحفیزهم على اختیار المهن التی یفضلونها فی المستقبل، کما تمثل تطلعهم المهنی أیضًا فی قدرتهم على مواجهة کافة الصعوبات والعقبات التی کانت تواجههم منذ البدایة، ومن ثم بدا تطلعهم المهنی إیجابیًّا وبنسبة کبیرة، وذلک من خلال حلقات النقاش المستمرة التی کانت تدور بینهم وبین آبائهم لدعم تلک التطلعات. بینما کانت الرغبة الملحة لدى آباء الطبقات الدنیا هی البحث عما یحسن وضعهم ومکانتهم العلمیة والمادیة کما أشارت مفردات المقابلة. والجدول رقم (3) یوضح تلک النتیجة.
وتتفق هذه النتیجة مع القضایا الفکریة للنظریة الإنمائیة؛ التی ترى أن عملیات التخطیط المنظم لاختیار المهن لها طبیعة إنمائیة منظمة، تتصف فی کثیر من الأحیان بالاستمراریة والثبات، وتمتد عبر مراحل مختلفة من العمر؛ وترتبط فی کثیر من الأحیان بصورة ذهنیة متطورة لواقع المهنة فی المجتمع، وینظر لها البعض من خلال نظرة کل فرد لکیفیة تطویر ذاته، ومن ثم اتخاذ القرار الناجح الذی یحقق النمو لحیاته المهنیة والمستقبلیة (الذنیبات، 2006، ص 12)؛ کما تتفق أیضًا مع نظریة التردد المهنی؛ التی ترى أن للأسرة دورًا فعالاً من خلال ما تمارسه من عملیات منظمة للتأثیر على طبیعة التطلعات المهنیة للأبناء، فأحیانًا ما ینظر الآباء إلى مهن الأبناء فی ضوء ما توفره هذه المهن من فوائد مستقبلیة فی سوق العمل، وأحیانا ینظر إلیها کونها تُعد عملیة نسبیة بین مایتم إنفاقه وما یتم إنجازه من قبل الأبناء، وما یلتحقون به من مهن، وتوقعات النجاح التی تتعلق بالأبناء عند الالتحاق بشکل معین من التعلیم (Jung, 2013, pp. 118-119).
ب- فیما یتعلق بعلاقة المستوى التعلیمی للأم بالتطلعات المهنیة للأبناء.
فیما یتعلق بالعلاقة بین المستوى التعلیمی لأمهات أفراد العینة والتطلعات المهنیة لأبنائهن، أشارت نتائج الدراسة إلى وجود فروق ذات دلالة إحصائیة تشیر إلى اختلاف المستویات التعلیمیة وتباینها بین أمهات أفراد العینة من الشرائح الثلاثة عند مستوى دلالة 0.01، وبدا ذلک واضحًا لدى أمهات أبناء الطلاب من الشریحة العلیا؛حیث تصدر التعلیم الجامعی نسبة کبیرة من تعلیم أمهات تلک الشریحة بنسبة47.8٪ من حجم تلک العینة، عند متوسط حسابی 157.8، وانحراف معیاری 41.133، بینما تصدر التعلیم فوق المتوسط المستوى التعلیمی لأمهات أفراد العینة الذین ینتمون إلى الشریحة الوسطی بنسبة 49.7٪، أما الشریحة الدنیا فقد سادت الأمیة بین أمهاتهم بنسبة 52.6٪، عند متوسط حسابی 155.40، وانحراف معیاری 12.23؛ الأمر الذی یشیر إلى وجود تفاوت واضح فی المستوى التعلیمی لأمهات أفراد العینة من الشرائح الثلاثة.
ولکن لم یظهر تأثیر هذا التفاوت التعلیمی لأمهات أفراد العینة من الشرائح الثلاث بشکل واضح فی التأثیر على التطلعات المهنیة لأبنائهم؛ حیث أشارت نتائج الدراسة إلى عدم وجود فروق ذات دلالة إحصائیة بین المستوى التعلیمی لأمهات أفراد العینة على التطلعات المهنیة للأبناء وفقًا للشرائح الثلاثة (الشریحة الدنیا – الشریحة الوسطى – الشریحة العلیا) عند مستوى 153؛ حیث بدت التطلعات المهنیة عالیة لدى شرائح الدراسة الثلاث، وبدا ذلک کما أشارت مفردات المقابلة الخاصة بالطلاب الذین ینتمون إلى الطبقات الدنیا أن أمهاتهم کن أکثر تشجیعًا لهم على اجتیاز العقبات، وتحقیق ما لم یتمکن من تحقیقه سابقًا، حیث کن دائمی الدفع لأبنائهم لتحقیق تطلعاتهم المهنیة الإیجابیة، خاصة فی الالتحاق بتلک الکلیات، وکن یدعمن ذلک باعتبار أن أبناءهن هم من یحقق لهن القیمة والاعتبار فی المجتمع، بل ویدفع الجمیع إلى احترامهن وإجلالهن، بالإضافة إلى شعورهن بالتفاخر والتعالی بین الأقارب والجیران، وتعزیز الذات لدى المحیطین، وتعویضا للتهمیش والتجاهل المجتمعی الذی تعرضن له أمهاتهن من قبل. بینما أشارت مفردات المقابلة من الطلاب الذین ینتمون إلى الشریحة العلیا إلى أن أمهاتهن کن أکثر دفعًا لهم لإکمال المسیرة التعلیمیة، وربما کان المستوى التعلیمی لأمهاتهم دافعًا کبیرًا ساعدهم على النظرة بإیجابیة إلى تحقیق التطلعات والطموحات المهنیة لهم، فقد کن ینظرن لأبنائهن بأنه وجب علیهم الحفاظ على المکانة العلمیة الموجودة داخل الأسرة، بالإضافة إلى تشجیع ودعم أبنائهم على تحقیق أهدافهم وطموحاتهم التی شعروا بها داخل الأسرة، فمما لاشک فیه أن المستوى التعلیمی للأمهات قد أثر بفاعلیة على تطلعات أفراد العینة من الشرائح الوسطى والعلیا،وبدا ذلک من خلال دورهن فی دعم البرامج الاستراتیجیة المتطورة للأبناء، التی استمرت بوضوح بعد التخرج من المدرسة الثانویة والالتحاق بالجامعة واختیار أبنائهن لنمط معین من التعلیم یتماشى مع قدراتهم ورغباتهم المهنیة، ودعمن ذلک بإیجابیة کونهن الأقرب للأبناء داخل محیط الأسرة،، وتشجیعهن الدائم لهم للالتحاق بالمهن العلیا التی تحسن من مستواهم المادی، وتطور ثقافتهم، وتحافظ على الوضع المهنی والأکادیمی للأسرة، والجدول رقم (4) یوضح تلک النتیجة.
مما سبق، ومن الجداول رقم (3-4) یتضح وجود فروق ذات دلالة إحصائیة فی المستوى التعلیمی لآباء أفراد العینة (المستوى التعلیمی للأب، والمستوى التعلیمی للأم- نوع تعلیم الآب، ونوع تعلیم الأم) بین الشرائح الثلاثة (الشریحة الدنیا - الشریحة الوسطى- الشریحة العلیا)، بینما لم تظهر فروق واضحة تعبر عن تأثیر هذه التفاوتات فی المستوى التعلیمی للوالدین على دعم تطلعات الأبناء المهنیة لدى شرائح الدراسة الثلاث، فعلى الرغم من تفاوت المستوى التعلیمی لآباء أفراد العینة وأمهاتهم، وبرغم اختلاف الهدف، والتوجه العلمی والأکادیمی، والرؤیة التربویة بین الآباء فیما بینهم؛ إلا أن تطلعاتهم المهنیة جاءت عالیة، حیث اتفقوا على دعمهم الدائم المستمر من أجل تحقیق تطلعات أبنائهم وأهدافهم الوظیفیة المستقبلیة، وتتفق هذه النتیجة مع آراء بییر بوردیو، الذی یرى أن لدعم الآباء أثرًا فعالاً فی دعم وتنشیط التطلعات المهنیة للأبناء، ویأتی ذلک من خلال عملیات التحفیز المستمر التی یقدمها الآباء، وطبیعة المکتسبات الثقافیة الأسریة، وتأصیل لثقافة الاستثمار فی مجال التعلیم (Baker, et al., 2014, p. 529)؛ کما تتفق أیضًا هذه النتیجة مع دراسة جیراردیستیفین، الذی یرى أن المستوى التعلیمی للوالدین یؤثر تأثیرًا بالغًا فی تدعیم التوجهات الأکادیمیة للأبناء، باعتبار أن التعلیم رأس مال بشری یستثمر فی الأفراد، ویدعم من استعدادهم المهنی والأکادیمی، ویجعلهم قادرین على إدارة الحیاة العملیة والمستقبلیة بشکل فعال (Gerardy Steven, 2011, pp. 85-88)، وهذا ما یجیب على التساؤل الأول الذی تم صیاغته لهذه الدراسة ومؤداه: ما علاقة المستوى التعلیمی للآباء بالتطلعات المهنیة للأبناء؟
2) النتائج المتعلقة بعلاقة المکانة المهنیة للوالدین بالتطلعات المهنیة للأبناء :
تکشف هذه النتیجة طبیعة العلاقة بین المکانة المهنیة للوالدین والتطلعات المهنیة للأبناء من الشرائح الثلاث لعینة الدراسة. وتُعد هذه النتیجة من المؤشرات الهامة التی یظهر تأثیرها بشکل فعال، خاصة فی وقتنا الحالی، فعادةً ما تؤدی مهنة الآباء دورًا فعالاً فی التأثیر على تطلعات الأبناء، نظرًا لمعایشتهم الدائمة لظروف وطبیعة ومتطلبات مهن آبائهم، التی قد یتخذها بعضهم قدوة لهم، ویرغبون فی التواصل والاستمرار فی استکمال تلک المسیرة المهنیة.
