الإعلام الجديد وتأثيره على بعض القيم الاجتماعية السياسية في الوطن العربي : رؤية تحليلية

نوع المستند : أبحاث علمیة

المؤلف

جامعه المنيا کليه اداب

المستخلص

من الحقائق الثابتة التي أثبتتها الدراسات، وأکدتها الشواهد الميدانية أن الإعلام الجديد يؤثر في الأفراد، والمجتمعات، بل إنه يؤثر في مجرى تطور البشر، وأن هناک علاقة سببية بين التعرض لوسائل الإعلام الجديد، والسلوک القيمي لهم؛ فالتفاعلية الإعلامية التي يتميز بها الإعلام الجديد تستطيع أن تعمل على إزالة قيمة من القيم، وتثبيت أخرى محلها، أو ترسيخ قيمة قائمة، والتصدي لأخرى قادمة، وهذا الأمر تجلى بوضوح في أحداث ما سُمي بـ"الربيع العربي" التي اجتاحت الوطن العربي منذ نهاية عام (2010)، وتواصلت طوال عام (2011)، ولا تزال فعالياتها، ونتائجها مستمرة في عدد من الدول العربية.
وعلى هذا استهدفت الورقة البحثية الراهنة – ضمن أهداف أخرى – التعرف على دور الإعلام الجديد – متمثلاً في عالمي "الإنترنت والفضائيات" - في التأکيد على بعض القيم الاجتماعية السياسية، أو ترسيخها في الوطن العربي، وتحديدًا بعد أحداث الحراک الاجتماعي السياسي العربي، أو ما سُمي بـ"الربيع العربي".
ولتحقيق ذلک الهدف الأساسي استعرضت الورقة لأهم أدبيات التراث البحثي السابقة المرتبطة بموضوعات الإعلام والقيم؛ لاستنطاق أهم القيم الاجتماعية السياسية التي تناولتها، ومن ثم خضوعها للتحليل النظري.
وقد تبين أن أهم القيم الاجتماعية السياسية التي تم استنطاقها: "قيمة حرية الرأي والتعبير"، "قيمة التعددية"، "قيمة الحوار".
کما أوصت الورقة بالعديد من التوصيات العملية أهمها : سن تشريعات قانونية صارمة، يکون من شأنها تنظيم ظاهرة الإعلام الجديد في الوطن العربي، بحيث تحد من تغليب الجانب الشکلي والتقني – المثير للغرائز - على جانب المحتوى والمضمون الذي يصون الروح، ويحفظ القيم الإيجابية، واستعادة الدور الحقيقي للإعلام في إخبار الناس، ونشر المعرفة، وبث الوعي.
 
الکلمات المفتاحية : الاعلام الجديد، القيم الاجتماعية، القيم السياسية، القيم الاجتماعية السياسية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* مدرس علم الاجتماع، کلية الآداب - جامعة المنيا.
 
New Media and its Impact on some Socio-political Values in the Arab World: An Analytical Vision
 
ABSTRACT
 
One of the proven facts that studies have confirmed by field evidence, is that the new media affects individuals and societies, and indeed affects the course of human development. And that there is a causal relationship between exposure to the new media and the human behavior reflecting the social values. The media interaction that characterizes the new media can work to remove a value, install another, support an existing one, or confronting coming ones. This was clearly evident in the events of the so-called "Arab Spring" that invaded the Arab world since the end of the year (2010), and its activities and results still continue in a number of Arab countries.
This paper aims to identify the role of the new media, represented in the "Internet and satellite channels", in emphasizing some socio-political values, or entrenching them in the Arab world, specifically after events of the Arab social- political mobility, or what has been called the "Arab Spring".
To achieve this goal, the paper reviewed the most important previous research literature related to media and values issues to explore the most important socio-political values that have been addressed, and then be subjected to theoretical analysis.
It has been found that the most important socio-political values are: "the value of freedom of opinion and expression", "the value of pluralism" ,and "the value of dialogue".
The paper advanced several practical recommendations, the most important of them are: Imposing strict legal legislation, to organize the phenomenon of new media in the Arab world, as well, reducing the primacy of technical form over the content side.
Key Words: New media, Social value, Plotical value, Socio-plotical value.
 

الكلمات الرئيسية


لعل الخطر الذی یواجه أیة أمة، فی سبیل تقدمها یکمن فی العبث فی "سلوکیاتها"، أو بمعنىٍ أدق یکمن فی "عدم معیاریة السلوک" الذی قد یتحول بفعل الظروف إلى ثقافة متقبلة، أو مفروضة على الناس، یسود فیها فوضى عامة تتأصل مع الزمن، وتصبح شیئًا معتادًا لا یمثل خروجًا عن "النظام"، بل یصبح "اللانظام" هو العُرف السائد الذی یتعامل معه أفراد المجتمع بتلقائیة، دون وعی، أو بوعیٍ زائف(1). و"عدم معیاریة السلوک" هذا هو الوجه الآخر لما یسمَّى "بأزمة القیم"؛ فهناک فکرة شائعة جدًا الیوم بأننا نجتاز "أزمة قیم"، ویخشى کثیر من الدارسین، والباحثین، وکذلک المراقبین من انحطاط کل ما یعطی معنى عمیقًا لأعمالنا، ولحیاتنا، فیعزون هذا التراجع إلى ازدهار "العولمة"، التی تحسر اهتمامها فى التطور التقنی، مما یجعلها – أی العولمة - تبدو مغرقة فی مادیة تخلو من أی روح، ولا تقیم للقیم أی وزن. وإذا کان "الإعلام" بعامة یُنظر إلیه الیوم، بمؤسساته، وأشکاله على أنه فنٌ جدیدٌ، إلا أنه تأثر تأثرًا هائلًا بفعل العولمة، وبفعل ازدهار التقنیات الحدیثة غیر المسبوق، وأصبح یُنظر إلیه کعلم حدیث بالنسبة لکثیر من الأمم تحت مصطلح "الإعلام الجدید"، الذی تتجلى صوره بقوة خاصة فی الوطن العربی فی عالمی "الإنترنت والفضائیات"، أو ما یسمى بمجتمع الشبکات.

لقد أتاح الإعلام الجدید - بفعل التقدم التکنولوجی- فرصًا کبیرة فی أن تتشکل علاقات بین المرسل، والمستقبل تتجاوز نمط العلاقة ذات الاتجاه الواحد، بل إن العلاقة قد بدت فی بعضها ذاتیة، جمعیة أو ما یسمیه "مانویل کاستیل" بـ "ذاتیة وسائل الاتصال الجماهیری"؛ فالکثیر من الدعاة، والمشاهیر من الممثلین، والریاضیین، والمغنیین، والساسة، ورؤساء الدول، ورؤساء الأحزاب "یتواصلون" من خلال مواقعهم الإنترنتیة، مع المعجبین، والشاکین، والمستفسرین، والأتباع.... ویتشکَّل، فی ضوء ذلک، وبفعل هذه التقنیة الاتصالیة شکل من أشکال العلاقة الذاتیة- الجماهیریة(2)، الأمر الذی یدلل على أن الثورة التکنولوجیة، أو الثورة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أحمد مجدی حجازی وآخرون"نحو منظومة القیم الإیجابیة الداعمة لرؤیة مصر"، مرکز الدراسات المستقبلیة، مرکز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، مجلس الوزراء، القاهرة، 2008، ص 3.

(2) باقر النجار: "الفضاء السیبرنی وتحولات القیم" (فی): "الإعلام وتشکیل الرأی العام وصناعة القیم"، (تحریر وتقدیم): عبد الإله بلقزیز، سلسلة کتب المستقبل العربی، (69)، مرکز دراسات الوحدة العربیة، بیروت، 2013، ص 328.

المعلوماتیة، أو الثورة الرقمیة قد أفرزت حالةً اجتماعیةً، واقتصادیة، وسیاسیة، وثقافیة جدیدة؛ إنها حالة لم یَعُدْ فیها العالم - وبفعل ذلک - کما کان منذ حقب زمنیة بعیدة أو قریبة، إنها حالة - کما یعتقد البعض - قادت، وتقود إلى عالم بدون قیود. إنه عالم، کما یقول عنه "بارلو فریر"، یقع خارج إطار سلطة الدولة، بل إنه عالم یقع خارج إطار مفهوم الإقلیم بمعناه التقلیدی، بحدوده الجغرافیة المعروفة، کما أنه عالم یقع خارج إطار الضوابط، والکوابح المعروفة سواء أکانت هذه ضوابط من صنع الدولة أو المجتمع؛ أی أنه عالم لم یَعُدْ یخضع للضوابط، والمعاییر التی تحددها الدولة أو المجتمع(1).

ومن الحقائق الثابتة - التی أثبتتها الدراسات، وأکدتها الشواهد المیدانیة - أن الإعلام الجدید یؤثر فی الأفراد، والمجتمعات، بل إنه یؤثر فی مجرى تطور البشر، وأن هناک علاقة سببیة بین التعرض لوسائل الإعلام الجدید والسلوک البشرى، ویختلف تأثیر وسائل الإعلام الجدید حسب وظائفها، وطریقة استخدامها، والظروف الاجتماعیة والثقافیة، واختلاف الأفراد أنفسهم، وقد تکون سببًا لإحداث التأثیر أو عاملًا مکملًا ضمن عوامل أخرى، غیر أن آثار الإعلام الجدید عدیدة، ومختلفة، ومتنوعة الشدة؛ فقد تکون قصیرة أو طویلة المدى،  ظاهرة أو مستترة، قویة أو ضعیفة، نفسیة أو اجتماعیة أو سیاسیة أو اقتصادیة، کما قد یکون هذا التأثیر سلبیًا، وقد یکون إیجابیًا، وهناک مجالات عدیدة رکزت علیها البحوث الإعلامیة لتأثیر وسائل الإعلام الجدید، أهمها تغییر القیم(2)؛ فالتفاعلیة الإعلامیة التی یتمیز بها الإعلام الجدید تستطیع أن تعمل على إزالة قیمة من القیم، وتثبیت أخرى محلها، أو ترسیخ قیمة قائمة، والتصدی لأخرى قادمة، وهذا الأمر تجلى بوضوح فی أحداث ما سُمی بـ"الربیع العربی" التی اجتاحت الوطن العربی منذ نهایة عام (2010)، وتواصلت طوال عام (2011)، ولا تزال فعالیاتها، ونتائجها مستمرة فی عدد من الدول العربیة.

ومن هذا المنطلق تهدف الورقة البحثیة الراهنة – ضمن أهداف أخرى – التعرف على دور الإعلام الجدید – متمثلاً فی عالمی "الإنترنت والفضائیات" - فی التأکید على بعض القیم الاجتماعیة السیاسیة، أو ترسیخها فی الوطن العربی.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) باقر النجار، مرجع سابق، ص 317.

(2) فهد بن عبد الرحمن الشمیمری:"التربیة الإعلامیة- کیف نتعامل مع الإعلام"، مکتبة الملک فهد الوطنیة، الریاض،2010، ص 56.

وتأتی الورقة البحثیة الراهنة فی مقدمة، وخاتمة، وبینهما ثلاثة محاور، أما المحور الأول، فیتناول إشکالیة الورقة البحثیة وإجراءاتها المنهجیة، فی حین یتناول المحور الثانی الإطار النظری للورقة، وأخیرًا المحور الثالث الذی یتناول الإطار التحلیلی للورقة البحثیة.

 

المحور الأول

 

إشکالیة الورقة البحثیة وإجراءاتها المنهجیة

 

1)     إشکالیة الورقة البحثیة وتساؤلاتها :

إذا کانت التحولات المجتمعیة الایجابیة تشکل قیمًا مضافة لرأس مال المجتمع، فإن التحولات السلبیة تشکل قیمًا منتقصة من رأس مال هذا المجتمع، ویکون من الضروری أن یتواکب مع تلک التحولات تغیرات ایجابیة فی منظومة القیم، بحیث ترتفع إلی مستوى التحولات الحادثة وتکون داعمة لتلک التحولات لا معطلة لها، ومن ثم فان التحولات المجتمعیة الایجابیة کان یجب أن تتضمن الأفراد، أفکارهم وقیمهم وتوجهاتهم، على أساس أن الإنسان یمثل الوسیلة والغایة فی أیة عملیة تحول من ناحیة، وعلى أساس أن الموارد البشریة عمومًا تشکل أهم الموارد اللازمة لتحقیق التنمیة، إلی جانب الموارد الطبیعیة من ناحیة ثانیة، ومن الطبیعی أن تصاحب التحولات المجتمعیة تغیرات فی القیم، التی لا توجد بمعزلٍ عن الواقع السائد الذی تطرأ علیه تلک التحولات، وفی الوقت نفسه یؤطِّره تکنولوجیا الاتصال الحدیثة التی باتت تشکل جوانب أساسیة من حیاتنا الواقعیة، وهو ما استرعى اهتمام الباحثین والدارسین فی حقل العلوم الاجتماعیة بعامةٍ وعلم الاجتماع بخاصةٍ(1).

ومع التحولات المجتمعیة التی أعقبت أحداث ما سُمی بـ"الربیع العربی" التی اجتاحت الوطن العربی منذ نهایة عام (2010)، وتواصلت طوال عام (2011)، شهدت معظم البلدان العربیة سیولة سیاسیة، وإعلامیة غیر مسبوقة فی التاریخ، واحتجاجات، ومظاهرات ... الخ، وکان للإعلام الجدید دور محوری فی تحریک هذه الأحداث من خلال دعوة الجماهیر

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) خلاف خلف الشاذلی: "تداعیات ثورة 25 ینایر على قیم العمل والدافعیة للإنجاز : رؤیة نظریة"، ندوة "القیم فی عالم متغیر"، قسم علم الاجتماع، کلیة الآداب، جامعة المنیا، 2013، ص 148.

إلى التجمهر، واتخاذ مواقف معینة، ونشر الکثیر من المعلومات، والصور المرتبطة بتطورات الأحداث فی تلک الفترة، الأمر الذی کان بمثابة محددات لسلوک الأفراد، وأفعالهم، وکان بمثابة تحولات مجتمعیة (إیجابیة وسلبیة) ألقت بظلالها على منظومة القیم؛ فالقیم لیست قوالب صماء، ولکنها تتأثر بالمجتمع وتحولاته.

 

ونتیجة لذلک برزت "قیم" بعینها تأثرت بفعل السیولة التکنولوجیة، والتی أعقبتها سیولة إعلامیة شهدتها الدول العربیة، سواء فی اتجاه واحد، أو اتجاهات متعددة، بدت هذه القیم سیاسیة بالدرجة الأولى غیر أنها استمدت طبیعتها من التحولات المجتمعیة التی أحدثها الربیع العربی، حتى أصبحت مزیجًا متداخلا من قیم اجتماعیة وسیاسیة، وبناء على هذا الطرح، فإن الباحث یمکنه صیاغة إشکالیة هذه الورقة البحثیة فی التساؤل الإشکالی الأساسی التالی :

 

ما دور الإعلام الجدید فی التأثیر على بعض القیم الاجتماعیة السیاسیة فی الوطن العربی ؟

وتنبثق من هذا التساؤل عدة تساؤلات فرعیة تحدد نطاق هذه الإشکالیة، هی :

أ‌-                   ما توصیف واقع الإعلام الجدید – وتحدیدًا عالمی الفضائیات والانترنت -فی الوطن العربی؟

ب‌-     ما أهم القیم الاجتماعیة السیاسیة التی تناولها التراث البحثی فی الوطن العربی؟

ج‌-      ما دور الإعلام الجدید فی التأثیر على بعض القیم الاجتماعیة السیاسیة فی الوطن العربی؟

د‌-        ما التوصیات المقترحة لتوحید جهود دول العالم العربی لتحقیق هدف توحید الخطاب الإعلامی، وابتکار وسائل إعلامیة جدیدة تستطیع بها التصدی لکل الحملات الإعلانیة الجائرة ضد القیم الإیجابیة الأصیلة بعامة من ناحیة، ومن ناحیة أخرى التأکید على بعض القیم الاجتماعیة السیاسیة بخاصة ؟

 

2)     أهداف الورقة البحثیة :

فی ضوء الإشکالیة، والتساؤلات السابقة یمکن تحدید أهداف الورقة البحثیة فی مجموعة الأهداف التالیة :

أ‌-         توصیف واقع الإعلام الجدید - وتحدیدًا البث الفضائی والانترنت - فی الوطن العربی.

ب‌-     التعرف على أهم القیم الاجتماعیة السیاسیة من خلال استنطاقها من بعض الأدبیات من التراث البحثی، التی عُنیت بقضیتی الإعلام والقیم فی الوطن العربی.

ج‌-      تناول دور الإعلام الجدید فی التأثیر على بعض القیم الاجتماعیة السیاسیة، سواء بتهمیشها، أو بالتأکید علیها، أو ترسیخها فی الوطن العربی.

د‌-        الخروج ببعض التوصیات العملیة، والتی من شأنها توحید جهود العالم العربی فی ابتکار وسائل إعلامیة جدیدة تستطیع بها التصدی لکل الحملات الإعلانیة الجائرة ضد القیم الإیجابیة الأصیلة بعامة، والتأکید على بعض القیم الاجتماعیة السیاسیة الإیجابیة بخاصة.

 

3)     الأهمیة العلمیة والعملیة للورقة البحثیة :

أ-       الأهمیة العلمیة :

  • على الرغم من وجود بعض المؤلفات، والدراسات التی تعنى بوسائل الإعلام الجدیدة، وانتشارها، وتأثیراتها فی العالم العربی، إلا أن الدراسات العلمیة التی تعنى بالتأثیرات التی تلعبها تلک الوسائل فی تشکیل القیم الاجتماعیة السیاسیة  أو التأثیر علیها فی المجتمعات العربیة تظل قلیلة ومتواضعة، وبالتالی تُعد هذه الورقة البحثیة إحدى الإضافات النظریة المتواضعة التی یمکن أن تضاف ضمن الأعمال البحثیة المرتبطة بعلم الاجتماع بعامة، وعلمی الاجتماع الإعلامی، والاجتماع السیاسی بخاصة.
  • إن هذه الورقة البحثیة تکتسب أهمیتها العلمیة من خلال استخدام مفهوم "القیم الاجتماعیة السیاسیة" Socio-Political Values، فبالرغم من تناول الکثیر من الدراسات لمفهوم القیم بعامة، والقیم الاجتماعیة، والثقافیة، والاقتصادیة ... إلا أن هذا المفهوم المتداخل نادر الاستخدام فی بحوث القیم (على حد علم الباحث).
  • أن دراسة العلاقة بین الإعلام الجدید وبعض القیم الاجتماعیة السیاسیة یرتبط بشکل کبیر بالدراسات المستقبلیة؛ حیث إن تحدید القیم وما یرتبط بها من أهداف أصبحت خطوة أساسیة من الخطوات المنهجیة للبحث المستقبلی، کما أن قیام علم المستقبل، أو إجراء بحوث ودراسات عن المستقبل تتطلب دراسة تغیر القیم، والتنبؤ بالقیم التی ستسود فی المستقبل، وهذا ما حثّ بعض العلماء إلى القول بأن صدق علم المستقبل یتوقف على اکتشاف وسائل تدمج البعد القیمی کبعد أساسی فی منهجیة البحث المستقبلی(1).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ناهد صالح: "البحث العلمی الاجتماعی فی قضایاه ومناهجه"، المرکز القومی للبحوث الاجتماعیة والجنائیة، القاهرة، 2009، ص ص 187-188.

ب-     الأهمیة العملیة :

لا شک أن البحوث المثمرة هی التی یکون لها تطبیقات عملیة، ومن ثم تستمد الورقة البحثیة الراهنة أهمیتها العملیة من خلال:

  • تحاول هذه الورقة البحثیة تقدیم وصف مورفولوجى لحالة البث الفضائی العربی، ومن ثم استخلاص السمات، والخصائص للوضع الراهن للإعلام العربی الفضائی، وهذا الأمر قد یساعد فی تحسین رسم خریطة مستقبلیة للبث الفضائی العربی، یمکن معها تغلیب جانبی المحتوى، والمضمون على الجانبین الشکلی، والتقنی المغایرین – فی معظمهما– لهویتنا العربیة، ویضران بمنظومة القیم، واللذین یسیطران – حالیًا – على معظم الفضائیات، کأحد أشکال الإعلام الجدید.
  • یمکن أن یفید موضوع الورقة البحثیة الراهنة فی دعم المحور الاستراتیجی للثقافة الذی تبنته "وزارة التخطیط والمتابعة والإصلاح الإداری" فی إستراتیجیتها للتنمیة المستدامة لمصر حتى عام (2030)، والذی یصبو إلى "بناء منظومة قیم ثقافیة إیجابیة فی المجتمع المصری تحترم التنوع والاختلاف وعدم التمییز.."(1)، وذلک من خلال تقدیم عمل علمی یوضح أهم القیم الاجتماعیة السیاسیة الأکثر انتشارًا فی الدول العربیة – ومن بینها مصر – وتداعیات تأثیر الإعلام الجدید علیها، ومن ثم التصدی للتأثیرات السلبیة الجائرة ضد منظومة القیم الإیجابیة فی المجتمع المصری.
  • تحاول هذه الورقة البحثیة أن تقدم شیئًا ذا دلالة من خلال اقترابها من دینامیات الحیاة من خلال دراسة القیم فی الواقع المعاش فی ظل التغیرات المجتمعیة التی أعقبت أحداث ما سُمی بـ "الربیع العربی" التی اجتاحت الوطن العربی منذ نهایة عام (2010)، وتواصلت طوال عام (2011)، ولا تزال فعالیاتها ونتائجها مستمرة فی عدد من الدول العربیة إلى یومنا هذا، ومن ثم التعرف على أهم القیم الاجتماعیة السیاسیة التی یجب على النظام السیاسی بثها وتأکیدها فی نفوس أعضاء المجتمع؛ لإبراز هویة المجتمع، وتحقیق الاستقرار بین مختلف فئاته، هذا من ناحیة، ومن ناحیة أخرى انعکاس تلک القیم على الشعور بالهویة الوطنیة، والانتماء للوطن، والمساهمة فی إعداد الفرد تجاه المشارکة السیاسیة داخل المجتمع.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وزارة التخطیط والمتابعة والإصلاح الإداری: "إستراتیجیة التنمیة المستدامة: رؤیة مصر (2030)"، القاهرة، 2016، ص 172.

4)     التعریفات الإجرائیة للمفاهیم :

أ)        الإعلام الجدید :

ویُقصد به فی الورقة البحثیة الراهنة "ذلک الإعلام الذی تولد من التزاوج ما بین تکنولوجیات الاتصال، وأدوات البث الجدیدة الفضائیة، سواء مع أجهزة الکمبیوتر، وشبکاته، وأجهزة الهاتف المحمول (الانترنت)، أو مع أجهزة التلیفزیون الرقمی (الفضائیات)، وما ینتج عن ذلک التزاوج من تغییر انقلابی للنموذج الاتصالی التقلیدی بما یسمح للفرد العادی توصیل رسالته إلى من یرید فی الوقت الذی یرید بطریقة واسعة الاتجاهات، ولیس من أعلى إلى أسفل وفق النموذج الاتصالی التقلیدی".

 

ب-     القیم الاجتماعیة السیاسیة :

ویُقصد بها فی الورقة البحثیة الراهنة "مجموعة من الاتجاهات المعیاریة لدى الفرد فی المواقف الاجتماعیة، فتحدد له أهدافه العامة فی الحیاة، وتتضح من خلال سلوکه العملی أو اللفظی، ویکون هذا السلوک نابعًا من تأثر الفرد بالسیاق الاجتماعی المحیط به".

وسیقوم الباحث بتحدید بعض من تلک القیم من خلال استنطاقها من بعض أدبیات التراث البحثی التی عُنیت بقضایا الإعلام والقیم، وفی الوقت نفسه تمثل بعض دول الوطن العربی.

 

5)     منهجیة الورقة البحثیة :

تعتمد الورقة البحثیة على المنهج الوصفی، التحلیلی الذی ینطلق من قراءة المصادر الثانویة ذات الصلة، والأدبیات البحثیة (المیدانیة والنظریة) المتوافرة فی مجال موضوع هذه الورقة؛ لاستنطاق أهم القیم الاجتماعیة السیاسیة التی تناولتها، ومن ثم خضوعها للتحلیل النظری؛ لذلک فإن الجزء القادم من هذه الورقة یمثل أهمیة کبیرة؛ لیس فقط لأنه سیعرض لأهم أدبیات التراث البحثی السابقة المرتبطة بالموضوع ، ولکن أیضًا لأنه سیتم الاعتماد علیه فی استنطاق أهم القیم الاجتماعیة السیاسیة التی ستخضع للتحلیل.

 

6)     الدراسات السابقة:

1.   یأتی فی مقدمة هذه الدراسات ما قدمه "الکندی"(1) بهدف تشخیص وتحلیل نقدی للتغیرات التی أحدثتها وسائل الإعلام الجدیدة فی العالم العربی، وخاصة الانترنت والفضائیات الخاصة على القیم الثقافیة، واعتمدت الدراسة على المنهج الوصفی التحلیلی الذی ینطلق من قراءة المصادر، والأدبیات العلمیة المتوافرة فی مجال الدراسة، وقد استخلصت دراسته أن أهم القیم الثقافیة التی رسختها وسائل الإعلام الجدیدة فی العالم العربی هی: حریة التعبیر، والحوار، والتسلیة وتسلیع المنتج الإعلامی والمتاجرة به کقیم ثقافیة.

2.   قدم "ناصف"(2) دراسته بهدف التعرف على التأثیرات المختلفة للقنوات الفضائیة علی منظومة القیم الاجتماعیة لطلاب الجامعة، وتم تطبیق الاستبیان على عینة عمدیة قوامها (320) طالباً وطالبة یدرسون بثمانی کلیات بجامعة عین شمس، أربع منها کلیات عملیة وهى: الطب، والهندسة، والعلوم، والحاسبات، والأربع الأخرى نظریة وهى: الآداب، والتربیة، والتجارة، والحقوق، وذلک بواقع (40) طالبًا وطـــالبة من کل کلیـــة. ولقد کشـــفت النتائـــج عن الإقبال الشــدید من قبل الشـــباب - خلال السنوات الأخیرة - على متابعة البرامج الدینیة بالفضائیات، مما یؤکد على أن التغیرات الثقافیة، والاجتماعیة، والتحولات التی یشهدها المجتمع المصری تؤثر بشکل واضح فی مستوى وعی الشباب، ومن ثم توجهاتهم القیمیة، والسلوکیة، کما جاءت القیم الإسلامیة: کالعدل، والوفاء، والأمانة، والصدق، واحترام الوالدین فی المرتبة الأولى بالنسبة للفضائیات العربیة، فی حین جاءت قیم: الصدق فی نقل الأخبار، والحوار، واحترام الآخرین، والبساطة، وعدم التبذیر من أهم القیم الإیجابیة التی تقدمها الفضائیات الأجنبیة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) عبدالله خمیس الکندی: "تأثیرات وسائل الإعلام الجدیدة على القیم الثقافیة فی العالم العربی: إطار تحلیلی نقدی لتحدید التأثیرات وکیفیة دراستها"، حولیات جامعة الجزائر، العدد (23)، 2013.

(2) سعید ناصف: "تأثیر القنوات الفضائیة فی منظومة القیم الاجتماعیة: دراسة اجتماعیة میدانیة"، النور، القاهرة، فبرایر 2007.

3.   استهدفت دراسة "الخضر"(1) التعرف على دور القنوات الفضائیة فی ترسیخ القیم الإسلامیة التی یجب أن یتحلى بها الفرد، واعتمدت الباحثة فی إجراء دراستها على المنهجین: التاریخی، والوصفی؛ حیث اتبعت المنهج التاریخی للتعرف على نشأة التلفیزیون، وتطوره، وظهور الأقمار الصناعیة، کما اتبعت المنهج الوصفی التحلیلی للتعرف على البرامج التی تتناول فی مادتها القیم الإسلامیة، ومدى تأثیرها، وترسخها لدى أفراد المجتمع السودانی، وذلک تحدیدًا فی الفترة (2013-2014) بالتطبیق على قناة طیبة الفضائیة، وقامت الباحثة بمقابلات مع عدد من المبحوثین العاملین بالقناة، بلغت (10) مقابلات. وقد استخلصت دراستها أن الفضائیات لها دور کبیر فی ترسیخ القیم الإسلامیة، خاصة إذا التزم العاملون بها بالحیاد فی طرح المادة الإعلامیة الإسلامیة الصحیحة من غیر تعصب لجهة، أو فرقة معینة، وبما تطرحه من مادة إعلامیة تؤکد على قیم التعددیة والتنوع فی مخاطبة عقل الفرد.

4.   وعن تأثیر الإنترنت على القیم الأخلاقیة جاءت دراسة "عبد الغنی"(2) والتی أُجریت على عینة قوامها (400) من طلاب الجامعات المصریة بواقع (100) طالب لکل جامعة من جامعات القاهرة، والمنصورة، والأزهر، والجامعة الأمریکیة، حیث طبق معهم الباحث أداة الاستبیان، ومقیاسًا للقیم الإسلامیة مثل: تقوى الله، وإتقان العمل، وأداء الأمانة، وحفظ أسرار الآخرین، وإماطة الأذى عن الطریق، وکشفت النتائج عن أن (74%) من العینة یرون أن مخاطر الإنترنت على الشباب هی: إدمان المواقع الإباحیة، واکتساب قیم جدیدة منافیة للدین، کالتطرف والغلو فیه، والانغلاق الفکری وعدم الحوار، وإقامة علاقات مشبوهة، وطبع أفلام الجنس، وتداولها بین الشباب، والشذوذ الجنسی والأخلاقی، وإدمان المخدرات، واعتناق الآراء الدینیة المتطرفة، وترک الفروض والعبادات والشعائر الدینیة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أمیره محمد الخضر: "دور القنوات الفضائیة فی ترسیخ القیم الإسلامیة بالتطبیق على قناة طیبة الفضائیة خلال الفترة (2013-2014)"، رسالة ماجستیر "غیر منشورة"، کلیة الدراسات العلیا، جامعة الرباط الوطنی، السودان، 2015.

(2) أمین سعید عبد الغنی: "تأثیر الإنترنت على القیم والاتجاهات الأخلاقیة للشباب الجامعی"، (فی): "أخلاقیات الإعلام بین النظریة والتطبیق"، المؤتمر العلمی التاسع، الجزء الرابع، کلیة الإعلام، جامعة القاهرة، مایو 2003.

5.   حاولت دراسة "بومدین"(1) التعرف على الآثار التی یترکها الانترنت علی بعض القیم الاجتماعیة فی المجتمع الحضری، وتحدیدًا قیم السلطة الوالدیة، وحریة التعبیر عن الرأی، والعلاقات القرابیة، وکذلک أثر الانترنت على قیم الانتماء، والاندماج الاجتماعی فی المجتمع الجزائری. وفی سبیل تحقیق أهداف دراسته اعتمد علی أسلوب العینة العشوائیة بمدینة "المسیلة" الجزائریة، وتحدیدًا أربعة نوادٍ لمستخدمی الانترنت بالمدینة، وبلغ قوامها (120) مفرده، استخدم معهم الباحث صحیفة الاستبیان بالمقابلة، هذا بجانب إجرائه بعض المقابلات مع أصحاب نوادی الانترنت فی المدینة، وقد توصلت نتائج دراسته إلى أن تکوین علاقات مع أشخاص جدد عبر الانترنت یؤدی إلى تراجع نسبی فی العلاقات الأسریة، هذا بجانب تبنی الأفراد لقیم الاستقلالیة وحریة التعبیر، وأن الارتباط الدائم مع الأشخاص المتعرف علیهم عبر الانترنت یقلل من تبادل الزیارات بین الأقارب، کما استخلصت نتائج الدراسة أن الانشغال بالأفکار التی ینشرها الانترنت عبر مواقعه یؤدی فی کثیر من  الأحیان  الى الانحراف الفکری، والبعد عن الاعتدال والوسطیة، هذا بجانب أن الإدمان على الانترنت یؤدی إلى العزلة عن الآخرین، وتراجع قیم الانتماء.

6. وتساءل "عرابی"(2) فی دراسته عما إذا کان للعولمة تأثیر على الثقافة الدینیة للشباب؟ وهل تراجعت القیم الدینیة کمرجعیة لأفعال الشباب؟ وللإجابة على هذین التساؤلین قام الباحث بتطبیق الاستبیان على عینة من الشباب المصری تقع فی الفئة العمریة (18- 35) سنة، وموزعة على أربعة مناطق هی: قریة "میت بره" التابعة لمرکز قویسنا- محافظة المنوفیة، ومدینة قویسنا، وحی "السیدة زینب"، وحی "مصر الجدیدة" بمحافظة القاهرة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مخلوف بومدین: " أثر الانترنت على القیم الاجتماعیة فی الوسط الحضری : دراسة میدانیة ببعض نوادی الانترنت بمدینة المسیلة"، رسالة ماجستیر "غیر منشوره"، کلیة الآداب والعلوم الاجتماعیة، جامعة محمد بوضیاف، الجزائر، 2010.

(2) محمود السید عرابی: "تأثیر العولمة على ثقافة الشباب المصری: دراسة میدانیة لعینة من الشباب فی سیاقات اجتماعیة متباینة"، رسالة دکتوراه "غیر منشورة"، کلیة الآداب، جامعة عین شمس، 2004.

وأوضحت النتائج أن العولمة أثرت على القیم الإسلامیة تأثیرًا سلبیًا، حیث تراجعت بعض القیم مثل: العفة، والإخلاص، والأمانة، والصدق، وصلة الرحم، والإحسان إلى الجار، وبر الوالدین، وإکرام الضیف، کما أدت العولمة إلى انتشار عدد من سمات الثقافة الغربیة المضادة للدین، ومن أهمها : زیادة الإباحیة بین الشباب، سواء فی القول، أو الفعل، وانتشار الزواج العرفی، وتشبه الشباب المصری بالشباب الأجنبی فی المظهر، والسلوک بشکل لا یتفق مع الدین، أو الأخلاق، ومشاهدة الأفلام الجنسیة من خلال الفضائیات والإنترنت، هذا بجانب بروز قیم أخرى، کتقبل الرأی الآخر من خلال إجراء الحوارات المتبادلة.

7.   وعن الدور الذی تلعبه وسائل الإعلام والاتصال الجدیدة فی عملیة التغییر السیاسی جاءت دراسة "بلونیس"(1) التی استهدفت أیضًا التعرف على تأثیر هذه الوسائل على عملیة المشارکة السیاسیة، من تعبیر عن الرأی، وتشکیل الأحزاب، والتحفیز للانتخابات. وقد خلصت الدراسة إلى عدة نتائج من بینها: أن وسائل الإعلام، والاتصال الجدیدة أضحت هی المتحکمة بالرأی العام، سواء المحلی، أو الدولی، کما أنها أکثر وسیلة فعالة فی تعبئة الجماهیر حتى أنها فاقت الخطاب السیاسی المباشر. کما أن وسائل الإعلام، والاتصال الجدیدة تعد آلیة تحفیز قویة نحو المشارکة السیاسیة المحلیة من خلال خلق فضاء واسع للتعبیر عن الرأی، ومناقشة الآراء السیاسیة المختلفة التی لم تجد صدى للأخذ والرد فیها قبل انتشار هذه التقنیات الاتصالیة الجدیدة خاصة فی الدول ذات الأنظمة الشمولیة، بالإضافة إلى استغلالها فی الدعوة إلى تشکیل الأحزاب وجمع اکبر عدد ممکن من المنخرطین من خلال نشر الأفکار، والإیدیولوجیات، وإیجاد نقاط مشترکة تجمع بین الأفراد، أما الانتخابات باعتبارها شکلاً من أشکال المشارکة السیاسیة فهی أیضًا تستغل وسائل الإعلام والاتصال الجدیدة لصالحها من خلال ما وفرته من کسب فی الوقت وسرعة فی الاتصال؛ حیث إن دور هذه الوسائل فی العملیة الانتخابیة یکمن فی جمع اکبر عدد ممکن من الأصوات بالإضافة إلى الاقتراع الإلکترونی الذی یسهل العملیة بأکملها.

أما النتیجة الأخرى فهی أن هذه الوسائل الاتصالیة الجدیدة فتحت المجال للأنشطة الإرهابیة المتطرفة بالظهور والتفشی، وهناک عدم قدرة على التحکم فی هذه الأنشطة الإرهابیة أو الحد منها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) شیماء بلونیس: "دور وسائل الإعلام والاتصال الجدیدة فی التغییر السیاسی"، رسالة ماجستیر "غیر منشورة"، کلیة الحقوق والعلوم السیاسیة، جامعة العربی بن مهیدی، الجزائر، ٢٠١٥ .