أ- فیما یتعلق بعلاقة المکانة المهنیة للأب بالتطلعات المهنیة للأبناء:
کشفت نتائج الدراسة عن وجود فروق ذات دلالة إحصائیة فیما یتعلق بنمط المکانة المهنیة لآباء أفراد العینة من الشرائح الثلاث عند مستوى دلالة أقل من 0.05 وانحراف معیاری 2.102، وبدت هذه الفروق فی طبیعة المهن التی یشغلها الآباء؛ حیث کانت الصدارة لمهنة رجل الأعمال فى الشریحة العلیا عند متوسط حسابی 165.67؛ یلیها مهنة الأستاذ الجامعی بنسبة 19.6٪ من حجم نلک العینة ومتوسط حسابی 155.22، ؛وجاء فی المرتبة الثالثة مهنة العمل الحر کإحدى المهن التی یشغلها آباء أفراد العینة من تلک الشریحة بنسبة13٪ ومتوسط حسابی154.83، بینما تصدرت مهن العمالة الیدویة البسیطة مهن آباء عینة الشریحة الوسطى بنسبة 28.4٪ من حجم تلک العینة بمتوسط حسابی 158.50، یلیها مهنة التدریس بنسبة 19٪ ومتوسط حسابى 160.00، وجاءت مهنة الفلاحة فی مؤخرة مهن أفراد العینة من الشریحة الوسطى عند متوسط حسابی 152.00، بینما تصدرت مهن الفلاحة مهن آباء أفراد العینة من الشریحة الدنیا بنسبة 63.2٪ من حجم تلک العینة ومتوسط حسابی 153.25، یلیها مهنة العمالة البسیطة؛ الأمر الذی یشیر إلى وجود تباین صارخ فی مستوى مهن آباء أفراد العینة من الشرائح الثلاث، الأمر الذی یدفعنا إلى التساؤل عن مدى تأثیر هذه التباینات فی مهن آباء أفراد العینة من الشرائح الثلاث على التطلعات المهنیة للأبناء؟
کشفت نتائج الدراسة عدم وجود فروق ذات دلالة إحصائیة (0.126) تفید تأثیر المکانة المهنیة ونوعها لآباء عینة الدراسة من الشرائح الثلاث على التطلعات المهنیة للأبناء،عند انحراف معیاری 1.68؛ فعلى الرغم من وجود تفاوتات مهنیة بین آباء أفراد العینة، فإن نتائج الدراسة أثبتت أنه لا یوجد فروق وتفاوتات تفید تأثیر المکانة المهنیة للآباء على تطلعات أبنائهم المهنیة، بصرف النظر عن طبیعة الشریحة الطبقیة التی ینتمون إلیها، حیث بدت تطلعات الطلاب من الشرائح الثلاث عالیة، وقد تبلور هذا التطلع فی مسیرة العطاء المهنی المستمر کما أکده طلاب الشریحتین الوسطى والعلیا، والرغبة فی الخروج من واقع الفقر المدقع کما أکد أفراد العینة من الشریحة الدنیا، حیث علل أفراد المقابلة الذین ینتمون إلى تلک الشریحة ذلک بالقول:إن آباءهم دائمًا ما یدرکون جهد أبنائهم، فهم لا یتمنون توارث أبنائهم لمهنهم التی طالما کانت قاسیة علیهم طیلة حیاتهم، وأنهم لا یرغبون فی أن یعانی أبناؤهم مثلما عانوا من قبل، حیث کانوا دائمًا یشجعونهم بهدف تحقیق آمالهم، وزیادة مکانتهم الاجتماعیة، وتطلعاتهم بین أفراد المجتمع، ومن ثم فهم لم یجدوا صعوبة فی إقناع أبنائهم بالمهن العلیا التی کانت تمثل محور اهتمامهم وشغلهم الشاغل فی حیاتهم. بینما أشار أفراد المقابلة الذین ینتمون إلى الشریحة العلیا أن آباءهم دائمًا ما یشجعونهم على الاستمرار فی العطاء، فقد کان الحفاظ على التوارث المهنی من قبل آبائهم شغلهم الشاغل، خاصة الآباء العاملون فی مجال الطب، والتعلیم، والهندسة؛ وجاء تطلعهم المهنی هنا فی شکل حبهم للعمل فی مهن تشبه مهنة الآب، ورغبتهم المستمرة فی المضی قدمًا تجاه تلک المهن، حیث کانت محفزًا لهم، وشعورهم بأن أسرهم قد ساعدتهم، ووفرت لهم کل ما یحتاجونه من متطلبات لتحقیق حلم المستقبل، حیث تبنوا وجهة نظر آبائهم على أن یعملوا فی مهن تشبه مهنهم، ومن ثم بدت مهنة والدیهم سببًا فی زیادة تطلعاتهم المهنیة؛ وربما یعود ذلک أیضًا کما ذکر أفراد المقابلة، إلى أنهم نشأوا فی أسر تتمیز بالثبات والاستقرار الأکادیمی والمهنی، فقد کانوا دائمًا ینظرون إلى آبائهم على أنهم القدوة المستقبلیة لهم، وأنهم یتمنون منذ المیلاد أن یمتهنوا مهنًا مثلهم، فقد کانت محفزًا إیجابیًّا لهم، رسموا من خلالها حلم المستقبل، وأدت دورًا کبیرًا فی تحدید مسارهم الأکادیمی منذ الصغر،فلا شک أن المحیط الذی ینشأ فیه الطفل یؤثر إلى حد کبیر على مستوى تفکیره واستعداده الشخصی والمهنی، والأکثر من ذلک عندما یکون بمحض إرادتهم، وهذا ما أکد علیه أفراد المقابلة من الشریحة العلیا بالدراسة، وتتفق هذه النتیجة مع رأی بارسونز، حیث یرى أن المهنة الملائمة هی تلک التی تلاقی انسجامًا کبیرًا من الفرد وبیئته المحیطة، حیث یعبر ذلک عن درجة التجانس والتفاعل بین أجزاء النسق الأسری ککل: فعندما تتقابل المهنة التی یفضلها الفرد مع الانطباع العام لأسرته، یؤدی ذلک إلى حدوث الترابط والانسجام داخل البناء (Erdogam and Tezci, 2015, p. 187)، وتتفق أیضًا مع رأی سوبر فی حدیثه عن نموذج القیمة المتوقعة، حیث یرى أن للآباء دورًا کبیرًا فی دعم التطلعات المهنیة للأبناء، من خلال التجانس بین مهنة الوالدین وثقافتهم، کون الأسرة تمثل مصدرًا للسیطرة، والتأثیر على تطور النضج المهنی والوظیفی للأبناء، وتعزیز الخبرات، والمعلومات، والرؤى التی تساعد الأبناء على تحقیق أهدافهم الوظیفیة (Jodi, et al., 2001, pp. 12-47).
مما سبق، ومن الجدول رقم (5)، یتضح وجود فروق ذات دلالة إحصائیة بین نمط المهن التی یشغلها آباء أفراد العینة من الشرائح الثلاث، مع عدم ظهور هذا التأثیر فی مستوى التطلعات المهنیة للأبناء، حیث أکدت نتائج الدراسة على الرغبة القویة من قبل آباء أفراد العینة من تلک الشرائح الثلاث التشجیع المستمر لأبنائهم من أجل تحقیق أقصى تطلعاتهم المهنیة، حتى لا یتعرضوا للسلبیات التی عایشوها طیلة حیاتهم کما أشارت مفردات العینة من الشریحة الدنیا؛ وقدرتهم على تخطی العقبات والصعاب نظرًا لما لاقوه من وسائل الدعم المعنوی المستمر من آبائهم کی یحققوا آمالهم ویحافظوا على التوارث المهنی کما أشار أفراد المقابلة الذین ینتمون إلى الشریحة العلیا.
ب- فیما یتعلق بعلاقة المکانة المهنیة للأم بالتطلعات المهنیة للأبناء:
أشارت نتائج الدراسة الى وجود فروق ذات دلالة إحصائیة بین أفراد العینة من الشرائح الثلاث فیما یتعلق بمستوى مهن الأمهات عند مستوى دلالة أقل من 0.5، ومتوسط حسابی 585.471 وأثر ذلک على التطلعات المهنیة للآبناء، فارتفاع المستوى المهنی للأمهات یؤدى الى ارتفاع معدلات التطلع المهنی لأبنائهم، وهذا ما ظهر بوضوح لدى أفراد العینة التی تنتمی أمهاتهم إلى الشریحة العلیا؛ حیث ارتفع معدل تطلعاتهم المهنیة وخاصة فی بعض المهن، حیث جاءت مهن أمهات أفراد العینة الذین ینتمون إلى الشریحة العلیا مابین (مهنة ربة المنزل بنسبة 34.8٪، ومتوسط حسابی 150.56 وانحراف معیاری 22.095، یلیها مهنة التدریس بنسبة 13٪، ثم مهنة الهندسة بنسبة 9.8٪، ثم مهنة الطب بنسبة 8.7٪ بمتوسط 163.63، وکانت مهنة ربة المنزل هى المهنة الأکثر انتشارا بین أمهات العینة من الشریحة الوسطى بنسبة 58.6٪ ومتوسط حسابی 157.44، یلیها مهنة عاملة بنسبة بنسبة 15.4٪، ثم مهنة العمل الإداری بنسبة 10.7٪ عند متوسط 154.50. بینما اختفت نهائیًّا مهن الطب والهندسة والتدریس من لائحة مهن أمهات الشریحة الدنیا، واقتصرت على مهنة ربة المنزل والعمالة البسیطة؛ الأمر الذی یشیر إلى وجود تفاوت واضح فی مهن أمهات أفراد العینة، ولکن هل سیؤثر ذلک على التطلعات المهنیة لدى الأبناء على مستوى الشرائح الثلاث؟
فیما یتعلق بتأثیر مهن أمهات أفراد العینة من الشرائح الثلاث على التطلعات المهنیة للأبناء؛ فقد کشفت نتائج الدراسة عن وجود فروق ذات دلالة إحصائیة عند مستوى دلالة أقل من 0.01، عند انحراف معیاری 1.905؛ ففى الشریحة الدنیا جاءت التطلعات المهنیة للأبناء منخفضة بسبب وضع أمهاتهم المهنی الذی بدا عائقًا کبیرًا فی دعم تطلعاتهم المهنیة، فقد تعرضوا لأنماط متباینة من القسوة من قبل أمهاتهم، وخضعوا لضغوط وصلت إلى حد الطرد من المنزل لمجرد شعور أمهاتهم بأنهم یرغبون فی اتجاه مهنی جدید یخالف مهنهم الأسریة التی اعتادوا علیها، وبدا ذلک فی ضوء ما أکدته مفردات المقابلة التی تنتمی إلى الشریحة الدنیا، بأن أمهاتهم کن أقل فی المهن، ومعظمهن من ربات البیوت، فلم یکن لدیهن معرفة کاملة وکافیة بتطلعاتهم المهنیة، ولم یقدموا إلیهم الدعم والتشجیع الکافی، حیث ذکرت إحدى الحالات قائلة "بأن والدتها مرضت مرضا شدیدا عندما التحقت بکلیة الهندسة لأنها کانت ترغب فی إلتحاقها بمهنة التدریس، لأنها لم تکن تدرک قیمة تلک المهنة" کونها مهنة لم تعرف الأم مسارها الأکادیمی والوظیفی فی المستقبل، بل کن یشجعونهم على امتهان مهن تجلب لهم الرزق المباشر، وتحسن من مستوى معیشتهم منذ الصغر، والاعتماد على أنفسهم، حتى یحصلوا على ما یساعدهم على مواجهة ظروف الحیاة المعیشیة؛ لقد کانت أمهاتهم أکثر اختیارًا للمهن البسیطة ویشجعون أبناءهم علیها، بل وکن یرفضن المهن التی تستغرق سنوات دراسیة طویلة. بینما جاءت التطلعات المهنیة لأفراد العینة الذین ینتمون إلى الطبقة العلیا مرتفعة، وأرجعوا ذلک إلى التشجیع المستمر من قبل أمهاتهم، فقد کانوا یرغبون فی الالتحاق بمهن تشبه مهن أمهاتهم، خاصة الفتیات، ورغبتهن فی علو مکانتهن المهنیة، بالإضافة إلى ما کن یلقونه من تشجیع مستمر من قبل أمهاتهن، وبرروا ذلک أیضًا بأن مهنة أمهاتهن کانت سببًا رئیسًا فی زیادة تطلعهن المهنی لمهن علیا مماثلة، حیث ذکر أفراد المقابلة الذین ینتمون إلى الشریحة العلیا، أن أمهاتهم کن دائمی التشجیع لهم على دعم تطلعاتهم المهنیة، وامتهان المهن المستقبلیة والفعالة التی تحقق لهم آمالهم المستقبلیة، مؤکدین أنهم کانوا أکثر قربًا لأمهاتهم فی المنزل، فکانوا أکثر تأثرًا بمهن أمهاتهم التی تراوحت بین (التدریس، والطب، والهندسة، والإعلام)، مما دفعهم إلى تنشیط رغبتهم فی العمل بتلک المهن لما رآوه من مزایا واضحة ظهرت لدى أمهاتهم.
مما سبق، ومن الجدول رقم (6)، یتضح وجود فروق ذات دلالة إحصائیة تؤکد تأثیر المستوى المهنی لأمهات أفراد العینة من الشرائح الثلاث فیما یتعلق بدعم التطلعات المهنیة للأبناء، حیث تزایدت نسبة دعم الأمهات لأبنائهم بشکل إیجابی فی الشریحة العلیا عند متوسط 158.852، وتوسطت لدى أمهات العینة التی تنتمی إلى الشریحة الوسطى عند متوسط حسابی 152.829، وتراجعت لدى أمهات أفراد العینة من الشریحة الدنیا؛ مما أثر بوضوح على التطلع المهنی للأبناء، وتتفق هذه النتیجة مع دراسة سیجال أماندو، حیث یرى أن هناک علاقة وثیقة بین إیجابیة البرامج التدعیمیة التی تُقًدٍّم من قبل الأمهات فی تحسین الأهداف التعلیمیة والتطلعات المهنیة للأبناء على مختلف البیئات، ویأتی ذلک من خلال ما تقدمه الأمهات من ارشاد وتوجیه من شأنهما المشارکة فی حل المشکلات، ودعم احترام الذات، بالإضافة إلى دورهن الفعال فی تطویر الکفاءة الأکادیمیة، وتجاوز نسبة المخاطر التی یتعرض لها الأبناء فی حیاتهم الأکادیمیة ورسم مستقبلهم المهنی (Sigal, et al., 2012, pp. 150-165).
مما سبق، ومن الجداول رقم (5) و (6) یتضح عدم وجود فروق ذات دلالة إحصائیة بین تأثیر المستوى المهنی للأب على دعم تطلعات الأبناء المهنیة لدى شرائح الدراسة الثلاث، ففى الشریحة الدنیا یعود ذلک إلى التشجیع المستمر من قبل آباء أفراد العینة من الشرائح الثلاث، والرغبة فی عدم تعرض أبنائهم لما سبق لهم من معاناة طیلة حیاتهم نتیجة تراجع مستواهم المهنی. وفى الشریحة العلیا کان للآباء دور کبیر فی دفع أبنائهم للسعی جهدًا وراء إثبات الذات والرغبة فی الحفاظ على مبدأ التوارث المهنی والمکانة الاجتماعیة باعتبار أن ذلک سوف یؤمِّن لهم فرص الحیاة، ویرسم مستقبلهم وفقا لقدراتهم واستعدادهم، والتماشی مع سوق العمل، وتلبیه للفرص المتاحة لدیهم، بالإضافة إلى زیادة خبراتهم فی مهن لدیهم خلفیة عملیة لها منذ القدم.
بینما کشفت نتائج الدراسة عن وجود اختلافات ذات فروق إحصائیة فی تأثیر المستوى المهنی لأمهات أفراد العینة من الشرائح الثلاث على التطلعات المهنیة للأبناء وفقًا لطبیعة مهن الأمهات، حیث جاءت التطلعات عالیة لدى أفراد العینة الذین ینتمون إلى الشریحة العلیا، ومنخفضة لدى أفراد العینة الذین ینتمون إلى الشریحة الدنیا، باعتبار الأبناء أکثر قربًا وتأثرا بأمهاتهم. وهذا ما یجیب على التساؤل الثانی الذی تم صیاغته لهذه الدراسة ومؤداه: ما علاقة المکانة المهنیة للآباء بالتطلعات المهنیة للأبناء؟
3) النتائج الخاصة بعلاقة الخلفیة الریفیة - الحضریة بالتطلعات المهنیة للأبناء:
کشفت نتائج الدراسة عن وجود فروق ذات دلالة إحصائیة فیما یتعلق بنمط محل الإقامة لدى أفراد العینة من الشرائح الثلاث (الشریحة الدنیا – الشریحة الوسطى – الشریحة العلیا) عند مستوى دلالة 0.05، وانحراف معیاری 0.993، حیث أشارت نتائج الدراسة إلى تباین محل إقامة أفراد العینة ما بین النمط الریفی والحضری، حیث مُثل الریف بـ 96 مفرده بنسبة 34.3٪ من الذکور والإناث، فی حین مُثل الحضر بـ 184 مفرده بنسبة 65.7٪، مما یشیر إلى وجود تباین واضح فی محل إقامة أفراد العینة.
أما فیما یتعلق بتأثیر الخلفیة الریفیة الحضریة على دعم التطلعات المهنیة لأفراد العینة من الشرائح الثلاث، فقد أشارت نتائج الدراسة الى وجود فروق ذات دلالة إحصائیة عند معدل انحراف 2.438، ومستوى دلالة أقل من 0.01، حیث ارتفعت نسبة الطلاب الریفیین فی الشریحة الدنیا إلى 84.2٪ من العینة، بینما فى الشریحة الوسطى ارتفعت نسبة المقیمین فى الحضر الى 65.1٪، فی حین أشارت النتائج إلى أن نسبة 76.1٪ من حجم العینة التی تنتمی إلى الشریحة العلیا کانوا یقیمون فی مناطق حضریة؛ وقد أشارت مفردات العینة من الشریحتین (الوسطى – العلیا) الذین یقیمون فی مناطق حضریة إلى دور الخلفیة الحضریة کداعم ومحفز لتنمیة مواهبهم وتطلعاتهم المهنیة والأکادیمیة؛ فارتفعت تطلعاتهم المهنیة نظرًا لإقامتهم فی مناطق تتوافر بها المرافق العامة والخدمات المختلفة، والمؤسسات التعلیمیة بمراحلها المتعددة، ومراکز الکمبیوتر والدعم الفنی والأکادیمی فی مختلف التخصصات والخدمات الطلابیة، کما أن المناطق الحضریة بها العدید من المؤسسات والمصانع المتطورة والمشروعات الاستثماریة التی کانوا یتطلعون للعمل بها، هذا وقد أکدت مفردات الشریحة العلیا على ما یتمتعون به من مزایا سکنیة تمثلت فی: قرب الجامعة من محل إقامتهم؛ مما دعم من صفة التنافسیة بشکل إیجابی بین الطلاب - على خلاف الطلاب الذین یقطنون فی مناطق ریفیة، بالإضافة إلى تأثیر البیئة المحیطة کالأقارب والجیران. وهذا ما أشار إلیه أنتونی جیدنز من خلال رؤیته لتشکیل بنیة الفعل، وتأثیر البیئة المحیطة بالأفراد على قدرتهم واستعدادهم ومکتسباتهم الثقافیة، کونها تمثل القوى الخارجیة التی تؤثر فی سلوک الأبناء ومیولهم، وتدعمهم وتنمی أفکارهم وهوایاتهم وتطلعاتهم المستقبلیة واختیاراتهم الوظیفیة (عودة، 2012، ص 110)، کما تتفق هذه النتیجة مع آراء هولند فی نظریته المهنیة، مؤکدًا على بیان دور البیئة المحیطة على تشکیل الخیارات التعلیمیة وربطها بالخیارات المهنیة للأبناء (Sheu, et al., p. 252)، فکلما کانت المسافة بین المهنة التی یشغلها الفرد وبیئته قریبة، کان هناک نوع من التکیف والتماثل والانسجام؛ والعکس، فکلما اتسعت الهوة بین مهنة الفرد وبیئته، ارتفع معدل الانفصال وظهور المشکلات، مشیرًا إلى دور الاستقرار المهنی فی تحقیق الرضا الوظیفی والثبات النفسی (Choi, et al., 2017, p. 510).