8.   واستهدفت دراسة "عصام"(1) تتبع مواقع تبادل الحوار الحر للمعلومات، والآراء، والأفکار العربیة عبر الانترنت، وقد کشفت النتائج أن القضایا الدینیة تُعد أکثر ما یشغل اهتمام المتعاملین مع مواقع الحوار العربی عبر الانترنت، یلیها القضایا السیاسیة.

9.   کما استهدفت الورقة البحثیة لـ "حارص"(2) بناء أساس نظری لموضوع قیاس أثر الإعلام المقروء على القیم بالوطن العربی، مما یسهم فی فتح المجال لدراسات تطبیقیة عدیدة مرتبطة بالتغیرات القیمیة التی هزت أرکان الوطن العربی بعد عام (2011).

ولتحقیق هذا الهدف ناقشت الدراسة أربعة محاور رئیسة تتعلق بکیفیة قیاس الأثر، ومعالم خریطة القیم التقلیدیة، والحدیثة، ومظاهر تأثر القیم بالإعلام المقروء، ورصد القیم الأکثر تأثرًا فی المرحلة الراهنة، وقد اعتمدت الورقة البحثیة بشکل أساسی على مسح الدراسات، والمقالات المتصلة بالموضوع قبل وبعد عام (2011)، وتوصلت إلى إمکانیة قیاس أثر الإعلام فی منظومة القیم من خلال ثمانیة مداخل، هی: الدوافع، الاحتیاجات، الاتجاهات، العادات والتقالید، الأعراف، المعتقدات، السلوک، الثقافة، ورصدت الورقة عدة مظاهر تتأثر بها القیم بدءاً من عملیة تشکیلها، ونقلها، وترتیبها، وإکسابها ضمن عملیة التنشئة الاجتماعیة، ومرورًا بإحداث الصراع القیمی على مستوى الأفراد، والمجتمعات، وانتهاءً بعملیة تغییر القیم، ونشر القیم الجدیدة. وأکدت الورقة بروز قیم بعینها تأثرت بفعل السیولة الصحفیة الإعلامیة والتکنولوجیة التی شهدتها بلاد الوطن العربی بعد عام (2011)، وبدت على أنها سیاسیة، ولکنها انعکست على الحیاة الاجتماعیة بشکل عام، من أهمها: قیمة التسامح فی مقابل قیمة التعصب، قیمة الاعتدال فی مقابل قیمة التطرف، قیمة الحوار فی مقابل قیمة المناورة، قیمة الحریة فی مقابل الکبت، قیمة المشارکة فی مقابل قیمة اللامبالاة والسلبیة، قیمة المواطنة فی مقابل قیمة التمییز.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) عصام نصر سلیم: "حدود حریة الرأی فی ساحات الحوار العربی عبر الانترنت: دراسة تحلیلیة"، (فی): مجموعة من أساتذة الجامعات المصریة: "کتابات اجتماعیة معاصرة مهداة للأستاذ الدکتور السید محمد بدوی"، محمد سعید فرح (محرر)، مرکز البحوث والدراسات الاجتماعیة، کلیة الآداب، جامعة القاهرة، 2003.

(2) صابر حارص محمد: "أثر الإعلام المقروء على منظومة القیم فی الوطن العربی"، مجلة بحوث العلاقات العامة الشرق الأوسط، السنة السادسة، العدد (١٩)، ٢٠١٨.

موقف الورقة البحثیة من الدراسات السابقة:

یتضح من خلال العرض السابق لعدد من الدراسات السابقة أن هناک العدید من الملاحظات، أهمها :

1-      عبَّرت معظم هذه الدراسات عن "الإعلام الجدید" بکل ما له علاقة بـ "الانترنت"، وهذا ینافی المعنى الصحیح للإعلام الجدید؛ فالإعلام الجدید لیس انترنت فقط، فبعض تطبیقاته بعیدة کلیًا عن المبادئ التی تقوم علیها تکنولوجیا الإنترنت، وهذا ما ستحاول أن توضحه وتضیفه الورقة البحثیة الراهنة.

2-      تناولت الدراسات السابقة العلاقة المتبادلة بین الإعلام الجدید ووسائله، وبین العدید من القیم، مثل "القیم الاجتماعیة"، مثل دراسة کل من "ناصف"، و"بومدین"، و"القیم الثقافیة"، مثل دراسة "الکندی"، و"القیم الاخلاقیة"، مثل دراسة "عبد الغنی"، و"القیم الدینیة"، مثل دراسة "عرابی"، و"القیم الإسلامیة"، مثل دراسة "محمد الخضر"، ولم تتناول العلاقة المتبادلة بین الإعلام الجدید والقیم الاجتماعیة السیاسیة، خاصة وأن القیم الاجتماعیة والسیاسیة بینهما تداخل شدید؛ فمعظم القیم السیاسیة لها أبعاد اجتماعیة خالصة، وهذا ما ستحاول أن توضحه وتضیفه الورقة البحثیة الراهنة.

3-      استخلصت نتائج الدراسات السابقة العدید من القیم الاجتماعیة"، و"القیم الثقافیة"، و"القیم الدینیة" ... وکان من بین تلک القیم : قیمة "حریة التعبیر" کما فی دراسة کل من "الکندی"، و "بومدین"، و"حارص"، وقد صنفتها الدراسة الأولى على أنها قیمة ثقافیة، فی حین صنفتها الدراسة الثانیة على أنها قیمة "اجتماعیة"، وصنفتها الدراسة الثالثة على أنها قیمة "سیاسیة"، وقیم "التعددیة والتنوع"، کما فی دراسة کل من "محمد الخضر"، و "الکندی"، وقد صنفتها الدراسة الأولى على أنها قیمة إسلامیة، فی حین صنفتها الدراسة الثانیة على أنها قیمة "ثقافیة"، وقیمة "الحوار" کما فی دراسة کل من "ناصف"، و "حارص"، وقد صنفتها الدراسة الأولى على أنها قیمة اجتماعیة، فی حین صنفتها الدراسة الثانیة على أنها قیمة "سیاسیة"، إلا أن الورقة الحالیة صنفت تلک القیم على أنها قیم اجتماعیة سیاسیة؛ نظرًا للتداخل والارتباط الشدیدین بینهما، للدرجة التی یصعب معها الفصل بینهما، هذا بجانب طبیعة تلک القیم نفسها التی تجعلها تبدو قیماً سیاسیة من الدرجة الأولى، ولکن فی الوقت نفسه لها أبعاد اجتماعیة خالصة.

وعلى هذا تکون القیم الاجتماعیة السیاسیة للورقة البحثیة الراهنة التی تم استنطاق بعضها من نتائج بعض أدبیات التراث البحثی، والتی ستخضع للتحلیل، والتعرف على تأثیر الإعلام الجدید علیها، خاصة بعد أحداث عام (2011) فی الوطن العربی هی : "قیمة حریة الرأی والتعبیر"، " قیمة التعددیة"، "قیمة الحوار".

 

المحور الثانى

 

الإطار النظری للورقة البحثیة

 

1)     الإعلام الجدید وتوصیف واقعه فی الوطن العربی :

أ-   مفهوم الإعلام الجدید:

"الإعلام" لغة مصدر لفعل "أعلم"، وهو فعل رباعی، و"أعلم" من العلم، هو إدراک الشیء على حقیقته، و"أعلمته" و"علمته" فی الأصل واحد، إلا أن "الإعلام" اختص بما کان من أخبار سریعة، و"التعلیم" اختص بما یکون، بتکریر، وتکثیر حتى یحصل منه أثر فی نفس المتعلم(1)، فبذلک یکون "الإعلام" مصدره "علم"، وهو نقیض الجهل، فیُقال: "استعلم لی خبر فلان، وأعلمنیه حتى أعلمه"، و"استعلمنی الخبر، فأعلمته إیاه"(2)، فهو یشیر إلى حصول حقیقة العلم؛ أی معرفته للمستعلم، وهو المتلقی.

و"الإعلام" مصدره "علم"، وهو یدل على أثر الشیء یتمیز به عن غیره، ومن ذلک "العلامة" وهى "معروفة"، فیُقال: "علَّمت على الشیء علامة"، ویُقال: "أعلم الفارس إذا کانت له علامة فی الحرب" و"العَلَم": "الرایة"، والجمع "أعلام" و "الإعلام" کذلک فی اللغة: "التبلیغ"، فیقال: "بلغت القوم بلاغًا؛ أی أوصلتهم الشیء المطلوب"، وفی ذلک قال سبحانه وتعالى فی محکم آیاته وتنزیله: وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ یَتَذَکَّرُونَ(3).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الراغب الأصفهانی (أبو القاسم الحسین بن محمد): "المفردات فی غریب القرآن"، (تحقیق): صفوان عدنان الداودی، دار القلم، دمشق، ١٩٩٢، ص 580.

(2) ابن منظور: "لسان العرب"، (تحقیق): عبد الله على الکبیر وآخرون، دار المعارف، القاهرة، بدون تاریخ، ص 418.

(3) سورة القصص، الآیة (51).

والإعلام بهذا الأصل اللغوی هو إحاطة الغیر علمًا بشیء، لیدرک حقیقته، والاطلاع علیه، وتعمیمه بین الناس، فالإعلام بهذا المعنى اللغوی ینطوی على الکشف عن المعلومات، والمعارف، والاتجاهات، وإبرازها للناس(1)، وهذا الأصل اللغوی مطابق لمفهوم الإعلام فی العصر الحاضر.

وقد شاع مفهوم "الإعلام" بـ "الإخبار"، غیر أن هناک فرقًا بینهما؛ فالإخبار لا یتجاوز تبلیغ خبر معین فی الوقت الذی یتجاوزه الإعلام، ویضیف إلى معنى الإعلام معنى الإخبار أیضًا(2).

وبذلک یشیر المفهوم اللُغوی لمصطلح "الإعلام" بمعناه الواسع، والشائع، نقل الأخبار، وقد اتسع نطاقه لیصبح: "نشر الحقائق والمعلومات الدقیقة الصادقة بهدف التقریر والإقناع"، وإلى جانب الدقة التی اشترطها هذا المفهوم فی الحقائق، والمعلومات، فقد أشار إلى أن هدف الإعلام من ذلک هو الإقناع، والتقریر، دون أن یحدد المفهوم ماهیة التقریر، وکیفیة الإقناع(3).

أما مصطلح "الإعلام الجدید" New Media فیشیر إلى جملة من تطبیقات الاتصال الرقمی، وتطبیقات النشر الإلکترونی على الأقراص بأنواعها المختلفة، والتلیفزیون الرقمی، والإنترنت، وهو یدل کذلک على استخدام الکمبیوترات الشخصیة، والنقالة، بالإضافة إلى التطبیقات اللاسلکیة للاتصالات، والأجهزة المحمولة فی هذا السیاق، ویخدم أی نوع من أنواع "الکمبیوترات" - على نحو ما - تطبیقات الإعلام الجدید فی سیاق التزاوج الرقمی Digital Convergence؛ إذ یمکن تشغیل الصوت والفیدیو، فی الوقت الذی یمکن فیه أیضًا معالجة النصوص، وإجراء عملیات الاتصال الهاتفی وغیرها مباشرة من أی کمبیوتر(4). ویعرفه "قاموس الحوسبة" Computing Dictionary على أنه: "الطرق الجدیدة فی الاتصال،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) حنان على أحمد: "الإعلام الإسلامی: مفهومه وخصائصه"، مجلة طریق العلوم التربویة والاجتماعیة (Route Education and Social Science Journal)، المجلد (5)، العدد (1)، 2018، ص931.

(2) سید محمد ساداتی الشنقیطی: "وظیفة الإخبار فی سورة الأنعام"، سلسلة دراسات فی الإعلام الإسلامی والرأی العام، مرکز الدراسات والإعلام، دار إشبیلیا، الریاض، ١٩٩٧، ص29.

(3) محمود محمد سفر: "الإعلام موقف"، الکتاب العربی السعودی، رقم (63)، تهامة، المملکة العربیة السعودیة، 1982، ص21.

(4) عباس مصطفى صادق: "الإعلام الجدید: دراسة فی مداخله النظریة وخصائصه العامة"، بحث متاح فی:

www.dopdfwn.com/cocnoscana/scanonanya/pdf-books-org-DSNp6.pdf. Accessed on:1-11-2019

فی البیئة الرقمیة بما یسمح للمجموعات الأصغر من الناس بإمکانیة الالتقاء، والتجمع على الإنترنت، وتبادل المنافع، والمعلومات، وهى بیئة تسمح للأفراد، والمجموعات بإسماع صوتهم، وصوت مجتمعاتهم إلى العالم أجمع"(1).

ویعرفه کل من "بارى اکسفورد" B. Axford و "ریتشارد هایجنز" R. Huggins على أنه: "أشکال التواصل فی العالم الرقمی، والتی تضمن النشر على الأقراص المدمجة، والأقراص الرقمیة متعددة الاستخدامات Digital Versatile Disc (D.V.D) وبشکل أکثر أهمیة على شبکة الإنترنت"(2). وفی تعریف مشابه یشیر "بنهلال"(3) إلى "الإعلام الجدید" على أنه: "الطرق الجدیدة للتواصل فی العالم الرقمی، التی تمکن المجموعات الصغرى من الأفراد من الاجتماع على شبکة الإنترنت، واقتسام السلع والخدمات، وبیعها وتبادلها، إنها تسمح للأفراد بامتلاک صوت فی مجتمعهم، وفی العالم، ویستعمل تعبیر الإعلام الجدید فی مواجهة وسائل الإعلام التقلیدیة، التی تشیر إلى أشکال التواصل السابق على الإعلام الجدید".

ویعرفه کل من "وایسر" L. Weiser، و "فریدمان"(4) H. Friedman على أنه: "ذلک الإعلام الذی تولد من التزاوج ما بین تکنولوجیات الاتصال، والبث الجدیدة، والتقلیدیة مع الکمبیوتر، وشبکاته، وتعددت أسماؤه، ولم تتبلور خصائصه النهائیة بعد، ویأخذ هذا الاسم باعتبار أنه لا یشبه وسائط الاتصال التقلیدیة، فقد نشأت داخله حالة تزامن فی إرسال النصوص، والصور المتحرکة، والثابتة، والأصوات".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1])  The Free Dictionary By Farlex: "New media: Encyclopedia article by The Free Dictionary", 2019,

Available at: https://encyclopedia.thefreedictionary.com/new+media,

Accessed on: 1-12-2019.

(2) Barrie Axford and Richard Huggins: "New Media and Politics", SAGE Publications, London, 2001, pp. 10-11.

(3) محمد بنهلال: "الإعلام الجدید ورهان تطویر الممارسة السیاسیة : تحلیل لأهم النظریات والاتجاهات العالمیة والعربیة"، مجلة المستقبل العربی، السنة (34)، العدد (396)، 2012، ص 8.

(4) Linda Weiser Friedman and Hershey H. Friedman: "The New Media Technologies: Overview and Research Framework", SSRN Electronic Journal, April 2008, pp. 1-3.

Available at : https://www.researchgate.net/publication/228193979.

Accessed on: 8-12-2019.

ویتضح من خلال العرض السابق لمجموعة التعریفات – الموجزة - للإعلام الجدید استحالة وضع تعریف شامل له؛ لعدة أسباب : تبدأ بأن هذا الإعلام هو فی واقع الأمر یمثل مرحلة انتقالیة من ناحیة الوسائل، والتطبیقات، والخصائص التی لم تتبلور بشکل کامل وواضح، فهی ما زالت فی حالة تطور سریع، وما یبدو الیوم جدیدًا یصبح قدیمًا فی الیوم التالی، وإذا ما أردنا وضع تعریف لـ"الإعلام الجدید" بناءً على الوسائل الجدیدة فهی بالتأکید ستکون قدیمة بمجرد ظهور مبتکرات جدیدة، وهذا مدعاة لصعوبة وضع تعریفٍ صارمٍ من هذا المدخل تحدیدًا، کما یختلف الوضع إذا تم وضع تعریف بناءً على مجموعة الخصائص التی تمیز "الإعلام الجدید" فهناک شبه اتفاق على جملة خصائص یتصف بها هذا الإعلام، سنفصل لها لاحقًا.

ولکن یمکن أن نخلص من جملة التعریفات الأولیة إلى شبه اتفاق بأن فکرة "الجِدَّة" یمکن استقراؤها من أن "الإعلام الجدید" یشیر إلى حالة من التنوع فی الأشکال، والتکنولوجیا، والخصائص التی حملتها الوسائل المستحدثة عن التقلیدیة خاصة فیما یتعلق بإعلاء حالات الفردیة، والتخصیص، وهما تأتیان کنتیجة لمیزة رئیسة هی "التفاعلیة"، فإذا ما کان الإعلام الجماهیری، والإعلام واسع النطاق، فإن الإعلام الشخصی، والفردی هو إعلام القرن الجدید، فالإنترنت یُعد واحدة من أدواته جعلت فی مقدور أی إنسان البحث عن الأغنیة، والبرنامج التلیفزیونی، والفیلم السینمائی، والمعلومات الصحفیة، والعلمیة التی یرید فی الوقت الذی یرید. ولکننا یجب أن نتفق على أن الإعلام الجدید لیس إنترنت فقط، فبعض تطبیقاته بعیدة کلیًا عن المبادئ التی تقوم علیها تکنولوجیا الإنترنت، فالإعلام الجدید یستبطن عددًا من التکنولوجیات الاتصالیة التی ظهرت بعد أول تطبیق للنشر الإلکترونی من : نص، وصور ساکنة فی نظم الکومبیوتر، والشبکات المبکرة، إلى تطبیقات الاتصال غیر المسبوقة على شبکة الإنترنت.

ونخلص هنا بالتأکید الى مجموعة من الخصائص، والممیزات التی یتمتع بها "الإعلام الجدید" عما سبقه، وهى تتمثل فی دمجه للوسائل المختلفة القدیمة والمستحدثة فی مکان واحد، على منصة الکومبیوتر وشبکاته، والتلیفزیون الرقمی، وما ینتج عن ذلک الاندماج من تغییر انقلابی للنموذج الاتصالی الموروث بما یسمح للفرد العادی إیصال رسالته إلى من یرید فی الوقت الذی یرید بطریقة واسعة الاتجاهات، ولیس من أعلى إلى أسفل وفق النموذج الاتصالی التقلیدی، فضلًا عن تبنى هذا الإعلام للتکنولوجیا الرقمیة، وحالات التفاعلیة، وتطبیقات الواقع الافتراضی، وتعددیة الوسائط، وتحقیقه لمیزات الفردیة والتخصیص وتجاوزه لمفهوم الدولة الوطنیة، والحدود الدولیة(1).