بینما أشارت مفردات العینة التی تنتمی إلى الشریحة الدنیا إلى أن لاقامتهم فی مناطق ریفیة أثرً سلبی على تنمیة تطلعاتهم المهنیة، وأرجعوا ذلک إلى العدید من الصعوبات التی کانوا یواجهونها، ومن أهمها بُعد المسافة بین محل إقامتهم والجامعة؛ الأمر الذی کان یؤثر على الانتظام فی حضور محاضراتهم وتکرار تأخرهم عن مواعیدها، خاصة تلک التی تکون فی الثامنة صباحًا، بالإضافة الى عدم توافر الخدمات بشکلٍ کاف، حیث أشارت إحدى الحالات إلى عدم وجود وحدة صحیة أو صیدلیة بقریتها، وعندما تتعرض للإرهاق والتعب تذهب إلى القرى المجاورة للطبیب أو شراء الأدویة، کما أشارت مفردات الدراسة إلى ما یعانونه من نقص فی بعض الخدمات بالقریة، مثل الانقطاع المستمر للکهرباء، وتلوث المیاه، وانتشار الأمراض، وأن هناک العدید من قراهم الریفیة لا یوجد بها صرف صحی، بالإضافة الى عدم وجود مدارس متنوعة داخل القریة، وتردی الأوضاع المعیشیة، کل ذلک کان سببًا فی التأثیر على معدل التطلعات المهنیة للأبناء؛ حقیقة استطاع هؤلاء الطلاب تحدی تلک العقبات وتلک السلبیات، لکن لا زالت تمثل عائقا ربما یعطل من تطلعاتهم المهنیة فی المستقبل، وقد یدفعهم الى ترک القریة والذهاب إلى المدینة، وحینئذ ستفقد القریة أبناءها النابغین نظرًا لعجز الریف عن تلبیة طموحاتهم وتحقیق آمالهم. وتتفق هذه النتیجة مع دراسة بیترینریبیرت وآخرین؛ التى أشارت إلى وجود علاقة بین محل إقامة الأفراد والتأثیر فی تطلعاتهم المهنیة، حیث کشفت نتائج الدراسة إلى أن الأبناء فی المجتمع الریفی کانوا أکثر بقاء فی مجتمعاتهم نتیجة لسیطرة بعض العادات والتقالید الرجعیة التی تمنعهم وتحد من مستوى تطلعهم الأکادیمی والمهنی، وارتبط ذلک بعدة عوامل سلبیة، من أهمها: بُعد المسافة بین مساکنهم والمؤسسات التعلیمیة التی کانوا مقیدین بها، وانتشار الأمراض والأوبئة الخطیرة، بالإضافة إلى الأفکار السلبیة السائدة لدى بعض الآباء، مثل هجرة العقول الریفیة، واقتصار تعلیم الفتیات عند مرحلة تعلیمیة معینة؛ الأمر الذی أدى إلى افتقارهم للقدرة على التطلع المهنی الذی یتناسب مع قدراتهم العلمیة والفکریة داخل القریة، وضعف علاقتهم بالمجتمع المحلی، وتنامی المشکلات التی أدت إلى حالات سوء التکیف مع البیئة، وضعف تطلعاتهم المهنیة (Petrin, et al., 2015, pp. 1091-1105).
مما سبق، ومن الجدول رقم (7)، یتضح وجود فروق ذات دلالة إحصائیة فیما یتعلق بتأثیر الخلفیة الریفیة الحضریة على معدل التطلعات التعلیمیة والمهنیة للأبناء فیما یتعلق بالشرائح الثلاث والتی کانت تصب فی مصلحة طلاب الشریحة العلیا، حیث کانت الغالبیة العظمى من أبناء تلک الشریحة تقیم فی مناطق حضریة متطورة وقریبة من المؤسسات التعلیمیة، وتنتشر بها وسائل التطور والتغییر، بینما لاقت نسبة کبیرة من أفراد العینة الذین ینتمون الى الشریحة الدنیا صعوبات نتیجة إقامتهم فی الریف، وبعض الأماکن النائیة التى تخلو من الخدمات وبرامج التغییر الایجابى، ولولا استعدادهم الداخلی لأثر ذلک بالسلب فی تطلعاتهم المهنیة والمستقبلیة. وتتفق هذه النتیجة مع دراسة ویب وآخرین، حیث أشاروا إلى تأثیر الأبعاد الجغرافیة والمکانیة (محل الإقامة) على تطلعات الأبناء، وأشاروا إلى وجود فروق بیئیة بین سکان الریف وسکان الحضر، ومدى إتاحة الفرص المناسبة للتطلعات المهنیة والوظیفیة للأبناء، فقد ارتبطت التطلعات المهنیة للأبناء بطبیعة البیئة السکنیة المحیطة والجوار، بالإضافة إلى تأثیر الفئات الوظیفیة الأکثر شعبیة، والنمط الجامعی المفضل للأبناء، وطبیعة مهن الآباء، وتواجد المصالح والمؤسسات الحکومیة، ومدى ملاءمة الفرص المتاحة بعد التخرج مع طبیعة تلک البیئات (Webb, et al., 2015)، وهذا یجیب على التساؤل الثالث لهذه الدراسة ومؤداه: ما علاقةالخلفیة الریفیة/ الحضریة بالتطلعات المهنیة للأبناء؟
4) النتائج الخاصة بتأثیر التراکمات والمکتسبات الثقافیة على التطلعات المهنیة للأبناء:
تسعى الدراسة الراهنة إلى التعرف على علاقة التراکمات والمکتسبات الثقافیة بالتطلعات المهنیة للأبناء لدى شرائح الدراسة الثلاث، وما أتاحه الآباء من وسائل وممارسات ثقافیة وبرامج متطورة دعمت من معدل التطلعات المهنیة للأبناء.
کشفت النتائج عن وجود فروق ذات دلالة إحصائیة بین تأثیر التراکمات الثقافیة للآباء على التطلعات المهنیة للأبناء لدى شرائح الدراسة الثلاث عند مستوى دلالة أقل من 0.05 وانحراف معیاری 2.265؛ وبدا ذلک من خلال ما أتاحه الآباء من ممارسات وسبل متنوعة ساعدت على فتح قنوات للاتصال والتفاعل الثقافی المتطور الذی انعکس على تنمیة طموح الأبناء المهنی خاصة لدى أبناء العینة من الشریحة العلیا، ونسبة کبیرة من أبناء الطبقات الوسطى والتی جاءت تطلعاتهم المهنیة مرتفعة، مرتبطة بقطونهم فی مناطق غنیة بمراکز الفکر والإبداع الثقافی المتنوع، واشتراکهم فی حلقات نقاش مستمر مع آبائهم خاصة فیما یتعلق بمستقبلهم المهنی، بالإضافة إلى السماح لهم بحریة التعبیر عن آرائهم وما یدور فی عقولهم، واطلاعهم المستمر على الجدید من الأبحاث الأکادیمیة المتنوعة، والدعم المستمر الذی کان یقدم لهم من قبل آبائهم لإعلاء تطلعهم المستقبلی، بالإضافة إلى ما کانوا یشعرون به من حریة ودیمقراطیة فی عملیات الاختیار المهنی من قبل آبائهم، الأمر الذی انعکس بالإیجاب على دعم تطلعاتهم المهنیة؛ ومن ثم کانوا أکثر تمتعًا بأکبر قدر ممکن من المکتسبات الثقافیة المتاحة لهم من قبل الأسرة، نظرًا لانتشار المراکز الثقافیة والحضریة المتاحة لدیهم، وما وفرته أسر هؤلاء الطلاب من برامج تدعم من فاعلیة الأنشطة الطلابیة بأشکالها المختلفة، وما أتاحته من خبرات ومهارات متنوعة تضفى الطابع الثقافی المکتسب والممارسات المتبادلة والمتنوعة التی تعلی من قیمة التعلیم والممارسات فی تنمیة طموحات الأبناء المهنیة والأکادیمیة، حیث استطاع آباء أفراد العینة من الشریحتین (العلیا، والوسطى) فتح مجالات للحوار الإیجابی عملت على توفیر مهارات وخبرات ثقافیة وتربویة وممارسات شجعت أبناءهم على التوسع فی القراءات، وحضور المؤتمرات والندوات العلمیة سواء التخصصیة أو الثقافیة العامة، ویعود ذلک أیضًا کما ذکر مفردات المقابلة من تلک الشریحتین إلى انتشار البرامج والمؤسسات التعلیمیة التی تحیط بهم داخل بیئتهم، والتی لعبت دورًا محوریًّا فی تدعیم الخبرات الثقافیة للأبناء، ودورها فی توفیر وسائل علمیة، وتکنولوجیة، وتثقیفیة متنوعة؛ من شأنها القدرة على الاستمرار والعطاء وإثبات الذات، حیث دعمت من قدرتهم على التعامل والتکیف مع مختلف البیئات، کما یعود أیضًا إلى ما یتوافر لدى بعض الأبناء من تراث مکتسب من خلال الآباء، خاصة هؤلاء الذین یتطلعون لمهن یمتهنها أباؤهم کالطب، والهندسة، والصیدلة، فعادة ما یقوم الآباء بدعم أبنائهم بخبرات وآراء ومهارات مهنیة من شأنها دعم تطلعاتهم ووضعهم، حیث ذکرت إحدى المفردات بأنها أصبحت