 

وعن أسباب ظهور الإعلام الجدید، فلا شک أن ثورة المعلومات التی یعیشها العالم فی الوقت الراهن تمثل أحد أهم مراحل التطور التاریخی الکبرى فی تاریخ الإنسانیة، وأن من أهم نتائج هذه الثورة المعلوماتیة التغیرات الکبرى التی حدثت فی الصناعة الإعلامیة، وأنماط استهلاک المعلومات، وإنتاجها، ونشرها والتشارک فی مضامینها، الأمر الذی أدى إلى انقسام القطاع الإعلامی إلى مجالین هما:

  • الإعلام التقلیدی: الذی یضم الصحف والمجلات والإذاعة والتلیفزیون.
  • الإعلام الجدید: الذی یقوم على تدفق المعلومات عبر شبکة الإنترنت، والهاتف الجوال(2).

 

وبصفة عامة یمکن حصر العدید من الأسباب الداعیة إلى ظهور الإعلام الجدید فی النقاط الموجزة التالیة(3):

  • التطور التکنولوجی الهائل فی مجال تکنولوجیا الإعلام والاتصال، وتزاوج التقنیة بالمفاهیم الاجتماعیة والسیاسیة السائدة فی المجتمع ساعد على تطور الإعلام الجدید.
  • عدم قدرة وسائل الإعلام السائدة على خدمة احتیاجات جماهیرها؛ حیث یقدم الإعلام الجدید تعددیة الأشکال، والمضامین أکثر مما تنتجه وسائل الإعلام السائدة.
  • قدرة وسائل الإعلام الجدید على الانتشار، حیث یتیح للأشخاص أن یمتلکوا أدوات بسیطة، یمکن من خلالها إرسال رسالتهم إلى الآخرین.
  • دینامیکیة وسائل الإعلام الجدید، وقدرتها على التنقل، مثل الحاسب المتنقل، والهاتف الجوال، وتمکنها من الاستفادة من الشبکات اللاسلکیة، مثل خاصیة الوای فای (WI- FI).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) عباس مصطفى صادق، مرجع سابق، ص8.

(2) فهد بن عبد الرحمن الشمیمری، مرجع سابق، ص182.

(3) کوثر علوب محمد: "الإعلام الجدید وأثره على القیم الاجتماعیة: دراسة على قیمة التکافل فی السودان"، رسالة دکتوراه "غیر منشورة"، کلیة الدراسات العلیا، جامعة السودان للعلوم والتکنولوجیا، السودان، 2017، ص 111.

ولقد تعددت أسماء الإعلام الجدید، ولم تقف کذلک على اسم موحد، ومن هذه الأسماء: الإعلام الرقمی: لوصف بعض تطبیقاته التی تقوم على التکنولوجیا الرقمیة مثل التلیفزیون الرقمی، الرادیو الرقمی، وغیرهما، أو للإشارة إلى أی نظام أو وسیلة إعلامیة تندمج مع الکمبیوتر، والإعلام التفاعلی: طالما توافرت حالة من العطاء والاستجابة بین المستخدمین لشبکة الإنترنت، والتلیفزیون، والرادیو التفاعلیین، وغیرهم من النظم الإعلامیة التفاعلیة، والإعلام الشبکی: على خطوط الاتصال، بالترکیز على تطبیقاته فی الإنترنت وغیرها من الشبکات، والوسائط السیبرونیة أو السیبرانیة Cyber Media (من تعبیر الفضاء السیبرونی الذی أطلقه کاتب روایات الخیال العلمی "ویلیام جبسون" فی روایته التی أصدرها عام 1984)، وإعلام المعلومات: للدلالة على التزاوج بین الکمبیوتر والاتصال، وعلى ظهور نظام إعلامی جدید یستفید من تطور التکنولوجیا المعلوماتیة ویندمج فیها، وإعلام الوسائط المتعددة: حالة الاندماج التی تحدث داخله بین النص والصورة والفیدیو(1).

ویمکن تقسیم الإعلام الجدید بصفة عامة إلى أربعة أقسام:الإعلام الجدید القائم على شبکة الإنترنت وتطبیقاتها، والإعلام الجدید القائم على الأجهزة المحمولة بما فی ذلک أجهزة قراءة الکتب والصحف، ونوع من منصة الوسائل التقلیدیة مثل الرادیو والتلیفزیون التی أضیفت إلیها ممیزات جدیدة مثل التفاعلیة والرقمیة والاستجابة للطلب، والإعلام الجدید القائم على منصة الکمبیوتر ویتم تداول هذا النوع إما شبکیًا، أو بوسائل الحفظ المختلفة مثل الاسطوانات الضوئیة، وما إلیها وتشمل العروض البصریة، وألعاب الفیدیو، والکتب الإلکترونیة وغیرها(2).

وبصفة عامة، وبعد هذا العرض یمکن أن نطلق مصطلح "وسائل الإعلام الجدید" على الطریقة الاتصالیة الناتجة عن اندماج تقنیات الاتصال الحدیثة، کالحاسوب، والهواتف الذکیة، والشبکات (بما فیها الفضائیات)، والوسائط المتعددة(3)، فهی الوسائل التی نشأت فی

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) نسرین حسونة: "الإعلام الجدید: المفهوم والوسائل والخصائص والوظائف"، شبکة الألوکة الثقافیة، 2014، ص 3، متاح فی:

www.alukah.net/w/ture/o/67973/. Accessed on: 10-11-2019.

(2) المرجع السابق.

(3) نسرین حسونة، مرجع السابق.

ظل البیئة الرقمیة، حیث تتمیز بالتفاعل، والتنوع فی الأشکال والتکنولوجیا(1)، وقد ورد تعریفها فی "الموسوعة الإعلامیة" بأنها: "الأدوات، والنظم التی تساعد على القیام بالاتصال، وتتمثل هذه الأدوات أساسًا فی الحاسبات الإلکترونیة"(2)، وتتحدد وسائل الإعلام الجدید فی العملیة الاتصالیة الناتجة عن اندماج ثلاثة عناصر، هی: الکمبیوتر، الشبکات، والوسائط المتعددة(3).

 

ب-     توصیف واقع الإعلام الجدید فی الوطن العربی :

ستلتزم الورقة البحثیة بتوصیف واقع کل من البث الفضائی والانترنت فی الوطن العربی، ویمکن تناول ذلک على النحو الآتی:

تشیر الإحصاءات الصادرة عن "اتحاد إذاعات الدول العربیة لعام (2016)"(4) – وهو أحدث تقریر صُدر حتى الآن لاتحاد إذاعات الدول العربیة - کما هو موضح فی جدول (1)، عن وجود ما لا یقل عن (1122) قناة تلیفزیونیة تُبث، أو یُعاد بثها على الأقمار العربیة، والدولیة، منها (1114) قناة عربیة عمومیة، وخاصة، و(8) قنوات أجنبیة تبث بالعربیة، أو غیرها من اللغات، منها (36) هیئة حکومیة، و(613) هیئة خاصة، وتستخدم هذه الهیئات (17) قمرًا صناعیًا، بما فیها سواتل عربیة : "نایل سات"، و"عربسات".

ویفید التقریر أن هذه القنوات موزعة على تخصصات متعددة، تأتى فی مقدمتها "القنوات الجامعة" ذات البرامج المنوعة (موسیقى، ومنوعات....) بمجموع (252) قناة، ثم تأتى بعدها فی المرتبة الثانیة "القنوات الإخباریة" بمجموع (143) قناة، تلیها مباشرة "القنوات الدینیة" بمجموع (122) قناة، وهى نوعان: قنوات برامج دعویة سنیة، وشیعیة، وقنوات تبشیریة مسیحیة، تلیها "قنوات الأفلام"، بمجموع (109) قناة، والتی یمکن أن نضیف إلیها قنوات الدراما، والکومیدیا، والمسلسلات العربیة، والمدبلجة، أو فی لغتها الأصلیة، کذلک یوجد عدد هام، من القنوات الریاضیة بعدد (96) قناة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) انظر: عباس مصطفى صادق: "الإعلام الجدید: المفاهیم والوسائل والتطبیقات"، دار الشروق، عمان، ص ص32: 33.

(2) انظر: محمد منیر حجاب: "الموسوعة الإعلامیة"، دار الفجر، القاهرة، 2003، ص 805.

(3) شیماء بلونیس، مرجع سابق، ص12.

(4) اتحاد إذاعات الدول العربیة: "البث الفضائی العربی: التقریر السنوی 2016"، اللجنة العلیا للتنسیق بین القنوات الفضائیة العربیة، جامعة الدول العربیة، تونس، 2016، ص ص 11-17.

 

وتظهر الأرقام تنامی "القنوات الدینیة"، وهو واقع یمکن فهمه من خلال الأهمیة التی أصبحت علیها النزاعات التی تغذیها التیارات الدینیة السیاسیة، والتی برزت بجلاء أکثر بعد ظاهرة الحراک العربی، أو ما سُمی بالربیع العربی. ویتوجب الإشارة إلى أن کل القنوات الترویجیة هی قنوات خاصة، وقنوات لا تتولى إنتاج ما تبثه بل تکتفی بترویجه، ویبقى عدد القنوات المختصة ذات المحتوى الإعلامی النوعی، والبنّاء - تربویة، ثقافیة أو اقتصادیة کانت،- یبقى الحلقة الأضعف فی دائرة البث الفضائی العربی، إذ لا یتعدى عددها بضعة عشرات من القنوات، ینتمی معظمها إلى القطاع العام، علمًا أن جانبًا من هذه القنوات یکون البث الأساسی لها بهدف ترویج الشعوذة، والسحر، ومداواة الأمراض المستعصیة ومن بینها الأمراض النفسیة، کما تعد من خلال بثها بحل کل "المشاکل" و"المعوقات" مثل العنوسة، و"قلة البخت". أما العدد الأوفر من القنوات التی تُبثّ فی السماء العربیة، وتُعد بالمئات، فهی تفتقد إلى أی تصنیف، وتقتصر على عناوین ولافتات دون محتوى واضح، وتساهم فی إطالة قائمات البث المنشورة من قِبل شرکات البث الفضائی، دون تقدیم أیة مادة إعلامیة ذات معنى وفحوى وأهداف. والسمة العامة لهذا المشهد، أولًا هو تقلص موقع القنوات العمومیة العربیة لفائدة القنوات الخاصة والدولیة الموجهة إلى المنطقة العربیة، ویشیر الإحصاء إلى وجود قرابة (146) قناة عمومیة عربیة مقابل (1057) قناة خاصة ودولیة، وهو ما یعمق "تهمیش الإعلام العمومی"، ذی رسالة الخدمة العامة، فی فضاء اتصالی یطغى علیه بصفة متصاعدة منطق التجارة، والربحیة، وتعُمّ فیه قنوات دولیة متعددة المشارب. وتحمل هذه الأرقام دلالات واضحة عن الخلل الهیکلی الأبرز للمشهد الإعلامی للبث الفضائی العربی، والذی أدى إلى هشاشة محتوى الرسالة الإعلامیة فی منطقتنا.

وما یثیر القلق أیضًا عند قراءة المشهد، هو تقلص مکانة المجموعات الخاصة للبث الفضائی أمام زحف القنوات المنفردة، والتی تفتقد إلى أی هیکل مؤسساتی یوفر لها مضمونًا إعلامیًا واضح المعالم. ونستنتج أیضًا من خلال قراءة المشهد، ضعف، وتشویش الرسائل الإعلامیة التی تمیز المحتوى العام للبرامج التی تبث باللغة العربیة، إذ لا یمکن إعطاء محتوى وتوجّه محدّد لمضمون مئات القنوات العمومیة والخاصة. کما تعکس الإحصاءات السابقة العدید من الحقائق المؤسفة؛ حیث یتسم المشهد الإعلامی الفضائی العربی عمومًا - بعد مطالعة الإحصاءات السابقة - بإخلالات "هیکلیة" فی مستوى بنیته العامة، یمکن اختزالها فی تقلص مکانة وأهمیة القطاع الحکومی، وإعلام الخدمة العامة، وطغیان القطاع الخاص بمختلف توجهاته، فی وقت تنتشر فیه القنوات الحاملة لرسائل إعلامیة مشوشة وخطیرة، منفلتة التوجهات، من العقائدیة القاتمة إلى التجاریة المبتذلة. وفضاء إعلامی – على هذا النحو - یتطلب الیوم، وبإلحاح دراسة معمقة، وإرادة إصلاحیة واضحة وقویة، تضع المواصفات المطلوبة وتتخذ الإجراءات الحاسمة للخروج من مستنقع الرداءة، وتوفیر حد أدنى من المساحات الإعلامیة التی تستجیب لتطلعات المواطن العربی وطموحاته.

وأخیرًا فمن مفارقات المشهد الإعلامی العربی أنه یتطور وینمو عددیًا، ویتوسع وینتشر بسرعة قیاسیة، دون أن ینتج عن هذه الطفرة اللافتة قفزة نوعیة منتظرة للخطاب الإعلامی، وقد أفرزت هذه المفارقة الکبیرة خللًا فی التوازنات الهیکلیة للمشهد، یتجلى عبر ثلاثة محاور أساسیة: عدم توازن بین القطاعین العمومی والخاص، وعدم توازن بین إنتاج المحتوى والمردود الاقتصادی، وکذلک عدم توازن بین المحتوى الموجه والبث التجاری.

 

ومن خلال الوصف السابق لحالة البث الفضائی العربی، یمکننا استخلاص السمات، والخصائص العامة للوضع الراهن له فی النقاط الآتیة(1):

  • سیطرة القطاع الخاص على الفضاء السمعی- البصری، خصوصًا فی الآونة الأخیرة.
  • سیطرة قنوات التسلیة والترفیه على وظیفة البث الفضائی العربی.
  • تنامی وتوسع ظاهرة الاحتکارات، والمجموعات الإعلامیة العربیة.
  • التوسع فی البنیة التحتیة للبث من خلال الأقمار الصناعیة، وتکنولوجیا البث الحدیثة، الأمر الذی جعل الأحداث العالمیة والأخبار تنقل مباشرة إلى المشاهد.
  • نقص التشریعات القانونیة المنظمة للظاهرة الإعلامیة، خصوصًا فی جانب السمعی - البصری.
  • تغلیب الجانب الشکلی والتقنی على جانب المحتوى، من خلال اللجوء إلى استیراد جل الأنظمة، والأجهزة الحدیثة التی تستخدم فی التصویر، والترکیب، ونقل الأخبار، والدیکور؛ وهذا بغیة الحصول على صورة دقیقة وواضحة، ولا شک أن هذه السمات تعد بمثابة محددات لسلوک الأفراد، وأفعالهم، ومن ثم قیمهم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لمزید من الاطلاع، انظر کل من:

- محمد الفاتح حمدی: "البث الفضائی العربی: الواقع الراهن واستشراف المستقبل"، مجلة المستقبل العربی، العدد (417)، السنة (36)، 2013، ص ص 45-62.

- محمد شطاح: "فضاءات الشباب فی الفضائیات العربیة: دراسة نقدیة"، مجلة المستقبل  العربی، العدد (386)، السنة (33)، 2011، ص ص 91-112.

أما عن توصیف واقع "الانترنت" فی عالمنا العربی فیمکن من خلال الجدول التالی - جدول (2) -  استنطاق العدید من الملاحظات، نذکر منها :

  • بلغ عدد مستخدمی الإنترنت فی العالم فی الربع الأول من عام (٢٠٢٠) (4.585.578.718) تقریبًا مستخدم، یمثلون ما نسبته (58.8%) من إجمالی سکان العالم، البالغ عددهم (7.796.615.710) نسمة تقریبًا.
  • بلغ عدد مستخدمی الإنترنت فی العالم العربی فی الربع الأول من عام (٢٠٢٠) (236.530.626) تقریبًا، ویمثلون ما نسبته (54.2%) من إجمالی عدد السکان، البالغ عددهم (436.379.666) نسمةً تقریبًا فی نفس العام، بعد أن کان إجمالی عدد مستخدمی الإنترنت لا یتجاوز (2.800.400) مستخدم عام (2000)(1)، وهذا یدلل على أن العالم الیوم یشهد انتشارًا جماهیریًا واسع النطاق لوسائل الإعلام الجدید – الإنترنت خاصةً- فی مدد زمنیة قصیرة جدًا قیاسًا، ومعدلات نمو، وانتشار هذه الوسائل فی الدول العربیة النامیة، تبدو أکبر من تلک المعدلات الخاصة بالدول المتقدمة.
  • على الرغم من ارتفاع معدلات استخدام الانترنت فی العالم العربی، إلا أن نسب المستخدمین إلی أعداد السکان تظل أقل من النصف فی العدید من الدول؛ فنجد فی "مصر" بلغ نسبة المستخدمین إلى أعداد السکان فی الربع الأول من العام (2020) (48.1%) - على الرغم من احتلال مصر ضمن أکثر (20) دولة فی العالم استخدامًا للانترنت، بعد الصین، والهند، والولایات المتحدة الأمریکیة ... بمعدل نمو بلغ (10.940%) فی الفترة من (2000) إلى (2020)(2) - ونجدها ضعیفة للغایة فی بعض الدول الأخرى، کالسودان، وموریتانیا، وجزر القمر، والصومال فی حین نجدها بلغت نسبة عالیة فی بعض الدول العربیة الأخرى، کالکویت، وقطر، والإمارات، والبحرین، والسعودیة، وهذا مرده بالطبع المستویات الاقتصادیة العالیة لهذه الدول، بجانب ارتفاع مستوى رفاهیة أفراد شعوبها، على عکس الکثیر من الدول العربیة الأخرى، کموریتانیا، وجزر القمر.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) Internet World Stats: Top 20 Countries with Highest Number of Internet Users, 2020, Available at: https://www.internetworldstats.com/top20.htm.

      Accessed on: 4-6-2020.

(2) Internet World Stats: "Top Ten Languages Used in the Web", April , 2019. Available at:

      https://web.archive.org/web/20190601225651/https://www.internetworldstats.com/stats7.htm. Accessed on : 4-6-2020.

 

وبصفة عامة، وعلى الرغم من نمو أعداد مستخدمی الإنترنت، وأعداد القنوات الفضائیة فی العالم العربی، إلا أن الإحصائیات المتوافرة تشیر إلى وجود فجوة معلوماتیة بین الشمال، والجنوب تتأثر بفجوة ثقافیة، ومعرفیة، بین من ینتج المعارف، والمعلومات، والثقافات التی تقدمها وسائل الإعلام الجدید، وبین من یستهلکونها؛ ویتأکد حضور هذه الفجوة الثقافیة بالنظر إلى ترتیب اللغات الأکثر استخدامًا فی الإنترنت(1)، حیث تشیر الإحصائیات فی ابریل (2019) إلى أن اللغة العربیة تحتل المرکز الرابع فی ترتیب اللغات العشر الأکثر استخدامًا فی الإنترنت، وتبلغ نسبة مستخدمی اللغة العربیة فی الإنترنت (5.2%) من إجمالی عدد مستخدمی الإنترنت فی العالم(2)، ولا شک أیضًا أن هذه الفجوة المعرفیة تجعل من الأفراد مقلدین بدون وعی، مما یکون له کبیر الأثر على سلوک الأفراد، وأفعالهم، ومن ثم أیضًا قیمهم.

 

2)     القیم الاجتماعیة السیاسیة (الماهیة والخصائص):

یُعد الحدیث عن القیم، ومنظوماتها بصفة عامة من الموضوعات المطروحة بقوة على الساحة العالمیة، والإقلیمیة، بل والقومیة؛ فالقیم هی دعامة المجتمع التی یستند علیها فی تحقیق تنمیته، وتقدمه(3)، وهی بمثابة نقاط مرجعیة، ومعتقدات یتبناها الأشخاص کتوجیهات عامة یسترشدون بها فی حیاتهم، کما أنها تشکل جزءاً لا یتجزأ من رؤیتهم للعالم، بل یمکن القول إنها - باتساقها وتناقضاتها - مرآة تنعکس على "سلوکیات" إنسانیة معینة، فی فترة زمنیة محددة(4).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أنظر: عبد الله بن خمیس الکندی، مرجع سابق، ص 259.

(2) Internet World Stats: "Top Ten Languages Used in the Web", April, 2019. Available at:

      https://web.archive.org/web/20190601225651/https://www.internetworldstats.com/stats7.htm. Accessed on: 4-6-2020.

(3) مرکز المعلومات ودعم اتخاذ القرار: "ورقة سیاسات مستقبل منظومة القیم فی مصر: منظومة التعلیم والقیم"، مجلس الوزراء، القاهرة، 2014، ص 2.

(4) معهد التخطیط القومی والبرنامج الإنمائی للأمم المتحدة: "شباب مصر: بناة مستقبلنا"، تقریر التنمیة البشریة، مصر، 2020، ص 59.

أ-       مفهوم القیم الاجتماعیة السیاسیة :

کثیرًا من المتخصصین یتحدثون عن معنى "القیم" وکأنه شیء تم تحدیده، ولم یبق إلا توجیه النظر إلیه، إلا أنه لا یوجد مثل هذا المعنى الثابت للقیم؛ لاختلاف معناها باختلاف الناس واختلاف السیاقات، وعلى نظریة القیمة أن تعطی معنى دقیقًا للقیم، فالمشکلة هی إعطاء معنى دقیق لاصطلاح "قیمة"، وإعطاء مثل هذا المعنى لیس مسألة تعسفیة بل ینبغی أن یکون هناک مقیاساً ضابطاً، أو مجموعة من المعاییر التی یخضع لها التعریف(1).

 

وفی هذه الجزئیة ستتناول الورقة البحثیة مفهوم "القیم الاجتماعیة السیاسیة"، ولکن الأمر یتطلب أولاً تعریف القیم الاجتماعیة، والقیم السیاسیة کل على حده، ومن ثم التطرق إلى التعرف على مفهوم "القیم الاجتماعیة السیاسیة"، ویمکن تناول ذلک على النحو التالی:

               

  • ·                     مفهوم القیم الاجتماعیة :

          یشیر "معجم مصطلحات العلوم الاجتماعیة"(2) إلى أن "القیم الاجتماعیة" هی "کل ما یعد جدیرًا بالاهتمام من قِبل الأفراد، وعنایتهم لاعتبارات اجتماعیة، أو اقتصادیة، أو سیکولوجیة ... الخ، فهی بمثابة أحکام مکتسبة من الظروف الاجتماعیة، یتشربها الفرد، ویحکم بها، وتحدد مجالات تفکیره، وتحدد سلوکه، وتؤثر فی تعلمه؛ فالصدق، والأمانة، والشجاعة الأدبیة، والولاء، وتَحَمُل المسئولیة کلها قیم یکتسبها الفرد من المجتمع الذی یعیش فیه، وهی تختلف باختلاف المجتمعات، بل، والجماعات الصغیرة، کما أنها قد تکون إیجابیة أو سلبیة".

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) Ralph Barton Perry: "Realms of Value: A Critique of Human Civilization", HarvardUniversityPress, USA, 2014, p. 2.

(2) أحمد زکى بدوى: "معجم مصطلحات العلوم الاجتماعیة"، مکتبة لبنان، بیروت، 1982، ص 438.

وتشیر "علَّام"(1) إلى القیم الاجتماعیة على أنها: "مثالیات، أو معتقدات تقود إلى التواصل الإنسانی، وأشکال التفاعل مع الآخرین، وتحکم وجوده". وعرفها "زاید"(2) على أنها أُطر ثقافیة حاکمة للسلوک، حیث أوضح أنها: "موجهات عامة للسلوک ترتبط بحاجات الأفراد، وتتشکل عبر المعانی، والآراء، والتصورات التی تنبنی علیها رؤیة الأفراد للعالم، کما تنعکس فی سلوکیات الأفراد واختیاراتهم وتتحدد فی ضوئها". وینظر "زاید" إلیها أیضًا على أنها: "مجموعة من المفاهیم التی یحملها الفرد، أو الجماعة تجاه ما هو مرغوب فیه، وهی تمکن الفرد من الاختیار بین وسائل، وغایات عدیدة لإنجاز أفعاله، بحیث تعمل القیم کموجهات لتحقیق الغایات المشروعة للأفعال الاجتماعیة(3)، ومن ثم فهی تُعد بمثابة أطر عامة حاکمة لسلوک الأفراد تحثهم على بعض الممارسات وتصدهم عن أخرى".

ویشیر "لیلة"(4) إلى "القیم الاجتماعیة" على أنها: "مجموعة من الرموز المنظمة للتفاعل الاجتماعی للمجتمع"؛ فکلمات مثل: الشرف، الأمانة، الصدق، کلها تشکل رمزًا، أو قیمة معینة نحترمها، وتوجه سلوکیاتنا فی الواقع الاجتماعی بصورة أساسیة، وعادة ما تتواجد القیم الاجتماعیة بثلاثة أشکال فی المجتمع؛

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) اعتماد علام: "اختلالات منظومة القیم فی عالمنا المعاصر: رؤیة تحلیلیة"، (فی): "القیم فی عالم متغیر"، (تحریر): على عبد الرازق إبراهیم ومحمود مصطفى کمال، الندوة العلمیة السنویة الثانیة، قسم علم الاجتماع، کلیة الآداب، جامعة المنیا، 2013، ص 20.

(2) أحمد زاید وآخرون: "الأطر الثقافیة الحاکمة لسلوک المصریین واختیاراتهم: دراسة لقیم النزاهة والشفافیة والفساد"، (تقدیم): أحمد درویش، مرکز البحوث والدراسات الاجتماعیة، کلیة الآداب، جامعة القاهرة، 2013، ص 16.

(3) أحمد زاید وآخرون: "قیم التنمیة"، مرکز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، مجلس الوزراء، القاهرة، 2010، ص 10.

(4) على لیلة: "تفعیل القیم فی بحث اجتماعی"، (فی): "القیم فی الظاهرة الاجتماعیة"، (تحریر): نادیة محمود مصطفى وآخرون، أعمال الدورة المنهجیة فی کیفیة تفعیل القیم فی البحوث والدراسات الاجتماعیة، کلیة الاقتصاد والعلوم السیاسیة، جامعة القاهرة، (6) : (11) فبرایر، 2010، دار التبشیر للثقافة والعلوم، القاهرة، 2012، ص ص 329-330.

الشکل الأول، هو الرموز التی یغترف بها المجتمع على أنها قیمه الأساسیة، فنجد فی المجتمع الإسلامی مجموعة من القیم یؤکد علیها الأفراد فی هذا المجتمع، وبالمثل فی المجتمع الاشتراکی – سابقًا - کانت هناک مجموعة من القیم الأساسیة التی یؤکد علیها الأفراد فی المجتمع، کذلک المجتمع اللیبرالی، الرأسمالی أیضًا لدیه منظومته القیمیة. إذن، کل مجتمع لدیه مجموعة من القیم، ومجموعة من الرموز فی الفضاء العام یراعیها الأفراد دائمًا وهم یأتون سلوکیاتهم الاجتماعیة فی مختلف المجالات؛ فالأمانة من الممکن أن تکون فی الأسرة، ومن الممکن أن تکون فی الاقتصاد، ومن الممکن أن تکون فی التعلیم؛

أما الشکل الثانی، الذی تتواجد به القیم هو أنها تتحول إلى مجموعة من الأعراف، والتقالید، والعادات التی تنظم التفاعل الاجتماعی للبشر؛ أی أنها کانت رموزاً ثم هبطت إلى الواقع الاجتماعی فتحولت إلى تقالید، وأعراف، ومعاییر تنظم واقع المجتمع بصورة أساسیة؛

أما الشکل الثالث، فهو أنها تتواجد داخل الشخصیة، وتشکل الضمیر الداخلی. وبالتالی فمنظومة القیم تضبط الإنسان من خلال ثلاثة أبعاد أساسیة؛ البعد الأول، هو أنها موجودة کرموز فی فضاء المجتمع، والبعد الثانی، هو أنها تحولت إلى معاییر، وتقالید تنظم التفاعل الاجتماعی، البعد الثالث، هی أنها تشکل الضمیر الداخلی للإنسان؛ لأنه یستوعبها من خلال عملیة التنشئة الاجتماعیة، وکأن القیم تحکم الإنسان من داخله، ومن خارجه فی نفس الوقت.

وتعرفها "الدیب"(1) على أنها: "مجموعة من المفاهیم الجوهریة، التی تمس العلاقات الإنسانیة بکافة صورها، وذلک لأنها ضرورة للمجتمع، إذ تمثل بذاتها معاییر وأهداف یجب وجودها فی کل مجتمع أیًا کانت درجة تنظیمه، أو تقدمه".

ویشیر هذا التعریف إلى أن البعض یمکن أن یتعامل مع القیم الاجتماعیة على اعتبار أنها اتجاهات تقویمیة، وهذه الاتجاهات تدل على میل سلوکی یتمیز بشعور سار أو مؤلم، فی حین أن القیم تمثل الأمور التی تتجه نحوها رغباتنا، واتجاهاتنا(2).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) انظر: أمیرة الدیب: "أسس بناء القیم الخلقیة فی مرحلة الطفولة"، الهیئة المصریة العامة للکتاب، القاهرة، 2002، ص ص 15-20.

(2) انظر: عطیة محمود هنا: "القیم دراسة تجریبیة مقارنة"، دار المعارف، القاهرة، 1995، ص ص 3-5.

ویشیر مفهوم القیم الاجتماعیة عند "حجازی"(1) "إلى کل صفة ذات أهمیة، لاعتبارات اجتماعیة، أو أخلاقیة، أو نفسیة، أو جمالیة"، فالقیم الاجتماعیة عبارة عن تصور عام مجرد للسلوک، یشعر أعضاء الجماعة الاجتماعیة نحوه بارتباط انفعالی شدید، ویتیح لهم مستوى للحکم على الأفعال، والأهداف الخاصة، وتتصف القیم بصفة الجماعیة فی التبنی، وتمثل الموجهات العامة للسلوک. و"القیم" بهذا المعنى تُعد من أهم الوسائل، أو المعاییر التی یلجأ إلیها الفرد، للحکم على الکثیر من أمور الحیاة، والعمل على اتخاذ موقف حیالها؛ حیث إن القیم الاجتماعیة تمکن الفرد من تحدید ما هو صالح، وما هو طالح، وما هو خیر، وما هو شر(2).

وبالرغم من وجود اختلافات بین التعریفات المختلفة للقیم من وجهة النظر الاجتماعیة، إلا أن هناک إجماعًا عامًا بین العلماء على أن القیم الاجتماعیة تؤثر فی سلوکیات البشر، ویؤکد هذا تعریف "هیلتون Hilton" (2003)، والذی یرى فیه أن القیم بمثابة تجریدات، أو تصورات لعملیات الوعی، والإدراک الاجتماعی، التی تعکس أهم أسالیب تکیف الأفراد مع بیئاتهم(3).

 

  • ·                     مفهوم القیم السیاسیة :

إذا کانت "القیم الاجتماعیة" تتضمن تشوقًا إلی ما هو أفضل، وتحتوی على معاییر کلیة توجه السلوک، ویعد الخروج عنها انحرافًا عن مبادئ الجماعة، فإن "القیم السیاسیة" جزء أساسی ورئیسى من الثقافة السائدة فی المجتمع، کما أنها تشکل الثقافة السیاسیة للمجتمع، وتعتبر المحرک الرئیس لها خلال جمیع فترات النمو والتحول نحو الغایات السیاسیة المطلوبة والمأمولة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أحمد مجدی حجازی وآخرون، مرجع سابق، ص ص 4-5.

(2) محمد أمین عبد الصمد: "القیم فی الأمثال الشعبیة بین مصر ولیبیا فی مجتمعی البیضاء اللیبی والغرق المصری: دراسة مقارنة فی الأنثروبولوجیا الثقافیة"، الهیئة المصریة العامة للکتاب، القاهرة، 2014، ص 32.

(3) David J. Fritzsche and Effy OZ: "Personal ValuesInfluence on the Ethical Dimension of Decision Making", Journal of Business Ethics,  Vol. 75, No. 1, 2007, p. 336.

ویقترح "بیری" Perry تعریفًا للقیم السیاسیة یربطها بالاهتمام، ویقدم تعریفه على النحو الآتی: "أی شیء له قیمة، أو یُعد قیمًا فی المعنى الأصلی الجوهری الجامع حین یکون موضوع اهتمام ما"؛ أی أن القیم السیاسیة تعرف بالاهتمام(1)، ویتوقف معناها على معنى الاهتمام، وکلما زاد الاهتمام زادت القیمة السیاسیة، فأی موضوع أیًا کان یکتسب قیمة عندما یستوعب اهتمامًا ما، أیًا کان هذا الاهتمام، ویمکن صیاغة ذلک فی شکل معادلة ریاضیة على النحو التالی: (س قیمة = هناک اهتمام بـ س)(2). ویستشف "العوا" عبر العدید من المعطیات الدلالیة على مصطلح "قیمة سیاسیة"، فیقول: "إن هذا اللفظ یدل على صفة (ما یقدره المرء)، تقدیرًا یزید أو ینقص (قیمة ذاتیة)، أو یدل على (ما یستحق التقدیر) یزید أو ینقص (قیمة موضوعیة)، فبعبارة أعم: القیمة السیاسیة هی الوجود من حیث کونه مرغوبًا به، أو موضوع رغبة ممکنة"(3). ویقدم" جاکوب"(4) Jacoby تعریفًا مشابهًا؛ حیث یشیر إلى أن "القیم السیاسیة" مفاهیم مجردة وعامه ترتبط بکل ما هو مرغوب أو غیر مرغوب فیه فی المجتمع، والتی توفر لأفراد المجتمع معاییر تقیمیة عامة فی کل ما هو مرتبط بالحیاة السیاسیة فی المجتمع".

ویربط "عبد الفتاح" "القیم السیاسیة" أیضًا بالاهتمام على غرار "بیری" Perry، ولکن بشکل أکثر عمقًا فیعرفها على أنها: "اهتمام الفرد ومیله للحصول على القوه، بهدف السیطرة أو التحکم فی الأشیاء فی مختلف نواحی الحیاة"، فهی من وجهة نظره بمثابة مثالیات سیاسیة تغلف الإطار الفکری للإنسان ککائن سیاسی یسعی للسلطة، ویتعامل مع غیره من الناس على قدم المساواة(5).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أحمد عبد الحلیم عطیة: "القیم فی الواقعیة الجدیدة"، دار الثقافة العربیة، القاهرة، 2008، ص137.

(2) Ralph Barton Perry: "General Theory of Value: Its Meaning and Basic Principles Construed in Terms of Interest", HarvardUniversityPress, USA, 1950, p. 116.

(3) عادل العوا: "العُمدة فی فلسفة القیم"، دار طلاس، دمشق، 1986، ص ص 271-272.

(4) William G. Jacoby: "Value Choices and American Public Opinion", American Journal of Political Science, Vol. (50), No. (3), 2006, P 706.

(5) إسماعیل عبد الفتاح: "القیم السیاسیة فی الإسلام"، الدار الثقافیة، القاهرة، 2001، ص 32، ص 34.

وتشیر "الیزابیث"(1) Elizabeth إلی أن القیم الاجتماعیة السیاسیة Socio-Political Values هی "تلک القیم المدعومة اجتماعیًا التی تحکم التصرف نحو السلوک السیاسی، وهی لیست استعدادات داخلیة، بل هی نتیجة للتأثیر الاجتماعی، وانعکاسات للسیاقات الاجتماعیة للأفراد"، مشیرة بذلک إلى أن "القیم الاجتماعیة السیاسیة" مجموعة القیم النابعة من تأثر الفرد بالسیاق المجتمعی المحیط به، والتی تحرکه نحو سلوک ما، وتدفعه نحو العمل بطریقة معینة، ویتخذها مرجع له فی الحکم بأن سلوکه مرغوب، أو غیر مرغوب فیه من قبل الجماعة أو المجتمع.

ویربط "تینیشبایفا"(2) Tynyshbayeva "القیم الاجتماعیة السیاسیة" بشکل رئیس بـ "القیم الاجتماعیة"، فیشیر إلیها على أنها "توجهات قیمیة لدى الأفراد، تتسلسل فیها القیم الاجتماعیة تسلسلاً هرمیًا، والذی یتکون من عدد من الأهداف الرئیسة التی تحدد جوهر التوجه الحیاتی، کالعدالة والحریة وتکافؤ الفرص، وتکون هذه التوجهات بالنسبة للفرد بمثابة علامة على المکانة والاحترام". ویذهب "لافریتش" Lavrič فی تعریفه "للقیم الاجتماعیة السیاسیة" إلى تحدید الاشتراطات المجتمعیة الواجب توافرها فی المجتمع، والتی ینعکس عدم تواجدها على التوجهات السلوکیة للأفراد نحو القیم الاجتماعیة السیاسیة، فتکون قیماً مثل الحریة أو الدیمقراطیة أقل أهمیة إلى حد کبیر بالنسبة لهم(3)، فیعرفها على أنها "توجهات سیاسیة عامة موجهة للسلوک یتأثر بها الأفراد عندما یسلکون على نحو معین، ترتبط أشد الارتباط بالضمان الاجتماعی Social Security، والأمن الاقتصادی Economic Welfare and Securityفی المجتمع، وبفکرة دولة الرفاهیة القویة A Strong Welfare State"(4).