قادرة على التعامل مع بعض الحالات المرضیة فی تخصص الباطنة قبل التخرج، نظرًا لما اکتسبته من خبرات ومهارات وممارسات فی مجال التخصص، بل انها کانت تشترک مع والدها فی الکشف على بعض الحالات، بدایة من العام الثالث فی الدراسة الجامعیة؛ وذکرت حالة أخرى أنها کانت دائمًا ماتقوم بإجراء زیارات لبعض المواقع الهندسیة مع والدها واستطاعت اکتساب خبرات ساعدتها فی تنمیة طموحها العلمی والمهنی، کما أشارت إحدى الحالات إلى أنها کانت دائمًا تقوم بإجراء جلسات للعلاج الطبیعی والمساج، وتشارک فی بعض العیادات الخاصة، نظراً لاکتساب تلک الخبرات من قبل الأب الذی کان یعمل استشاری علاج طبیعی بأحد المستشفیات الجامعیة، مشیرة إلى هذا الدور الفعال من قبل والدها فی تدعیم هذه المهنة لنجلته، کما أشارت إحدى المفردات التی تنتمی إلى الشریحة الوسطى إلى أنها کانت تشارک والدها فی إعداد الکثیر من المقالات الصحفیة وإجراء عملیات بث، وتسجیلات مع بعض المسئولین؛ مما زاد من تفاعلها مع تلک المهنة ودعم استعدادها المهنی لها، کما أشارت إحدى المفردات التی تنتمی إلى تلک الشریحة أیضًا إلى أن والده یعمل فی مجال طب الأسنان، وقد اکتسب من الخبرة العملیة ما لم یستطع اکتسابه من خلال دراسته الجامعیة، بالإضافة الى ما کان متاحًا لدیه من قراءات ومجلات علمیة دعمت من توجهه المهنی وزادت من قدرته العلمیة والعملیة. وتتفق هذه النتیجة مع آراء جیدنز؛ حیث یرى أن تشکیل الفعل الاجتماعی للواقع ینبنی على الأنشطة، والخبرات، والمهارات، والظروف البیئیة التی تحدث فی کل زمان ومکان، حیث یرافق الفاعل الاجتماعی عملیات التدفق المتواصلة للأنشطة والظروف المحیطة، وبشکل مستمر یُسمح من خلاله بإعادة إنتاج الفاعلین والجماعات لأنفسهم داخل المؤسسات المختلفة، ومن ثم إعادة إنتاج الفعل فی سیاق الأحداث المتوالیة للحیاة الاجتماعیة (عبدالجواد، 2001، ص ص 366-368)، کما تتفق أیضًا مع آراء بییر بوردیو، حیث یشیر إلى أن الطالب داخل الطبقات الوسطى، والعلیا، دائمًا ما یرث العدید من المعارف، والخبرات، والقدرات الثقافیة؛ التی تنقل له عن طریق الأسرة، مما یکسبه رأس مال ثقافی یساعده على تحقیق النجاح والتفوق وتحقیق طموحه الأکادیمی والمهنی داخل المجتمع (Conner & Rabvsky, 2011, p. 85).
أما فیما یتعلق بأفراد العینة الذین ینتمون الى الشریحة الدنیا، فقد جاءت تطلعاتهم المهنیة منخفضة، نظرًا للحرمان الفکری والثقافی المستمر الذی کانوا یتعرضون له من قبل آبائهم، وعدم السماح لهم الاشتراک فی حلقات نقاش تتعلق بمستقبلهم المهنی، الأمر الذی ترتب علیه فقدانهم القدرة على إقناع آبائهم بما یتناسب مع تطلعهم المهنی، بالإضافة إلى حالات الإکراه المهنی المستمر التی کانوا یتعرضون لها من قبل آبائهم والتی ارتبطت باختیار مهن معینة تتماشى وتطلعات آبائهم، وعدم احترام أفکارهم ومقترحاتهم، مما أثر سلبًا فی مستوى اطلاعهم الثقافی على الجدید من المهن، فکان سببًا فی تراجع مستوى تطلعهم المهنی، حیث عبرت مفردات المقابلة إلى حالة السلبیة التی أصابتهم؛ نظرًا لضعف معدلات الاکتساب الثقافی، والعلمی، والأکادیمی عند التحاقهم بتلک الکلیات، وبدا ذلک من خلال شعورهم بأنهم داخل عالم جدید، له من السمات والمکتسبات والقدرات والمعاییر ما یخالف مقدراتهم الثقافیة من قبل أسرهم، وربما یعود ذلک کما ذکرت تلک الحالات، إلى تدنی المستوى الثقافی لأبائهم، وعدم معرفتهم بالجدید فی برامج التعلیم الحدیث، مشیرین إلى أنهم عندما التحقوا بکلیاتهم لم یعوا الدور الوظیفی الفعال لحضور المؤتمرات والندوات، ولم یکونوا على وعی بالمجلات العلمیة الأکادیمیة المتخصصة، وکذلک القصور الذی تعرضوا له بسبب عدم امتلاکهم للمکتسبات الثقافیة الحدیثة والقدرة على التعامل مع العالم الخارجی، وتبادل الخبرات والمهارات المهنیة التی تتعلق بتخصصاتهم العلمیة الجدیدة على کافة المستویات . وتتفق هذه النتیجة مع آراء بییر بوردیو، حیث یشیر إلى أن الأبناء یأتون من الشرائح الدنیا، ویکون لدیهم القلیل من الخبرات الثقافیة والاجتماعیة، أو ما یطلق علیه الفقر الثقافی؛ الأمر الذی یؤثر سلبًا على قدرتهم على استقبال الجدید، ومواکبة التطورات فی کافة المجالات، مما یجعلهم یشعرون بالإقصاء من المشارکات الاجتماعیة مع باقی زملائهم، بالإضافة إلى شعورهم بالعزلة داخل الجامعة، ومن ثم شعورهم بأنهم غیر مؤهلین (Stube, 2009, pp. 887-889)
مما سبق، ومن الجدول رقم (8)، یتضح وجود فروق ذات دلالة إحصائیة بین التراکمات والمکتسبات الثقافیة والتطلعات المهنیة للأبناء لدى أفراد العینة من الشرائح الثلاث، وظهور هذا الأثر الفعال بشکل إیجابی لدى طلاب الشریحتین (العلیا، والوسطى) من خلال ما اکتسبوه من أسرهم والمؤسسات العلمیة المحیطة والتی دعمت من تطلعاتهم المهنیة، وجاءت سلبیة لدى أفراد العینة من الشریحة الدنیا، ولکن لابد أن نؤکد هنا أنه رغم مما لاقاه أفراد العینة التی تنتمی إلى تلک الشریحة من إهمال وتراجع من الناحیة الثقافیة من قبل آبائهم، وما عانوه من معوقات فی هذا المجال، إلا أن ذلک لم یمنعهم من تحقیق تطلعاتهم المهنیة. وهذا ما یجیب على التساؤل الرابع الذی تم صیاغته لهذه الدراسة ومؤداه: ما علاقة التراکمات والمکتسبات الثقافیة بالتطلعات المهنیة للأبناء؟
المحور الثانی
النتائج المتعلقة بعلاقة المستوى الاقتصادی بالتطلعات المهنیة للأبناء
فی هذا المحور تسعى الدراسة الحالیة إلى الکشف عن طبیعة علاقة المحددات الاقتصادیة بالتطلعات المهنیة للأبناء فی ضوء شرائح الدراسة الثلاث (الشریحة الدنیا – الشریحة الوسطى – الشریحة العلیا).
للتحقق من هذه النتیجة، قام الباحث بتقسیم المستوى الاقتصادی لأفراد العینة وفقًا للمدى الربیعی داخل الشرائح الثلاث إلى تسعة مستویات اقتصادیة، حیث مُثلت الشریحة الدنیا بـــ (دنیا دنیا، ومثلها 14 مفردة بنسبة 73.7٪ من مفردات تلک العینة) ودنیا وسطى (ومُثلت بــــــ 4 مفردات – ودنیا علیا ومُثلت بمفردة واحدة). فی حین تم تقسیم الشریحة الوسطى إلى (وسطى دنیا ومثلها 115 مفردة بنسبة 68.1٪من مفردات تلک العینة – وسطى وسطى ومُثلت بــــ 47 مفردة، ووسطى علیا، مُثلت بــــــ 7 مفردات) مما یشیر إلى ترکز أفراد العینة من الشریحتین الدنیا والوسطى فی مستوى الشریحة الدنیا الدنیا – والوسطى الدنیا، بینما جاءت الشریحة العلیا، یُمثلها 32 مفرد بالعلیا الدنیا، و57 مفردة عند مستوى العلیا الوسطى، و3 مفردات عند مستوى العلیا العلیا؛ الأمر الذی یؤکد أن معظم أفراد العینة من الشریحة العلیا جاءت من الطبقة العلیا الوسطى، مما یشیر إلى وجود تفاوتات فی المستوى الاقتصادی ومستوى الدخل بالنسبة لأفراد العینة من الشرائح الثلاث.
کما أشارت نتائج الدراسة إلى وجود تفاوت فی المستوى الاقتصادی لآباء أفراد العینة من الشرائح الثلاث (الدنیا - الوسطى - العلیا) فی التأثیر على معدل التطلعات المهنیة للأبناء.
لکن فی الحقیقة ظهر هذا الأثر وبشکل کبیر على أفراد العینة فیما یتعلق بطبیعة الشرائح الطبقیة الثلاث؛ حیث کشفت نتائج الدراسة عن وجود فروق ذات دلالة إحصائیة بینها فیما یتعلق بتأثیر المستوى الاقتصادی على التطلعات المهنیة للأبناء عند مستوى دلالة أقل من 0.05 وانحراف معیاری 2.389، وقد بدا ذلک واضحًا لدى أفراد العینة من الشریحة الدنیا، والذی انخفض تطلعهم المهنی، نظرًا لتراجع مستوى الدعم المادی المقدم لهم من قبل الآباء، وعدم رغبة آبائهم فی إلحاقهم بنمط معین من التعلیم لتراجع مستواهم المادی وعدم قدرتهم على الإنفاق على تعلیم أبنائهم، حیث کان آباؤهم یقارنون بین ما یحققه الأبناء من مردود مادی کنتیجة التحاقهم بالتعلیم وما یقابل ذلک من نفقات، حیث أشارت مفردات المقابلة التی تنتمی إلى تلک الشریحة إلى تأثرهم بضعف مستوى آبائهم الاقتصادی، وربما یعود ذلک - کما ذکرنا سابقًا - إلى ارتفاع مستوى الفقر، وتراجع معدلات الدخول بالقدر الذی أتبعه صعوبات مادیة کبیرة أثرت على توافر الإمکانات المتاحة التی کان بإمکانها تدعیم قدرات هؤلاء الأفراد، مثل: عدم تمکنهم من الحصول على دروس خصوصیة تساعدهم وتدعمهم علمیًّا، بالإضافة إلى عدم توافر أجهزة علمیة متطورة مثل أجهزة التابلت، واللاب توب لدى بعضهم من أجل سهولة تناول المعلومات العلمیة وتداولها بینهم، وکذلک عدم توافر الکتب والمراجع العلمیة الخارجیة لدیهم بشکل مستمر، نظرًا لتراجع الدعم المادی من قبل الآباء؛ ورغم ذلک لم تستسلم الحالات لتلک المعوقات الاقتصادیة الصعبة، حیث أکدت المفردات التی تنتمی إلى الشریحة الدنیا بأنواعها، سعیهم إلى تحقیق أهداف وتطلعات آبائهم الفقیرة، کی یعلوا من شأنهم، بل ویساعدونهم فی تحسین ظروفهم المعیشیة بعد التخرج، مشیرین إلى دور الفقر کمعزز إیجابی قوی لإثبات ذاتهم، کی یثبتوا أمام المجتمع أنهم قادرون على تخطی الصعاب وتذلیل العقبات التی کانت تقف أمامهم، فقد کان الدافع لدیهم هو تحدی الفقر وإثبات الذات وتحقیق تطلعاتهم، وتحسین وضعهم المادی والاجتماعی. بینما أشار أفراد المقابلة من الشریحة الوسطى إلى أنهم رغم ما یعانونه من صعوبات اقتصادیة، إلا أنهم کانوا یحصلون على قدر کبیر مما کانوا یحتاجونه من قبل آبائهم الذین کانوا یبذلون من الجهد والعمل ما یوفر لأبنائهم احتیاجاتهم ومتطلباتهم الشخصیة والأکادیمیة، وربما یعود ذلک، کما ذکروا، إلى رغبة آباء أفراد العینة من الشریحة الوسطى فی الحفاظ على أوضاعهم الطبقیة، ورغبتهم فی النمو، والاتجاه نحو التمییز والازدهار، ومحاولة الاقتراب من الشریحة العلیا.
بینما أشار أفراد المقابلة من أبناء الشریحة العلیا، إلى أنهم کانوا أکثر دعمًا من قبل آبائهم لتنمیة تطلعاتهم المهنیة، فقد جاءت تطلعاتهم عالیة ومرتفعة مرتبطة بحصولهم على کافة ما یحتاجونه من متطلبات مادیة وأدوات مختلفة تساعدهم على تنمیة قدراتهم وثقافتهم المهنیة، بالإضافة إلى ما کانوا یحصلون علیه من تشجیع مستمر من آبائهم، إضافة إلى أنهم کانوا یساعدونهم فی تحدی الصعاب، والدفع المستمر بهدف التحاقهم بمهن مستقبلیة تفیدهم فی سوق العمل، فقد وفر آباؤهم لهم کافة وسائل الدعم المادی المساعد على تحقیق آمالهم وطموحاتهم وتطلعاتهم المهنیة؛ حیث ذکرت تلک المفردات أنهم کانوا یحصلون على کل ما یحتاجونه من مساعدات عملیة وأکادیمیة، تمثلت فی الدعم العلمی بالکورسات الخاصة، وأجهزة التابلت واللاب توب، وتکنولوجیا المعلومات الحدیثة، وکذلک توافر وسائل التنقل من محل إقامتهم إلى کلیتهم بسهولة ویسر، وکان ذلک یؤدی دورًا کبیرًا فی توفیر الوقت والجهد للطلاب، وحضور المحاضرات فی أوقاتها بکل دقة، وکذلک أشارت تلک الحالات إلى دور آبائهم فی توفیر المصادر العلمیة الخارجیة التی دعمت التخصص العلمی لدیهم، ونوعت من المعلومات والمکتسبات التی زادت من استعدادهم العلمی والأکادیمی والمهنی، حیث أشارت إحدى المفردات الملتحقة بکلیة الهندسة إلى أن والده کان حریصًا کل الحرص على توفیر کافة الوسائل الحدیثة لعلوم الهندسة والبناء، بهدف دعم نجله من الناحیة المهنیة وزیادة تطلعاته الطموحیة المهنیة، کما ذکرت إحدى الحالات التی کانت ملتحقة بکلیة الطب البشری أن والدها کان یشتری لها کافة الوسائل والأجهزة الطبیة الحدیثة التی جعلتها على قدر کبیر من الاطلاع على الجدید، وتوفیر سبل النجاح والابتکار، مما کان له دور کبیر فی توفیر وسائل الدعم الفنی والنفسی والثقافی بأشکاله المختلفة. وتتفق هذه النتیجة مع دراسة کارفالو؛ حیث أشارت إلى وجود تأثیر فعال للتنشئة الاجتماعیة الوالدیة، ومعدل الدخل المادی على إنجاز الأبناء فی مختلف مراحل التعلیم، ودعم التطلعات المهنیة والوظیفیة المستقبلیة لهم، مع التأکید على دور الوالدین فی تطویر قیمهم، وتنمیة قدراتهم على توسیع شبکة العلاقات الاجتماعیة والتواصل الاجتماعی، وتوفیر کافة وسائل الدعم المادی التی دعمت من رغبتهم فی الاستمرار فی التعلیم، والبحث عن وظائف ذات مهارات عالیة تتوافق مع تطلعاتهم التی کانوا یرغبونها داخل أسرهم، مما یشیر إلى أن دخل الأسرة هنا لم یؤثر علیهم بالسلب، بل کان إیجابیًّا ودفعهم إلى تلبیة طموحاتهم وتوسیع تطلعاتهم المهنیة (Carvalho, 2015, pp. 583-598)، کما تتفق أیضًا مع دراسة سومیرفیل Somervill، التی أشارت إلى وجود تباین فی مستوى التطلعات المهنیة للأبناء؛ نظرًا لاختلاف التأثیر الفعال للمستوى المادی للأسرة، الذی مَثل أثرًا بالغًا فی دعم التطلعات المهنیة للأبناء وتشکیل حیاتهم المستقبلیة، من خلال رفع تطلعات الشباب للمشارکة الفعالة فی کافة برامج التعلیم المتطورة والمتخصصة، وتشکیل قدرات الأبناء عن طریق توفیر کافة وسائل التدریب الفعال الذی یهدف إلى تنمیة طاقاتهم وقدراتهم، واستغلالها فی حیاتهم المهنیة المستقبلیة بشکل إیجابی، بالمقارنة مع الأبناء الذین کانوا ینحدرون من أسر ذات وضع مادی منخفض، حیث کان ذلک یقف أمامهم کحجر عثرة فی کثیر من الاستعدادات والتطلعات المهنیة (Somervill, 2013, pp. 231-244)
مما سبق، ومن الجدول رقم (9)، یتضح علاقة المستوى الاقتصادی بالتطلعات المهنیة للأبناء، فقد جاءت منخفضة لدى أفراد العینة من الشریحة الدنیا، ومرتفعة لدى أفراد العینة الذین ینتمون إلى الشریحتین؛ الوسطى، والعلیا، وبدت الفروق واضحة فی الدعم المقدم من قبل الآباء فی تدعیم التوجیهات المهنیة والأکادیمیة للطلاب على مستوى الشرائح الثلاث، وظهر ذلک بوضوح لدى أفراد العینة من طلاب الشریحة العلیا ودعم التوجه المهنی والوظیفی لدیهم، وتراجعه لدى أبناء الشریحة الدنیا بمستویاتها المختلفة، وتتفق هذه النتیجة مع دراسة یانج دونج، وهونج؛ حیث یریان أن هناک علاقة إیجابیة بین ارتفاع المستوى الاجتماعی والاقتصادی للآباء وزیادة معدلات الاستعداد والدعم المهنی لتطلعات الأبناء، ویأتی ذلک من خلال ما یوفره الآباء من دعم مادی، وإمکانات کان لها الدور الفعال فی تزاید معدل تطلعات الأبناء المهنیة، کونها ترتبط بمعززات إیجابیة من شأنها رفع سقف الطموح الأکادیمی والوظیفی للأبناء، وتسهیل الحصول على الوسائل المدعمة لأحلامهم وآمالهم المستقبلیة (Yangdong & Hong, 2018, pp. 232-243)، وهذا ما یجیب على التساؤل الخامس الذی تم صیاغته لهذه الدراسة ومؤداه: ما علاقة المستوى الاقتصادی للآباء بالتطلعات المهنیة للأبناء؟
النتائج العامة للدراسة :
استطاعت الدراسة الإجابة على التساؤلات الآتیة:
- فیما یتعلق بالسؤال الأول ومؤداه: ما علاقة المستوى التعلیمی بالتطلعات المهنیة للأبناء؟
کشفت نتائج الدراسة عن وجود فروق ذات دلالة إحصائیة فی المستوى التعلیمی لآباء أفراد العینة (المستوى التعلیمی للأب، والمستوى التعلیمی للأم - نوع تعلیم الآب، ونوع تعلیم الأم) بین الشرائح الثلاث (الشریحة الدنیا - الشریحة الوسطى - الشریحة العلیا)، بینما لم تظهر فروق واضحة تعبر عن تأثیر هذه التفاوتات فى المستوى التعلیمی للآباء على دعم التطلعات المهنیة للأبناء فی شرائح الدراسة الثلاث، وتتفق هذه النتیجة مع آراء بییر بوردیو؛ حیث یرى أن لدعم الآباء أثرًا فعالاً فی دعم وتنشیط التطلعات المهنیة للأبناء وتأصیلاً لثقافة الاستثمار فی مجال التعلیم. کما تتفق أیضًا مع دراسة جیرارد ستیفین، حیث یرى أن للمستوى التعلیمی للوالدین أثرًا بالغًا فی تدعیم التوجهات الأکادیمیة للأبناء، باعتبار أن التعلیم رأس مال بشری یستثمر فی الأفراد.