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) Elizabeth C. Connors: "The Social Dimension of Political Values", Political Behavior,  Jan, 2019, p1. Avalable at: https://doi.org/10.1007/s11109-019-09530-3. Accessed on: 6-6-2020.

(2) Ane Tynyshbayeva: "Socio-Political Value Orientations of Kazakhstani Citizens: Contents and Possibilities of Realization of Social Support for Children", Social and Behavioral Sciences, Vol. 82, No. 1, 2013, p. 550.

(3)  Miran Lavrič: "Socio-Political values and attitudes", (In): "Youth Studies Southeast Europe 2018/2019", The Friedrich Ebert Stiftung (FES), Berlin, 2019, p. 47.

(4) Ibid, p. 108.

ویُقصد "بالقیم الاجتماعیة السیاسیة" فی الورقة البحثیة الراهنة "مجموعة من الاتجاهات المعیاریة لدى الفرد فی المواقف الاجتماعیة، فتحدد له أهدافه العامة فی الحیاة، وتتضح من خلال سلوکه العملی أو اللفظی، ویکون هذا السلوک نابعًا من تأثر الفرد بالسیاق الاجتماعی المحیط به". وقد تم تحدید تلک القیم فی الورقة البحثیة الحالیة فی کل من "قیمة حریة الرأی والتعبیر"، "قیمة التعددیة"، "قیمة الحوار".

 

ب- خصائص القیم الاجتماعیة السیاسیة :

من العرض السابق لمفاهیم القیم الاجتماعیة، والقیم السیاسیة، یتضح أن خصائص القیم الاجتماعیة السیاسیة یمکن إیجازها فیما یلی(1):

  • القیم الاجتماعیة السیاسیة هی أحکام عامة تحتوی على معاییر کلیة توجه السلوک، ویُعد الخروج عنها انحرافًا عن مبادئ الجماعة (المجتمع)، ومثلها العلیا.
  • ترتقی القیم الاجتماعیة السیاسیة، أو تختفی، أو تتبدل، أو یدخل علیها تعدیلات وفقًا لظروف موضوعیة، وذاتیة، عالمیة، ومحلیة (کثافة التفاعل مع الخارج والأحداث المحلیة).
  • الاتفاق على منظومة من القیم الاجتماعیة السیاسیة الإیجابیة والمعاییر الأخلاقیة یشکل دعمًا للاستقرار، والأمن المجتمعی.
  • بالرغم من تباین الرؤى بین العلماء حول ماهیة القیم بعامة - وفقًا لتخصصاتهم - والقیم الاجتماعیة السیاسیة بخاصة، إلا أنهم یتفقون على أنها لا تخرج عن نوعین: الأول یشیر إلى "قیم غائیة" تتمثل فی الحریة، والمساواة، والعدالة ... ویعبر الثانی عن "قیم وسیلیة" مثل التفاعل، والطموح، وضبط النفس ... وهما نوعان ینطویان على قیم روحیة، وفکریة، وحیویة.
  • تمر منظومة القیم الاجتماعیة السیاسیة لکل مجتمع بتحولات، وتغیرات من حقبة تاریخیة إلى أخرى نتیجة تفاعل معطیات موضوعیة وذاتیة، وعوامل تجمع بین المحلیة، والإقلیمیة، والعالمیة، ولا یعنی ذلک أن هذه التطورات، والتغیرات تکون بالضرورة للأفضل، وتتوافق هذه التحولات، والتغیرات مع مراحل تطور المجتمع ذاته، وأنماط إنتاجه، وترکیبة علاقاته الاجتماعیة، ومدى وعیه الاجتماعی، وهیکل السلطة، وکذا الإطار المؤسسی الذی ینظم کافة تلک المجالات.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع: أحمد مجدی حجازی وآخرون، مرجع سابق، ص 6.

المحور الثالث

 

الإطار التحلیلی للورقة البحثیة

 

یمثل هذا المبحث الجزء التحلیلی للورقة البحثیة الراهنة، وینقسم إلى قسمین أساسیین، الأول، یستعرض بعض التأثیرات الاجتماعیة السیاسیة التی أحدثها الإعلام الجدید فی الوطن العربی، خاصة بعد أحداث عام (2011)، فی حین یقدم القسم الثانی تصورات الباحث لتأثیر الإعلام الجدید على بعض القیم الاجتماعیة السیاسیة التی تم استنطاقها من بعض الأدبیات التی سبقت وأن حددتها الورقة البحثیة فی إطارها المنهجی، ویمکن تناول ذلک على النحو الآتی :

 

1)     التأثیرات الاجتماعیة السیاسیة للإعلام الجدید فی الوطن العربی :

لا شک أن ظهور "الإعلام الجدید" الذی بدأ فی الانتشار فی عقد التسعینیات من القرن العشرین أثر بشکل کبیر على سیاسات، ومضامین الاتصال فی الوطن العربی، ویدور حوله الیوم نقاشات کبیرة، ومستمرة؛ تتعلق بأشکالها، ومستویات انتشارها وتأثیرها، والتوقعات المستقبلیة الخاصة بها؛ فتقلیدیًا کان العمل الإعلامی الإلیکترونی – إذاعة وتلیفزیون - والاستثمار فیه فی العالم العربی مشروعًا سیاسیًا من اختصاص الحکومات، والمؤسسات الرسمیة، لکن تلک المؤسسات الرسمیة واجهت فی تسعینیات القرن العشرین منافسین، ومستثمرین جددًا تأثروا بمفاهیم صناعة الإعلام، والقریة العالمیة، وأرادوا کسر احتکار الحکومات للاستثمار فی هذا المجال، واتجه هؤلاء المنافسون الجدد إلى القنوات الفضائیة، واتخذ معظمهم من عواصم أوروبا مراکز للبث، معتمدین فی ذلک على مرجعیة تاریخیة تتمثل فی هجرة الصحافة العربیة، أو نشأة العدید منها فی أوروبا، وغیرها منذ القرن التاسع عشر، وبشکل لم تحسب له مؤسسات الإعلام الرسمیة العربیة حسابًا، إذ نجح أولئک المنافسون فی لفت أنظار المشاهد العربی، وشیئًا فشیئًا فقدت أغلب مؤسسات الإعلام الرسمیة جمهورها لصالح قنوات تلیفزیونیة عربیة، وغیر عربیة خاصة من خارج الوطن العربی، أو حتى من داخله، وعندما بدأ الاستخدام الجماهیری للشبکات العالمیة للمعلومات ینتشر فی الوطن العربی فی تسعینیات القرن العشرین واجهت المؤسسات الرسمیة تحدیًا جدیدًا تمثل هذه المرة فی وسیلة إعلام عالمیة وعابرة للحدود، وفردیة، وشخصیة من حیث الاهتمام والتحکم، فتقلصت سلطة المؤسسة الرسمیة فی الرقابة على المضمون، وتعددت مصادر المعلومات التی یمکن للجماهیر أن تنهل منها، وتقدمها، وتحول الأفراد العادیون إلى مرسلین، ومستقبلین بعد أن کانوا مستقبلین فقط، بل مستقبلین سلبیین فی کثیر من الأحیان(1).

 

لقد أدى کسر احتکار امتلاک الحکومات العربیة لوسائل الإعلام الإلیکترونیة (إذاعة وتلیفزیون) لمدة طویلة من الزمن، ودخول وسیلة اتصالیة عابرة للحدود، والقارات هی الشبکة العالمیة للمعلومات إلى العدید من التغییرات الاجتماعیة السیاسیة أبرزها(2):

أ‌-         تعزیز حضور القوى، والاتجاهات، والأصوات المعارضة للتوجهات الحکومیة الرسمیة فی الدول العربیة.

ب‌-     حث، وتشجیع الجماهیر على تقدیم آرائهم، وتصوراتهم النقدیة للممارسات الحکومیة الرسمیة فی الدول العربیة، وتوفیر منابر جماهیریة للآراء، والتوجهات المعارضة.

ج‌-      دعم توفیر المعلومات، والتقاریر التی کانت الحکومات العربیة تتحکم فی نشرها، وتوفیرها عن القضایا، والمواقف السیاسیة الداخلیة منها والخارجیة، وتنشط فی هذا المجال المؤسسات الدولیة المتعددة المجالات، والاتجاهات لتقدم الکثیر من التقاریر الدوریة عن حقوق الإنسان، وحریة التعبیر، ووسائل الإعلام، والأداء السیاسی، الخ. کما بدأت مؤسسات المجتمع المدنی المحلیة فی معظم بلدان الوطن العربی بإعداد وتوفیر تقاریر مشابهة لتلک التی تقدمها المؤسسات الدولیة، وتوفرها على الشبکة العالمیة للمعلومات بشکل غیر مسبوق قبل هذه المرحلة.

 

وفی سیاق الحدیث عن التغییرات الاجتماعیة السیاسیة التی أحدثها الإعلام الجدید فقد تجلت صورة التغییرات الاجتماعیة السیاسیة التی أحدثها الإعلام الجدید فی الوطن العربی فی أحداث ما سُمی بـ "الربیع العربی" التی اجتاحت الوطن العربی، حیث تشیر الکثیر من الدراسات(3)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) عبدالله بن خمیس الکندی، مرجع سابق، ص 281.

(2) المرجع سابق، ص 282.

(3) أنظر على سبیل المثال : محمد شرف محمد هاشم: "دور الإعلام فی التغییر فی العالم العربی: دراسة تحلیلیة"، دراسات، العلوم الإنسانیة والاجتماعیة، المجلد (٤٥)، العدد (٢)، ٢٠١٨.

 

إلى أن وسائل الإعلام الجدید لعبت دورًا محوریًا فی تحریک الأحداث من خلال دعوة الجماهیر إلى التجمهر، واتخاذ مواقف معینة، ونشر الکثیر من المعلومات والصور المرتبطة بتطورات الأحداث فی تلک الفترة، الأمر الذی کان بمثابة محددات لسلوک الأفراد وأفعالهم، وکان بمثابة تحولات مجتمعیة (إیجابیة وسلبیة) ألقت بظلالها على منظومة القیم.

 

2)       الإعلام الجدید وتأثیره على بعض القیم الاجتماعیة السیاسیة فی الوطن العربی:

سبق وأن تم تحدید القیم الاجتماعیة السیاسیة للورقة البحثیة الحالیة فی قیم : "حریة الرأی والتعبیر"، "قیمة التعددیة"، "قیمة الحوار"، وهی القیم التی تم استنطاقها من بعض أدبیات التراث البحثی والنظری کما أشرنا فی الإطار المنهجی. وفیما یلی سنتناول دور الإعلام الجدید فی التأثیر على هذه القیم، سواء کان بالتأکید علیها لدرجة الترسیخ – على حسب تعبیر إحدى الدراسات - أو بتهمیشها. ویمکن توضیح ذلک على النحو الآتی: 

 

أ-       قیمة حریة الرأی والتعبیر کقیمة اجتماعیة سیاسیة:

یشیر "معجم المصطلحات السیاسیة"(1) إلى أن "حریة الرأی والتعبیر" یُقصد بها حق الإنسان فی أن یتبنى - فی أی مجال - موقفًا فکریًا بحسب اختیاره، وأن یُعَبِّر عنه بالقول أو الکتابة أو غیرهما وفقاً للشروط والأوضاع التی یبینها القانون. وتُعد حریة الرأی والتعبیر من الحقوق، والحریات الأساسیة التی تحتمها طبیعة النظم الدیمقراطیة، وهی رکیزة لکل حکم دیمقراطی سلیم، باعتبارها حجر الزاویة الذی لا غنی عنه فی تعریف المواطنین والرأی العام بکل ما یشهده المجتمع من أحداث وتطورات، ولإتاحة الفرص للجمیع للمساهمة بالرأی والقول فی هذا الشأن، حیث تنطوی حریة الرأی والتعبیر على حقین متکاملین هما حریة الرأی، والثانیة حریة التعبیر عنه، ولا یمکن الفصل بینهما أو ممارسة إحداهما دون الأخرى؛ فحریة التعبیر هی انعکاسً لحریة الرأی، وبموجبها ینتقل الفرد من مرحلة اعتناق الرأی إلى مرحلة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) معهد البحرین للتنمیة السیاسیة : "معجم المصطلحات السیاسیة"، سلسلة کتب، البحرین، 2014، ص 34.

التعبیر عن محتواه، ونقله إلى الآخرین فی مظهر مادی خارجی بأیة وسیلة من وسائل العلانیة بعد أن کانت مجرد فکرة حبیسة، أو کامنة فی الصدور(1).

ولقد فرض الإعلام الجدید حریة الرأی والتعبیر کقیمة اجتماعیة سیاسیة بمعاییر ومنطلقات جدیدة، تجعل الفرد العادی قادرًا على القیام بمراقبة أداء المؤسسات داخل الدولة الواحدة، فغیّر عالمنا، وأضاف طابعًا دیمقراطیٍّا للتعبیر عن الآراء، والتواصل مع آخرین حول العالم مع احتفاظهم بهویاتهم الشخصیة سرًا، ووسع – للغایة - مدى انتشار أیة رسالة، وأطلع الناس على أفکار جدیدة، وطرق جدیدة للتفاعل معًا؛ سواء عن طریق البرید الإلکترونی، أو المدونات، أو النشرات الصوتیة، أو النشرات المرئیة، أو غرف المحادثة، أو عن طریق شخصیات افتراضیة(2)، وغیرها من وسائل الإعلام الجدید. وعلى الرغم أن حریة الرأی والتعبیر قیمة حضاریة أصیلة فی المجتمعات الإنسانیة، إلا أن الإعلام الجدید یفرضه الیوم کوسیلة ضغط، وتغییر سیاسی، کما أن استهداف المناضلین لأجل حریة الرأی والتعبیر کقیمة اجتماعیة سیاسیة، لم یعد أمرًا یسیرًا کما کان فی بعض الدول العربیة قبل ظهور الإعلام الجدید؛ حیث تنتشر المراصد الدولیة، والإقلیمیة، وتقدم منظمات المجتمع المدنی الکثیر من التقاریر الدوریة، أو تلک المرتبطة بحالات فردیة، أو جماعیة محددة التی تجعل من استهداف حریة الرأی والتعبیر، والمناضلین لأجلها أمراً فی غایة الصعوبة، ویکفی فقط التذکیر بالتقاریر لمجموعة من المنظمات الدولیة مثل منظمة بیت الحریة  Freedom Houseومنظمة مراسلون بلا حدود، والإتحاد الدولی لحمایة الصحفیین، والمنظمة العربیة لحریة الصحافة، ومنظمة الیونسکو، واللجنة الدولیة للدفاع عن الصحفیین، وغیرها من المنظمات التی تتابع انتهاکات حریة الرأی والتعبیر بشکل عام، وحریة وسائل الإعلام بشکل خاص، وتصدر عنها تقاریر دوریة تتوافر على الشبکة العالمیة للمعلومات(3).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) عماد الفقی وآخرون: "دراسة حول حریة الرأی والتعبیر فی مصر : القیم والالتزامات والممارسات"، (تقدیم): محسن عوض، المنظمة العربیة لحقوق الإنسان، القاهرة، 2017، ص 4.

(2) نایجل ووربیرتن: "حریة التعبیر: مقدمة قصیرة جدًا"، (ترجمة) : زینب عاطف، (مراجعة): شیماء عبد الحکیم، مؤسسة هنداوی للتعلیم والثقافة، القاهرة، 2013، ص 79.

(3) عبدالله بن خمیس الکندی، مرجع سابق، ص 287.

وقد ساعد الإنترنت کوسیلة إعلامیة جدیدة على انتشار هذا النوع من التقاریر عن حریة الرأی والتعبیر، وما رافقه من ظهور أدوات تطبیقات جدیدة تتیح فرصًا هائلة بکلفة قلیلة، أو بدون تکلفة على الإطلاق للاتصال، والتواصل بین الأفراد، وخلقت فضاءات جدیدة لممارسة حریة الرأی والتعبیر، الأمر الذی ضاعف من مستوى حضور قضیة حریة الرأی والتعبیر فی العالم بعامةً والوطن العربی بشکل خاص، حتى أصبحت هذه القیمة العنوان الأبرز، والاهم فی الخطابات السیاسیة، والاجتماعیة، والثقافیة کقیمة اجتماعیة سیاسیة معاصرة.

 

ب-     قیمة التعدّدیة کقیمة اجتماعیة سیاسیة:

یذهب "معجم مصطلحات العلوم الاجتماعیة" إلى أن "التعدّدیة" تعنی: "تعدد أشکال الروح الاجتماعیة فی نطاق کل جماعة، وتعدد الجماعات داخل المجتمع وتعدد الجماعات نفسها(1)"، فی حین یشیر "قاموس المصطلحات السیاسیة" إلى أن "التعدّدیة" هی خاصیة المجتمعات التی تقبل بوجود وترک المجال الحر للعبة القوى، والأفکار السیاسیة، والاقتصادیة، والاجتماعیة، والدینیة مهما کانت، فالتعدّدیة من وجهة نظر النظم السیاسیة تظهر فی ثلاثة مستویات : تعدّدیة إیدیولوجیة (حریة الرأی والتعبیر وغیاب العقیدة الرسمیة)، وتعدّدیة الأجهزة (احترام مبدأ فصل السلطات ولعبة التوازن فیما بینها)، وتعدّدیة سیاسیة (وجود أکثریة ومعارضة، وغیاب مبدأ الحزب الوحید)(2)، الأمر الذی یشیر إلى أن "التعدّدیة" تنوع مؤسس على تمیز وخصوصیة(3). وتفترض "التعدّدیة" بهذه المعانی الاعتراف بحقوق الإنسان فی المجتمع وبکرامته وبرسالته مثلما تفترض الإقرار بواجباته ومسؤولیاته، وعلى ذلک تعتبر التعددیة أحد شروط الممارسة الدیمقراطیة(4).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أحمد زکی بدوی: "معجم مصطلحات العلوم الاجتماعیة"، مکتبة لبنان، بیروت، 1982، ص 317.

(2) أحمد سعیفان: "قاموس المصطلحات السیاسیة والدستوریة والدولیة"، مکتبة لبنان، بیروت، 2004، ص ص 95-96.