کما تمکنت الدراسة من الإجابة على التساؤل الثانی لهذه الدراسة ومؤداه: ما علاقة المکانة المهنیة بالتطلعات المهنیة للأبناء؟ حیث أشارت النتائج إلى وجود فروق ذات دلالة إحصائیة بین نمط المهن (مهنة الأب ونوعها، ومهنة الأم ونوعها) التی یشغلها آباء أفراد العینة من الشرائح الثلاث. وفیما یتعلق بتأثیر مهنة الآباء على التطلعات المهنیة للأبناء فی الشرائح الثلاث، فقد کشفت نتائج الدراسة عن وجود فروق ذات دلالة إحصائیة تفید تأثیر مهن الأمهات على التطلعات المهنیة للأبناء فیما یتعلق بالشرائح الثلاث؛ بینما کشفت نتائج الدراسة عن عدم وجود فروق ذات دلالة إحصائیة تفید تأثیر المستوى المهنی للأب على تطلعات الأبناء المهنیة لدى شرائح الدراسة، وربما یعود ذلک إلى رغبة الآباء فی عدم تعرض أبنائهم لمعاناتهم نتیجة تراجع مستواهم المهنی، مما کان له دور کبیر فی دفع أبنائهم للسعی جهدًا وراء إثبات الذات کما کانت لدى آباء الشریحتین الدنیا والوسطى، والرغبة فی الحفاظ على مبدأ التوارث المهنی والمکانة الاجتماعیة لدى آباء الشریحة العلیا. وتتفق هذه النتیجة مع دراسة سیجال أماندو، حیث یرى أن هناک علاقة وثیقة بین إیجابیة البرامج التدعیمیة التی یقدمها الآباء لتحسین الأهداف التعلیمیة وبین التطلعات المهنیة للأبناء على مختلف البیئات بهدف تجاوز نسبة المخاطر التی یتعرض إلیها الأبناء فی حیاتهم الأکادیمیة ورسم مستقبلهم المهنی.
کما تمکنت الدراسة من الإجابة على التساؤل الذی تم صیاغته لهذه الدراسة، ومؤداه: ما علاقة الخلفیة الریفیة/ الحضریة بالتطلعات المهنیة للأبناء؟
أشارت نتائج الدراسة إلى وجود فروق ذات دلالة إحصائیة فیما یتعلق بتأثیر محل الاقامة (ریف– حضر) على معدل التطلعات التعلیمیة والمهنیة للأبناء بین شرائح الدراسة الثلاث حیث کانت إیجابیة وداعمة لدى طلاب الشریحة العلیا، نظرًا لإقامة الغالبیة العظمى من أبناء تلک الشریحة فی مناطق حضریة متطورة وقریبة من المؤسسات التعلیمیة فکانت سببًا فی دعم تطلعاتهم المهنیة، بینما لاقى نسبة کبیرة من أفراد العینة الذین ینتمون الى الشریحة الدنیا صعوبات نتیجة لإقامتهم فی الریف وبعض الأماکن النائیة، مما ترک صعوبات بالغة ومؤثرة، ولولا وجود رغبة داخلیة لهم، لکانت سببًا فی تراجع تطلعاتهم المهنیة وعدم التحاقهم بتلک الکلیات المرموقة. وتتفق هذه النتیجة مع دراسة ویب وآخرین، حیث أشاروا إلى تأثیر الأبعاد الجغرافیة والمکانیة (محل الإقامة) على تطلعات الأبناء، وأکدوا وجود فروق بیئیة بین سکان الریف، وسکان الحضر فى مدى إتاحة الفرص المناسبة للتطلعات المهنیة والوظیفیة للأبناء، نظرًا لقرب المؤسسات التعلیمیة والمصالح والمؤسسات الحکومیة، ومدى ملاءمة الفرص المتاحة بعد التخرج مع طبیعة تلک البیئات.
کما استطاعت الدراسة الإجابة على التساؤل الرابع الذی تم صیاغته لهذه الدراسة ومؤداه: ما علاقة التراکمات والمکتسبات الثقافیة بالتطلعات المهنیة للأبناء؟
أشارت نتائج الدراسة إلى وجود فروق ذات دلالة إحصائیة بین شرائح الدرسة الثلاث فیما یتعلق بتأثیر التراکمات الثقافیة المکتسبة لدى الآباء على مستوى الطموحات المهنیة والأکادیمیة للآبناء، حیث ظهر هذا الأثر الفعال وبشکل إیجابی وداعم لدى طلاب الشریحتین (العلیا، والوسطى) من خلال ما اکتسبوه من أسرهم والمؤسسات العلمیة المحیطة، والتی دعمت من تطلعاتهم المهنیة، وتتفق هذه النتیجة مع آراء جیدنز، حیث یرى أن تشکیل الفعل الاجتماعی یبنى على الأنشطة، والخبرات، والمهارات، والظروف البیئیة التی تحدث فی کل زمان ومکان، حیث یرافق الفاعل الاجتماعی عملیات التدفق المتواصلة للأنشطة والظروف المحیطة فی سیاق الأحداث المتوالیة للحیاة الاجتماعیة.
بینما کانت التطلعات المهنیة سلبیة لدى أفراد العینة من الشریحة الدنیا، نظرًا لما تعرض له أفراد تلک العینة من إهمال وتراجع من الناحیة الثقافیة من قبل آبائهم، وما عانوه من معوقات فی هذا المجال، إلا أن ذلک لم یمنعهم من تحقیق تطلعاتهم المهنیة. ویتفق ذلک مع آراء بییر بوردیو، حیث یشیر إلى أن الأبناء الذین یأتون من الشرائح الدنیا یکون لدیهم القلیل من الخبرات الثقافیة والاجتماعیة، مما یجعلهم یشعرون بالإقصاء من المشارکات الاجتماعیة مع باقی زملائهم، بالإضافة إلى شعورهم بالعزلة وأنهم غیر مؤهلین.
أخیرًا استطاعت الدراسة الإجابة على التساؤل الخامس الذی تم صیاغته لهذه الدراسة، ومؤداه: ما علاقة المستوى الاقتصادی بالتطلعات المهنیة للأبناء؟
کشفت نتائج الدراسة عن وجود فروق ذات دلالة إحصائیة تؤکد علاقة المستوى الاقتصادی لآباء أفراد العینة بالتطلعات المهنیة للأبناء، حیث بدت التطلعات المهنیة مرتفعة لدى أفراد العینة الذین ینتمون إلى الشریحة العلیا وجزء کبیر من الشریحة الوسطى، وجاءت منخفضة لدى أفراد العینة الذین ینتمون إلى الشریحة الدنیا؛ وبدا ذلک من خلال الدعم المقدم من قبل الآباء فی تدعیم التوجهات المهنیة والأکادیمیة للطلاب على مستوى الشرائح الثلاث وظهر ذلک بوضوح لدى أفراد العینة من طلاب الشریحة العلیا والوسطى، ودعم التوجه المهنی والوظیفی لدیهم، وتراجعه لدى أبناء الشریحة الدنیا بمستویاتها المختلفة. وتتفق هذه النتیجة مع دراسة یانج دونج، وهونج؛ حیث یریان أن هناک علاقة إیجابیة بین ارتفاع المستوى الاجتماعی والاقتصادی للآباء وزیادة معدلات الاستعداد والدعم المهنی لتطلعات الأبناء، کونها ترتبط بمعززات إیجابیة من شأنها رفع سقف الطموح الأکادیمی والوظیفی للأبناء، وتسهیل الحصول على الوسائل المدعمة لأحلامهم وآمالهم المستقبلیة.
توصیات الدراسة:
توصى الدراسة بضرورة فتح قنوات للحوار المثمر مع الأبناء، بشکل یعطی لهم الفرص الکاملة لاختیار تخصصات أکادیمیة مناسبة لتطلعاتهم المهنیة التی یرغبون فی الالتحاق بها فی المستقبل؛ وأن یکون الوالدان عونًا لأبنائهم، ولیسوا معرقلین لتطلعاتهم المهنیة أیٍّا کانت، وعلیهم تقدیم الدعم الکامل لهم، بصرف النظر عن مستواهم التعلیمی أو المهنی، والنظر لأبنائهم کونهم الوسیلة التی تساعدهم فی النهوض والخروج إلى حیز التغییر الإیجابی الذی یصحبه تغییرات فی البیئة الاجتماعیة والثقافیة لأسرهم.
کما توصى الدراسة بالتأکید على دور التعلیم والتعلم باعتباره یساعد الأبناء على تحقیق المکانة الاجتماعیة والثقافیة المرموقة بین الآخرین، کما یساعدهم على تحسین الوضع الاقتصادی.
وفى ذات الوقت ضرورة تفعیل دور المرشد الأکادیمی داخل المؤسسات التعلیمیة الإعدادیة والثانویة، حتى یتمکن الأبناء من تحقیق التوافق والانسجام بین قدراتهم وإمکاناتهم العلمیة، واختیار المهن المناسبة لهم، التی تشبع رغباتهم وتطلعاتهم الحیاتیة بشکل فعال. کذلک توصى بتشجیع الأبناء على الاطلاع المستمر والقراءات المتنوعة التی تدعم مستوى أفکارهم، وتنمی تطلعاتهم إلى مهن مستقبلیة تخدم الصالح العام، وتحقق مصالحهم، وآمالهم المستقبلیة.
وعلى الآباء تعزیز دور القدوة فی المجتمع، وتوجیههم إلى بعض الشخصیات التی حققت نجاحات مهنیة کبیرة، وتشجیع أبنائهم على سلک النمط الأکادیمی والمهنی الذی سلکته تلک الشخصیات العظیمة.
المراجع والهوامش
1- بوصلب، عبد الحکم (2013)، أسلوب اتخاذ القرار لمدخل معرض لبناء عملیة الاختبار المدرسی والمهنی لدى تلامیذ هذه المرحلة الثانویة، مجلة العلوم الإنسانیة، جامعة منتوری قسطینیة، العدد (40)، ص ص 465–490.
2- بوطاف، مسعود (2014)، علاقة الاختیار المهنی بتقدیر الذات لدى تلامیذ الثالثة ثانوی، (مجلة الحکمة للدراسات التربویة والنفسیة، العدد 29، ص ص 8–21.
3- بیرت - آدمز، ر - أ- سیدی، (2010)، المدارس الفکریة المعاصرة فی علم الاجتماع، ترجمة عبد الجواد، مصطفى خلف، المنیا.
4- جیدنز، أنتونی، (2007)، علم الاجتماع: ترجمة الصباغ فایز، بیروت، مرکز دراسات الوحدة العربیة.
5- الذنیبات، نعمان محمد أعبد (2006)، نباء مقیاس للتفضیل المهنی لطلبة الصف العاشر الأساسی فی الأردن، رسالة مقدمة للحصول على درجة الماجستیر، کلیة العلوم التربویة، جامعة مؤتة، الأردن، ص ص 1–63.
6- عبد الجواد، مصطفى خلف (2002)، قراءات معاصرة فی نظریة علم الاجتماع، مرکز الدراسات والبحوث التربویة، جامعة القاهرة.
7- عبدالرازق، علی، (1982)، العوامل الاجتماعیة والاقتصادیة المؤثرة علی الحراک المهنی فی المجتمع الریفی: دراسة میدانیه فی قریه بمحافظة الوادی الجدید رسالة مقدمه للحصــــــــــــول علی الماجستیر من قسم الاجتماع، کلیه الآداب، جامعة المنیا، ص ص 1-352.
8- العنزی، حسین علی؛ الخضر، عثمان محمود (2018)، اتجاهات المتقدمین للعمل فی دولة الکویت نحو أدوات الاختیار الوظیفی، الکویت، (المجلة العربیة للعلوم التربویة (النفسیة)) العدد (4)، ص 125.
9- عودة، یحیى خیر الله (2012)، نظریة التشکیل البنائی عند أنتونی جیدنز، رفض الرؤیة الأحادیة للتغیر، مجلة آداب المستنصریة، جامعة المستنصریة، العراق، العدد (59)، ص ص 110–129.
10- المومنی، دعاء علی عارف (2018)، فعالیة برنامج إرشادی وفق نظریة آن روفی زیادة الوالدیة الإیجابیة لدى طالبات الصف العاشر وأمهاتهن وفی اتخاذ الطالبات القرار المهنی، رسالة مقدمة للحصول على درجة الماجستیر، کلیة الدراسات العلیا، الجامعة الهاشمیة، الأردن، ص ص 1–150.
11- Baishya Bhabani, (2014): “Occuptational aspiration of tribal student of higher secondary Level: A study”. International Multidisc Ciplinary Journal, 3(2): 113-117.
12- Baker Will, et al. (2014): Aspirations education and inequality In England: Insights from the effective provision of pre-school, primary and secondary education project", Oxford Review of Education, 40(5): 525-542.
13- Bynner, John (2001): "British Youth Transitions in comparative perspective", Journal of Youth Studies, 4(1): 5-23.
14- Carol Paul (2008): "Occupational choice, socio-economic Status and educational attainment: a study of the occupational choices and destinations of young people in the British house hold panel survey", Research Papers In Education, 230(3): 243-268.
15- Carvalhomarilia, (2015): The in fluenence of family socialization on the success of girls from poor urban communities in brazil at school", Journal of Fender and Education, 27(6): 583-598.
16- Clair, St. R., et al. (2011): The influence of Parents, Places and poverty on educational attitudes and aspirations, New Yourk, Joseph Rowntree Fandution.
17- Conner Thaddieus. W and Rabvsky Thomas. M, (2011): "Accountability, affordability, access: a review of the recent trends in higher education policy research", Policy Studies Journal, Vol (39), pp. 93-112.
18- Choi Seon-Hee, et al. (2017): "The analysis of vocational behavior in the inconsistency profiles using Holland hexagonal model", Journal of the Korea Academia Industrial Cooperation Society, 18(11): 509-525
19- Dubow Eric F, et al. (2008): "Long-term effects of parents, education on children's, education and occupational success: Mediation by family interaction child aggression and teenage as pivations", Journal of Development Psychology, 55(3): 224-249.
20- Erdogam Perkmen and Tezci Serkan; (2015): "Measurement of vocational personality theory in light of holl and", Journal of Science and Mathematics Education, 9(1): 184-204.
21- Fiebig Jennifer Nepper, and Bearegard Erin (2011): "Lorgitudinal charge and maternal in fluence on occupational aspirations of gifted female American and german adolescent", Journal For The Education of The Gifted, 34(1): 45-67.
22- Gerardy Steven (2011): "Family income and father education as function of human capital", International Journal of Academic Research, Vol. 3, No. 5.
23- Helwig Andrew A. (1998): "Occupational aspirations of long Litudinal sample from second to six grade", Journal of Careere Development, 24(4): 247-265.
24- Jung Taeyup (2013): "A motivation and indecision in the decision – making processes associated with university entry", Journal of Research In Higher Education, 54(1): 115-136.
25- Jodi Kathleen M., et al. (2001): "Parent's Rolesin Shaping Carly Adolescents, Occupational Aspirations", Journal of Child Development, 72(4): 1247-1265.
26- Kalita Utpal (2014): "Occupational aspiration and school facilities of secondary stage students: A study", International Multidisc Ciplinary Journal. Vol. 3, No. 1, pp. 118-123.
27- Liu Yuebing, et al. (2018): "The effect of mindset on student's desire to work for bigfour accounting firms and on academic performance", Journal of Business Education & School Arship of Teaching," Vol. 12, No. 2, pp. 92-106.
28- Murray Joseph, and Hall Page M, (2001): "Gender difference in undergraduate hooll and personality types: Vocational and cocurricular implications", N A S P A Journal, Vol. 39, No. 1, pp. 41-29.
29- Petrin Robert A & Others, "Interpersonal competence configuration, attachment to community, and residential aspirations of rural adolescents", Journal of Youth of Adolescence, Vol. 40, No. 9, pp. 1091-1105.
30- Powell Douglas R, and Peet Susan H.,(2000): "Educational occupational expectations and aspirations: Mothers view of their children's futures", full Text From Eric Available on line: https://eric.ed.govlcotentdelivery/ servlet/Enics servlet?
31- Reay, D., et al. (2011): Degress of choice: Social class, race and gender in higher education, storeonttvent: Trentham Blooks.
32- Schoon, I. and Ploek, E. (2011): Teenage career aspirations and adult career attainment: The role of gender, Social back ground and general cognitive ability", International Journal of Behavioral Development, 35: 210-217.
33- Sheu Hung-Bin et al. (2010): "Testing the choice. Model of social cognitive career theory across Holland themes: arneta – analytic path analysis", Journal of Vocational Behavior, 76(2): 252-264.
34- Sigal Amanda B, et al. (2012): "Enhancing youth out come following parental divorce: a Longitudinal study of the effects of the new beginnings program on education al and occupational goal", Journal of Clinical Child and Adolescent Psychology, 41(2): 150-165.
35- Somerville Margaret (2013): "The Placetime mattering of aspiration In The black town Learning community", Journal of Critical studies In Education, Vol. 54, No. 31, pp. 231-244.
36- Stahl Garth and Baars Sam (2016): "How "Space" and "place" contribute to occupational aspirations as value constituting", practice for warning Class Males, 58(3): 313-327.
37- Staff Jerenay, et al. (2010): Un certainty in early Occupational aspirations: Vole exploration or aimlessness", Journal of Social Forces, 89(2): 659-683.
38- Stube Jenny M. (2009): "Class, culture, and participation in the collegiate extra-curriculum", Sociological Forum Journal, 24(4): 877-900.
39- Vryonides Marios and Gouvias Dioysios, (2012): "Parent's assirations for their childerns educational and occupational prospects in greece: the vole of social class", International journal of Educational Research. 53: 319-329.
40- Webb, Sue. et al., (2015): Geographical and place dimensions of post – school participation in education and word. Research report, NationalCenter for Vocational Education Research; MonashUniversity (Australia) Center For the Economics Of Education and Training.
41- Wilcox, W. Bradford, et al. (2018): Education choice and The Success sequence: Adapted remarks from The heritage Foundation's 2017 antipoverty forum, back grounder. No. 3346, Heritage Foundation, Full Text From Eric Available.
42- Yandong Zhao and Hong Yanbi (2018): An analysis of the factors in Fluencing The academic occupation Orientation of phd graduates", Journal of Chineso Education & Society, 51(3): 232-243.
Zvonovskii, N. and Belousova, R. (2007): "Young people In the Secondary employment market", "Journal of Russian Education and Soc