(3) محمد عمارة : "التعددیة : الرؤیة الإسلامیة والتحدیات الغربیة"، نهضة مصر، القاهرة، 1997، ص 3.

(4) عبد الرازق غزال ووفاء بورحلی: "تکریس التعددیة الإعلامیة عبر تحقیق التنوع الثقافی فی وسائل الإعلام الرقمیة: الملامح، المقومات والعوائق"، مجلة الباحث الإعلامی، مجلد (١١)، العدد (٤٦)، ٢٠١٩، ص ١١٩.

و"التعدّدیة" التی نقصدها فی هذه الورقة البحثیة التنوّع فی وجهات النظر والمواقف حول نهج أو فکرة معیّنة.

وإذا کانت وسائل الإعلام الجدید قد أسهمت فی جعل العالم قریة واحدة؛ إذ ربطت الأشخاص ببعضهم البعض، وألغت القیود الجغرافیة المکانیة، وحتى الزمانیة، حتى أنها أضافت میزات مهمة: کالتفاعلیة، والتشارکیة، وفتحت المجال لظهور ممارسات إعلامیة، واتصالیة جدیدة، فإن هذا قد أدى إلى فتح آفاق جدیدة للاتصال الجماهیری وأثر بشکل، أو بآخر فی معالم الممارسة، مخرجاتها وانعکاساتها على الفرد والمجتمع، ففی حین ظهرت العدید من المصطلحات، والمفاهیم على شاکلة العولمة، والغزو الثقافی، والأحادیة الثقافیة قابلتها مفاهیم أخرى کالتعددیة الثقافیة والتنوع الثقافی، الأمر الذی فرض قیمة "التعدّدیة" کقیمة اجتماعیة سیاسیة، بل ورسخها أیضًا کقیمة ثقافیة. وتقضى "التعدّدیة" وجود التنوع فی الآراء والأفکار المعروضة فی المجتمع، وتقتضی ضرورة تمثیل الثقافات المختلفة کلها عبر عددٍ من منابر التعبیر، هذه المنابر وفّرها – وعلى نطاق واسع – الإعلام الجدید، ووسائله المختلفة کالصحافة الإلکترونیة، ومنتدیات الحوار، والمدونات، والمواقع الشخصیة والمؤسسات التجاریة، ومواقع الشبکات الاجتماعیة، ومقاطع الفیدیو، والإذاعات الرقمیة، وشبکات المجتمع الافتراضیة، والمجموعات البریدیة، بالإضافة إلى الهواتف الجوالة التی تنقل الإذاعات الرقمیة، والبث التلیفزیونی التفاعلی ... وغیرها.

ولا شک أن هذه الوسائل أصبحت لدیها القدرة على الوصول إلى أکبر عدد من المعلومات على اختلاف مجالاتها ومصادرها، وإلى أکبر عدد من الجمهور على اختلاف اعتقاداتهم، وتواجدهم جغرافیا، ووفرت مساحات مناسبة للتعبیر عن قیم، وآراء، ومواقف متباینة، ومتنوعة فتعدت المحلیة إلى الوطنیة والإقلیمیة إلى العالمیة، الأمر الذی جعل من "التعددیة" قیمة اجتماعیة سیاسیة بل وثقافیة معاصرة.

وکما أصبحت حریة التعبیر قیمةً اجتماعیة سیاسیة تخضع لمراقبة، ورصد المؤسسات، والهیئات المحلیة، والإقلیمیة، والدولیة، فإن "التعدّدیة"، أصبحت هی الأخرى من القیم الاجتماعیة السیاسیة التی تسعى ذات المؤسسات إلى حمایتها، وتأکیدها، ومخالفة المقصرین فی تحقیقها، والقیمتان – الحریة والتعددیة - مترابطتان الیوم بشکل غیر مسبوق فی الدراسات العلمیة، والتقاریر الدولیة المعنیة بوسائل التعبیر عامة، ووسائل الإعلام – قدیمها وجدیدها - بشکل عام؛ فالتعدّدیة عنصر أساسی لقیاس مستوى حریة التعبیر، أو وسائل الإعلام فی هذا البلد، أو ذاک(1).

ویؤکد الباحث أن "التعدّدیة" التی رسخها الإعلام الجدید فی الوطن العربی ارتبطت بزیادة أعداد وسائل الإعلام، وسهولة الوصول إلیها أکثر من ارتباطها بالتعددیة الفکریة، أو السیاسیة؛ فأعداد القنوات الفضائیة تنمو بشکل مضطرد، ووصل عددها حسب بعض الإحصائیات إلى ما یزید على (1122) قناة تلیفزیونیة فضائیة، کما أن أعداد مستخدمی الإنترنت فی الدول العربیة فی تزاید مستمر، وحققت أرقاماً قیاسیة فی معدلات نمو أعدادهم – أنظر جدولی (1) و(2) - هذا بجانب التحدیث والتجدید المستمر للوسائل والوسائط الجدیدة التی یسهل معها التفاعلیة فی المواقف، والتعبیر عنها بمنتهى السهولة.

 

ج-      قیمة الحوار کقیمة اجتماعیة سیاسیة :

یشیر "قاموس المصطلحات السیاسیة" إلى أن "الحوار" کلمة تستعمل للدلالة على نموذج المفاوضات الأقل شکلیة من المفاوضات الدبلوماسیة بالمعنى الدقیق، والذی یتمیز بالمرونة فی التنظیم وسیر العمل، ویهدف "الحوار" إلى المعرفة الفضلى، والتقییم الأکثر صحة للفرقاء المشارکین ولمسائلهم أکثر منه إلى الوصول لنتیجة محددة ، مثلاً حوار الشمالی/ الجنوبی، حوار الأوربی/ العربی/ الأفریقی(2) أمّا الحوار فی الاصطلاح اللغویّ فهو نشاط عقلیّ ولفظیّ یقدّم فیه المتحاورون الأدلّة، والحجج، والبراهین التی تبرّر وجهات نظرهم بحرّیّة تامّة من أجل الوصول إلى حلِّ لمشکلة، أو توضیح لقضیّة ما، ویکون الحوار بهذا المعنى مرادفًا للمحاجّة، والمناظرة، والمناقشة، والمباحثة والتعبیر(3).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) عبدالله بن خمیس الکندی، مرجع سابق، ص290.

(2) أحمد سعیفان، مرجع سابق، ص 169.

(3) إبراهیم الموسوی: "دور المؤسّسات الإعلامیّة فی تحفیز ثقافة الحوار"، جامعة المعارف، لبنان، 2019، متاح فی :

http://www.mu.edu.lb/conferences/dialogue-sessions. Accessed on : 2-6-2020.

 

وقد یرتبط الحوار بالمحاورة وهی المجاوبة، أو مراجعة النطق والکلام فی المخاطبة والتحاور والتجاوب؛ لذلک کان لا بدّ فی الحوار من وجود طرفین: متکلِّم، ومخاطب یتبادلان الدور؛ فحینًا یکون المتکلّم مرسلاً للکلام وحینًا مستقبلا له، أی یکون المتکلّم مخاطبًا حین یصمت لیسمع کلام نظیره، وهکذا یدور الکلام بین طرفین فی إطار حلقة تبادلیّة یکشف کلّ منهما عمّا لدیه من أفکار، فیتشکَّل جرّاء ذلک ما یمکن أن نسمّیه بالخطاب المشترک الذی تستولده القضیّة المتحاوَر بصددها. ‏فالحوار، بهذه المعانی هو : "تبادل أفکار بین فریقین أو أکثر فی إطار موضوع ما حول قضیّة ما بغیة الاتفاق على صیغة حل، أو اتّفاق، أو تسویة فی شأن القضیّة التی هی مدار الحوار".

ویرى البعض أنّ الحوار حاجة بحدّ ذاتها وضرورة للاجتماع البشریّ ولا بدّ أن یقوم الحوار بین مختلفین متعدّدین، فأمّا أن نؤمن بالحوار، وهذا یستبطن اعترافًا بالتعدّد والاختلاف، وإمّا نزعم بأنّنا متطابقون، فلا نکون بحاجة إلى الحوار. والاختلاف لیس حالة شاذّة، بل هو قاعدة تکوینیّة شاملة ومتحقّقة بداهة فی أیّ اجتماع إنسانیّ، وأنّ السعی إلى إلغائه بدعوى التوحّد والمطابقة، هو سعی عقیم ینمّ عن سوء تقدیر فی أحسن الأحوال(1).

من هذا المنطلق تشکّل وسائل الإعلام – بعامة - بوصفها وسائطً بین متحاورین، وهی إحدى محدّدات الحوار، من خلال تحدید قناة، وشکل وصیغة الحوار، سواء من خلال المنصّات التقلیدیّة لإنتاج البرامج الحواریّة، ونشرات الأخبار عن الأحداث، ومواقف الأطراف المتخاصمة، والمتصارعة حول قضایا، وملفّات، ومواقف محدّدة، من خلال البثّ عبر الشاشات أو الإذاعات. ویشار بالتحدید إلى برامج الکلام والحوار السیاسیّ والثقافّیTalk show ، وأیضًا على مستوى التحکّم بصناعة وتوجیه المحتوى، والمضمون الحواری، من خلال نوع الإعداد، والأسئلة، والإشکالات الموجّهة للمتحاورین، وتحدید الصفة التمثیلیّة عبر نوعیّة الضیوف (المتحاورین) والمؤثّرات الإعلامیّة، ومعظم هذه النوعیة من الوسائل وسائل إعلام تقلیدیّة تملکها الحکومات، أو الشرکات، أو طبقات النخب الاقتصادیّة والسیاسیّة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المرجع السابق.

وعلى النقیض من وسائل الإعلام التقلیدیّة التی تملکها الحکومات أو الشرکات أو طبقات النخب الاقتصادیّة والسیاسیّة، تقوم وسائل الإعلام الجدید على الانتشار الشعبی، وتوفیر المنصّات والوسائط بین یدی الجمهور قاطبة، ویقوم الدور الحواریّ على عملیّة صناعة التعبیر، والتفاعل، والتشارک، والاطّلاع، والتبادل، والحوار المفتوح، وغیر المنظّم، وهو یتّصف بحشد، وتجمیع عدد ضخم من المستخدمین، والمواطنین، وخاصّة من طبقة وفئة الشباب - الجیل الجدید- على منصّات إعلامیّة تواصلیّة واحدة مفتوحة للتفاعل، والحوار التشارکی، وتبادل الصور، والبیانات، والمعلومات وإبداء التعلیقات والآراء، والأفکار دون ظهور للشخصیّات والوجوه بالضرورة(1) – إعلام وتواصل بلا وجوه حسب تعبیر الخبراء.

 الأمر الذی یؤکد على نجاح الإعلام الجدید فی التأکید على أهمیة الحوار، ومشارکة الأفراد العادیین فیه من خلال البرامج الحواریة المنتشرة فی الفضائیات العربیة، ومن خلال مواقع الحوار و(الدردشة) التی تؤکد بعض الدراسات(2) أنها المواقع الأکثر انتشارًا فی الوطن العربی، وأن برامج الحوار بشکل عام، وبرامج الحوار المعتمدة على عرض وجهات النظر المضادة أصبحت ظاهرة مؤکدة فی الفضائیات العربیة المعاصرة. وهذا أمر فرضه الإعلام الجدید بوسائله المختلفة التی لم تکتفِ بفرض وعی کونّی مترابط ومتداخل، أصبحت معه فکرة الانغلاق على الذات الاجتماعیّة والقومیّة والوطنیّة أمرًا مستحیلاً، بل وفرضت أیضًا فرصًا هائلة وواسعة لتعزیز ثقافة الحوار.

 

الخاتمة :

مع التحولات المجتمعیة التی أعقبت الأحداث التی اجتاحت الوطن العربی منذ نهایة عام (2010)، وتواصلت طوال عام (2011)، شهدت معظم البلدان العربیة سیولة سیاسیة، وإعلامیة غیر مسبوقة فی التاریخ، واحتجاجات، ومظاهرات ... الخ، وکان للإعلام الجدید – تحدیدًا الفضائیات والانترنت - دورُ محوریُ فی تحریک هذه الأحداث، وکان نتیجة لذلک بروز "قیم" بعینها تأثرت بفعل تلک السیولة التکنولوجیة، والتی أعقبتها سیولة إعلامیة شهدتها

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) إبراهیم الموسوی، المرجع السابق.

(2) راجع: إتحاد إذاعات الدول العربیة: "البث الفضائی العربی: التقریر السنوی"، 2016.

الدول العربیة، سواء فی اتجاه واحد، أو اتجاهات متعددة، بدت هذه القیم سیاسیة من الدرجة الأولى غیر أنها استمدت طبیعتها من التحولات المجتمعیة التی أحدثها الربیع العربی، حتى أصبحت مزیجًا متداخلا من قیم اجتماعیة وسیاسیة.

وقد استهدفت الورقة التعرف على دور الإعلام الجدید فی التأثیر على بعض القیم الاجتماعیة السیاسیة، من خلال استنطاقها من بعض الأدبیات من التراث البحثی، التی عُنیت بقضیتی الإعلام والقیم، هذا بجانب توصیف واقع الإعلام الجدید – وتحدیدًا البث الفضائی والانترنت -فی الوطن العربی.

ولتحقیق تلک الأهداف استعرضت الورقة أهم أدبیات التراث البحثی السابقة المرتبطة بموضوعات الإعلام والقیم؛ لاستنطاق أهم القیم الاجتماعیة السیاسیة التی تناولتها، ومن ثم خضوعها للتحلیل النظری.

وقد تبین أن أهم القیم الاجتماعیة السیاسیة التی تم استنطاقها : "قیمة حریة الرأی والتعبیر"، "قیمة التعددیة"، "قیمة الحوار"، کما بیَّن توصیف واقع "البث الفضائی العربی" العدید من السمات، والخصائص العامة له، أهمها : سیطرة القطاع الخاص، سیطرة قنوات التسلیة والترفیه، نقص التشریعات القانونیة المنظمة للظاهرة الإعلامیة بشکلها الجدید، وتغلیب الجانب الشکلی والتقنی على جانب المحتوى، ولا شک أن هذه السمات تُعد بمثابة محددات لسلوک الأفراد، وأفعالهم، ومن ثم قیمهم.

کما تبین من خلال توصیف واقع "الانترنت" أنه على الرغم من نمو أعداد مستخدمی الإنترنت فی العالم العربی بشکلٍ ملحوظ، إلا أن الإحصائیات المتوافرة تشیر إلى وجود فجوة معلوماتیة بین الشمال، والجنوب تتأثر بفجوة ثقافیة، ومعرفیة، بین من ینتج المعارف، والمعلومات، والثقافات التی تقدمها وسائل الإعلام الجدید، وبین من یستهلکونها؛ هذه الفجوة المعرفیة تجعل الأفراد فی وطننا العربی مقلدین بدون وعی، أو بوعی زائف، تابعین، لا متبوعین، مما یکون له کبیر الأثر على سلوک الأفراد، وأفعالهم، ومن ثم أیضًا قیمهم.

وعن دور الإعلام الجدید فی التأثیر على بعض القیم الاجتماعیة السیاسیة، فقد تبین أن الإعلام الجدید قد فرض حریة الرأی والتعبیر کقیمة اجتماعیة سیاسیة بمعاییر، ومنطلقات جدیدة، تجعل الفرد العادی قادرًا على القیام بمراقبة أداء المؤسسات داخل الدولة الواحدة، فغیّر عالمنا، وأضاف طابعًا دیمقراطیٍّا للتعبیر عن الآراء، والتواصل مع آخرین حول العالم مع احتفاظهم بهویاتهم الشخصیة سرًا، ووسع للغایة مدى انتشار أیة رسالة، وأطلع الناس على أفکار جدیدة، وطرق جدیدة للتفاعل معًا؛ سواء عن طریق البرید الإلکترونی، أو المدونات، أو النشرات الصوتیة، أو النشرات المرئیة، أو غرف المحادثة، وغیرها من وسائل الإعلام الجدید.

کما تبین أن الإعلام الجدید الذی أسهم فی جعل العالم کله قریة واحدة، وربط الأشخاص ببعضهم البعض، وألغى القیود الجغرافیة المکانیة، وحتى الزمانیة، قد أضاف میزات مهمة: کالتفاعلیة، والتشارکیة، وفتح المجال لظهور ممارسات إعلامیة، واتصالیة جدیدة، مما فرض قیمة "التعدّدیة" کقیمة اجتماعیة سیاسیة.

ولما کانت وسائل الإعلام الجدید تقوم على الانتشار الشعبی، وتجمیع عدد ضخم من المستخدمین، والمواطنین، على منصّات إعلامیّة تواصلیّة واحدة مفتوحة للتفاعل، والحوار التشارکی، وإبداء التعلیقات، هذا بجانب مشارکة الأفراد من خلال البرامج الحواریة المنتشرة فی الفضائیات العربیة، ومن خلال مواقع الحوار و (الدردشة) على مواقع الانترنت، الأمر الذی فرض نجاح الإعلام الجدید فی التأکید على أهمیة قیمة الحوار کقیمة اجتماعیة سیاسیة.

وتقدم الورقة البحثیة مجموعة من التوصیات العملیة التی من الممکن أن تفید صانعى القرار فی استغلال القدرات التکنولوجیة للإعلام الجدید فی نشر القیم الإیجابیة بعامة، والقیم الاجتماعیة السیاسیة بخاصة، التی یجب على النظام السیاسی بثها وتأکیدها فی نفوس أعضاء المجتمع؛ لإبراز هویة المجتمع، وتحقیق الاستقرار بین مختلف فئاته، هذا من ناحیة، ومن ناحیة أخرى انعکاس تلک القیم على الشعور بالهویة الوطنیة، والانتماء للوطن، والمساهمة فی إعداد الفرد تجاه المشارکة السیاسیة داخل المجتمع.

 

وتوصیات الورقة البحثیة موجهة لثلاث مؤسسات، هى: "جامعة الدول العربیة"، و"وزارة الإعلام فی مصر"، و"الأحزاب السیاسیة داخل مصر".

 

  • ·                     أما عن التوصیات الموجهة "لجامعة الدول العربیة"، فتتمثل فی :
  1. تأسیس مراصد إعلامیة عربیة – لکل دولة عربیة على حدة - تهتم بمتابعة ومراقبة انتشار ظاهرة الإعلام الجدید بشکل عام، وخاصة الفضائیات وقطاعها الخاص فی الوطن العربی، یکون دورها متابعة القیم، والسلوکات التی تطرأ على النظام القیمی فی المجتمع، بحیث یتم غربلة الطالح منها، والحث على صالحها، ودراستها بمناهج علمیة متطورة تستوعب تطورات هذه الظاهرة، بما یلائم ثقافة وأخلاقیات مجتمعاتنا العربیة، وتحد من التبعیة العمیاء، التی ینقصها الوعی.
  2. إیجاد وسائل تحقق التنسیق بین المؤسسات الإعلامیة فی الوطن العربی، والاستفادة البینیة بین بلدانه، فی تبادل الخبرات، واستثمار ما تملکه بعض الدول الإسلامیة من تکنولوجیا متقدمة فی مجال الاتصال والمعلومات، بما یؤطر لمنهجیة عمل واضحة المعالم لإنشاء جهة معنیة بالإعلام الرقمی لتولی مسؤولیة تنظیم القطاع، وتوفیر أدوات التدریب والتأهیل للصحفیین والإعلامیین.
  3. سن تشریعات قانونیة صارمة، یکون من شأنها تنظیم ظاهرة الإعلام الجدید فی الوطن العربی، بحیث تحد من تغلیب الجانب الشکلی والتقنی – المثیر للغرائز - على جانب المحتوى والمضمون الذی یصون الروح، ویحفظ القیم الإیجابیة، واستعادة الدور الحقیقی للإعلام فی اخبار الناس، ونشر المعرفة، وبث الوعی.

 

  • ·                     أما عن التوصیات الموجهة "لوزارة الإعلام فی مصر"، فتتمثل فی :
  1. العمل على توفیر منصات تدریب حدیثة للعاملین فی وسائل الإعلام، تشتمل على برامج تدریبیة فی مجالات الإعلام الجدید؛ مثل: البث الرقمی، والتحریر الإلکترونی، وصناعة المحتوى على وسائل التواصل الاجتماعی، وآلیات رصد وقیاس الرأی العام، للاطلاع المستمر على القیم المستجدة، وبالتالی التوجیه السلیم لها.
  2. وضع ضوابط مهنیة وأخلاقیة مُلزِمة للصحفیین عند کتابة الأخبار المتداولة عبر وسائل التواصل الاجتماعی، وإلزام الصفحات العامة بتبنی هذه الضوابط وفق أطر قانونیة ملزمة.
  3. حث مؤسسات الدولة العامة والخاصة على تدشین صفحات للتواصل مع الجمهور عبر منصات الإعلام الجدید، تتحلى بالطابع الرسمی المعتمد، لرفع الوعی، والتثقیف، والرد على ما یثار من شائعات ودحضها فور شیوعها عبر مختلف الحسابات على وسائل التواصل الاجتماعی المختلفة.
  4. صیاغة رؤیة إعلامیة موحدة لمؤسسات إعلام الخدمة العامة – ماسبیرو مثلاً؛ للوقوف على تحدیات الإعلام الجدید، وتفادی نشر المحتوى المضلل والمزیف، والتی من المؤکد ستؤثر فی القیم الإیجابیة لدى الأفراد.
  • ·                     أما عن التوصیات الموجهة "للأحزاب السیاسیة فی مصر"، فتتمثل فی :
  1. قیام الأحزاب السیاسیة بالتثقیف السیاسی، والتوعیة بقضایا الشأن العام وخاصة تلک القضایا الراهنة التی تتمثل فی الترویج لبعض الشائعات التی تخص قضایا السیاسة الداخلیة والخارجیة، من خلال قیام الأحزاب السیاسیة فی المحافظات، خاصة المحافظات النائیة، بتنظیم قوافل ثقافیة إبداعیة تحتوی ترویجا للأفکار التی تعزز قیم المجتمع سیاسیًا، وأمنیًا، وفکریًا، ودعم القیم الأخلاقیة، والهویة الوطنیة، والقومیة، وتکذیب الشائعات المنتشرة عبر وسائل الإعلام الجدید، ونشر ثقافة التعلیم والتعلم وکیفیة التأکد من المعلومات.
  2. ضرورة التفاعل بین الأحزاب السیاسیة، والجهات التنفیذیة من أجل تفعیل قانون الخدمة العامة، ودعم العمل التطوعی، فالتعبیر عن الرأی کقیمة اجتماعیة سیاسیة مثلاً، عبر منصات التواصل الاجتماعی قد یکون مضیعة للوقت، فی حین أن هناک إمکانیة لطرح الآراء والرؤى من خلال القنوات الشرعیة المتمثلة فی الأحزاب من أجل الحوار، وطرح مشروعات قوانین، وآلیات رقابیة فی البرلمان.
  3.  قیام الأحزاب السیاسیة بالاتصال الجماهیری من خلال ندوات التثقیف السیاسی،  ویمکن أن یتم ذلک من خلال استحداث لجنة للاتصالات وتکنولوجیا المعلومات فی کل حزب سیاسی؛ لمواجهة ما یبث من سموم وأکاذیب قد تصل إلى عقول الشباب، ومن ثم تؤثر فی قیمهم.

 

 

 

 

المراجع

 

أولاً - المراجع العربیة :

  1. ابن منظور: "لسان العرب"، (تحقیق): عبد الله على الکبیر وآخرون، دار المعارف، القاهرة، بدون تاریخ.
  2. إبراهیم الموسوی: "دور المؤسّسات الإعلامیّة فی تحفیز ثقافة الحوار"، جامعة المعارف، لبنان، 2019، متاح فی :

http://www.mu.edu.lb/conferences/dialogue-sessions. Accessed on : 2-6-2020.

  1. أبى الحسین أحمد بن فارس: "مقاییس اللغة"، (تحقیق): عبد السلام محمد هارون، ج3، دار الفکر، القاهرة، 1979.
  2. اتحاد إذاعات الدول العربیة: "البث الفضائی العربی: التقریر السنوی 2016"، اللجنة العلیا للتنسیق بین القنوات الفضائیة العربیة، جامعة الدول العربیة، تونس، 2016.
  3. أحمد زاید وآخرون: "الأطر الثقافیة الحاکمة لسلوک المصریین واختیاراتهم: دراسة لقیم النزاهة والشفافیة والفساد"، (تقدیم): أحمد درویش، مرکز البحوث والدراسات الاجتماعیة، کلیة الآداب، جامعة القاهرة، 2013.
  4. أحمد زاید وآخرون: "قیم التنمیة"، مرکز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، مجلس الوزراء، القاهرة، 2010.
  5. أحمد زکى بدوى: "معجم مصطلحات العلوم الاجتماعیة"، مکتبة لبنان، بیروت، 1982.
  6. أحمد زکی بدوی : "معجم مصطلحات العلوم الاجتماعیة"، مکتبة لبنان، بیروت، 1982.
  7. أحمد سعیفان : "قاموس المصطلحات السیاسیة والدستوریة والدولیة"، مکتبة لبنان، بیروت، 2004.
  8. أحمد عبد الحلیم عطیة: "القیم فی الواقعیة الجدیدة"، دار الثقافة العربیة، القاهرة، 2008.
  9. أحمد مجدی حجازی وآخرون"نحو منظومة القیم الإیجابیة الداعمة لرؤیة مصر"، مرکز الدراسات المستقبلیة، مرکز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، مجلس الوزراء، القاهرة، 2008.
  10. إسماعیل عبد الفتاح: "القیم السیاسیة فی الإسلام"، الدار الثقافیة، القاهرة، 2001.
  11. اعتماد علام: "اختلالات منظومة القیم فی عالمنا المعاصر: رؤیة تحلیلیة"، (فی): "القیم فی عالم متغیر"، (تحریر): على عبد الرازق إبراهیم ومحمود مصطفى کمال، الندوة العلمیة السنویة الثانیة، قسم علم الاجتماع، کلیة الآداب، جامعة المنیا، 2013.
  12. أمیرة الدیب: "أسس بناء القیم الخلقیة فی مرحلة الطفولة"، الهیئة المصریة العامة للکتاب، القاهرة، 2002.
  13. أمیره محمد الخضر: "دور القنوات الفضائیة فی ترسیخ القیم الإسلامیة بالتطبیق على قناة طیبة الفضائیة خلال الفترة (2013-2014)"، رسالة ماجستیر "غیر منشورة"، کلیة الدراسات العلیا، جامعة الرباط الوطنی، السودان، 2015.
  14. أمین سعید عبد الغنی: "تأثیر الإنترنت على القیم والاتجاهات الأخلاقیة للشباب الجامعی"، (فی): "أخلاقیات الإعلام بین النظریة والتطبیق"، المؤتمر العلمی التاسع، الجزء الرابع، کلیة الإعلام، جامعة القاهرة، مایو 2003.
  15. باقر النجار: "الفضاء السیبرنی وتحولات القیم" (فی): "الإعلام وتشکیل الرأی العام وصناعة القیم"، (تحریر وتقدیم): عبد الإله بلقزیز، سلسلة کتب المستقبل العربی، (69)، مرکز دراسات الوحدة العربیة، بیروت، 2013.
  16. حنان على أحمد: "الإعلام الإسلامی: مفهومه وخصائصه"، مجلة طریق العلوم التربویة والاجتماعیة (Route Education and Social Science Journal)، المجلد (5)، العدد (1)، 2018.
  17. خلاف خلف الشاذلی: "تداعیات ثورة 25 ینایر على قیم العمل والدافعیة للإنجاز : رؤیة نظریة"، ندوة "القیم فی عالم متغیر"، قسم علم الاجتماع، کلیة الآداب، جامعة المنیا، 2013.
  18. الراغب الأصفهانی (أبو القاسم الحسین بن محمد): "المفردات فی غریب القرآن"، (تحقیق): صفوان عدنان الداودی، دار القلم، دمشق، ١٩٩٢.
  19. سعید ناصف: "تأثیر القنوات الفضائیة فی منظومة القیم الاجتماعیة: دراسة اجتماعیة میدانیة"، النور، القاهرة، فبرایر 2007.
  20. سید محمد ساداتی الشنقیطی: "وظیفة الإخبار فی سورة الأنعام"، سلسلة دراسات فی الإعلام الإسلامی والرأی العام، مرکز الدراسات والإعلام، دار إشبیلیا، الریاض، ١٩٩٧.
  21. شیماء بلونیس: "دور وسائل الإعلام والاتصال الجدیدة فی التغییر السیاسی"، رسالة ماجستیر "غیر منشورة"، کلیة الحقوق والعلوم السیاسیة، جامعة العربی بن مهیدی، الجزائر، ٢٠١٥.
  22. صابر حارص محمد: "أثر الإعلام المقروء على منظومة القیم فی الوطن العربی"، مجلة بحوث العلاقات العامة الشرق الأوسط، السنة السادسة، العدد (١٩)، ٢٠١٨.
  23. عادل العوا: "العُمدة فی فلسفة القیم"، دار طلاس، دمشق، 1986.
  24. عباس مصطفى صادق: "الإعلام الجدید: المفاهیم والوسائل والتطبیقات"، دار الشروق، عمان، د، خ.
  25. عباس مصطفى صادق: "الإعلام الجدید: دراسة فی مداخله النظریة وخصائصه العامة"، بحث متاح فی:

www.dopdfwn.com/cocnoscana/scanonanya/pdf-books-org-DSNp6.pdf.Accessed on: 1-11-2019.

  1. عبد الرازق غزال ووفاء بورحلی: "تکریس التعددیة الإعلامیة عبر تحقیق التنوع الثقافی فی وسائل الإعلام الرقمیة: الملامح، المقومات والعوائق"، مجلة الباحث الإعلامی، مجلد (١١)، العدد (٤٦)، ٢٠١٩.
  2. عبدالله خمیس الکندی: "تأثیرات وسائل الإعلام الجدیدة على القیم الثقافیة فی العالم العربی: إطار تحلیلی نقدی لتحدید التأثیرات وکیفیة دراستها"، حولیات جامعة الجزائر، العدد (23)، 2013.
  3. عصام نصر سلیم: "حدود حریة الرأی فی ساحات الحوار العربی عبر الانترنت: دراسة تحلیلیة"، (فی): مجموعة من أساتذة الجامعات المصریة: "کتابات اجتماعیة معاصرة مهداة للأستاذ الدکتور السید محمد بدوی"، محمد سعید فرح (محرر)، مرکز البحوث والدراسات الاجتماعیة، کلیة الآداب، جامعة القاهرة، 2003.
  4. عطیة محمود هنا: "القیم دراسة تجریبیة مقارنة"، دار المعارف، القاهرة، 1995.
  5. على لیلة: "تفعیل القیم فی بحث اجتماعی"، (فی): "القیم فی الظاهرة الاجتماعیة"، (تحریر): نادیة محمود مصطفى وآخرون، أعمال الدورة المنهجیة فی کیفیة تفعیل القیم فی البحوث والدراسات الاجتماعیة، کلیة الاقتصاد والعلوم السیاسیة، جامعة القاهرة، (6) : (11) فبرایر، 2010، دار التبشیر للثقافة والعلوم، القاهرة، 2012.
  6. عماد الفقی وآخرون: "دراسة حول حریة الرأی والتعبیر فی مصر : القیم والالتزامات والممارسات"، (تقدیم): محسن عوض، المنظمة العربیة لحقوق الإنسان، القاهرة، 2017.
  7. فهد بن عبد الرحمن الشمیمری: "التربیة الإعلامیة - کیف نتعامل مع الإعلام"، مکتبة الملک فهد الوطنیة، الریاض، 2010.
  8. کوثر علوب محمد: "الإعلام الجدید وأثره على القیم الاجتماعیة: دراسة على قیمة التکافل فی السودان"، رسالة دکتوراه "غیر منشورة"، کلیة الدراسات العلیا، جامعة السودان للعلوم والتکنولوجیا، السودان، 2017.
  9. محمد الفاتح حمدی: "البث الفضائی العربی: الواقع الراهن واستشراف المستقبل"، مجلة المستقبل العربی، العدد (417)، السنة (36)، 2013.
  10. محمد أمین عبد الصمد: "القیم فی الأمثال الشعبیة بین مصر ولیبیا فی مجتمعی البیضاء اللیبی والغرق المصری: دراسة مقارنة فی الأنثروبولوجیا الثقافیة"، الهیئة المصریة العامة للکتاب، القاهرة، 2014.
  11. محمد بنهلال: "الإعلام الجدید ورهان تطویر الممارسة السیاسیة: تحلیل لأهم النظریات والاتجاهات العالمیة والعربیة"، مجلة المستقبل العربی، السنة (34)، العدد (396)، 2012.
  12. محمد شرف محمد هاشم: "دور الإعلام فی التغییر فی العالم العربی دراسة تحلیلیة"، دراسات، العلوم الإنسانیة والاجتماعیة، المجلد (٤٥)، العدد (٢)، ٢٠١٨.
  13. محمد شطاح: "فضاءات الشباب فی الفضائیات العربیة: دراسة نقدیة"، مجلة المستقبل  العربی، العدد (386)، السنة (33)، 2011.
  14. محمد عمارة : "التعددیة : الرؤیة الإسلامیة والتحدیات الغربیة"، نهضة مصر، القاهرة، 1997.
  15. محمد منیر حجاب: "الموسوعة الإعلامیة"، دار الفجر، القاهرة، 2003.
  16. محمود السید عرابی: "تأثیر العولمة على ثقافة الشباب المصری: دراسة میدانیة لعینة من الشباب فی سیاقات اجتماعیة متباینة"، رسالة دکتوراه "غیر منشورة"، کلیة الآداب، جامعة عین شمس، 2004.
  17. محمود محمد سفر: "الإعلام موقف"، الکتاب العربی السعودی، رقم (63)، تهامة، المملکة العربیة السعودیة، 1982.
  18. مخلوف بومدین: " أثر الانترنت على القیم الاجتماعیة فی الوسط الحضری : دراسة میدانیة ببعض نوادی الانترنت بمدینة المسیلة"، رسالة ماجستیر "غیر منشوره"، کلیة الآداب والعلوم الاجتماعیة، جامعة محمد بوضیاف، الجزائر، 2010.
  19. مرکز المعلومات ودعم اتخاذ القرار: "ورقة سیاسات مستقبل منظومة القیم فی مصر: منظومة التعلیم والقیم"، مجلس الوزراء، القاهرة، 2014.
  20. معهد البحرین للتنمیة السیاسیة: "معجم المصطلحات السیاسیة"، سلسلة کتب، البحرین، 2014.
  21. معهد التخطیط القومی والبرنامج الإنمائی للأمم المتحدة: "شباب مصر: بناة مستقبلنا"، تقریر التنمیة البشریة، مصر، 2020.
  22. ناهد صالح: "البحث العلمی الاجتماعی فی قضایاه ومناهجه"، المرکز القومی للبحوث الاجتماعیة والجنائیة، القاهرة، 2009.
  23. نایجل ووربیرتن: "حریة التعبیر: مقدمة قصیرة جدًا"، (ترجمة): زینب عاطف، (مراجعة): شیماء عبد الحکیم، مؤسسة هنداوی للتعلیم والثقافة، القاهرة، 2013.
  24. نسرین حسونة: "الإعلام الجدید: المفهوم والوسائل والخصائص والوظائف"، شبکة الألوکة الثقافیة، 2014، متاح فی:

www.alukah.net/w/ture/o/67973/. Accessed on: 10-11-2019            .

  1. وزارة الاتصالات وتکنولوجیا المعلومات: "تقریر موجز عن مؤشرات الاتصالات وتکنولوجیا المعلومات"، القاهرة، 2020.
  2. وزارة التخطیط والمتابعة والإصلاح الإداری: "إستراتیجیة التنمیة المستدامة: رؤیة مصر (2030)"، القاهرة، 2016.

 

ثانیاً - المراجع غیر العربیة :

 

1.    Ane Tynyshbayeva: "Socio-Political Value Orientations of Kazakhstani Citizens: Contents and Possibilities of Realization of Social Support for Children", Social and Behavioral Sciences, Vol. 82, No. 1, 2013.

2.    Barrie Axford and Richard Huggins: "New Media and Politics", SAGE Publications, London, 2001.

3.    David J. Fritzsche and Effy Oz: "Personal Values Influence on the Ethical Dimension of Decision Making", Journal of Business Ethics,  Vol. 75, No. 1, 2007.

4.    Elizabeth C. Connors: "The Social Dimension of Political Values", Political Behavior,  Jan, 2019. Avalable at: https://doi.org/10.1007/s11109-019-09530-3.

Accessed on: 6-6-2020.

5.    Internet World Stats: "Top 20 Countries with Highest Number of Internet Users", 2020,  Available at: https://www.internetworldstats.com/top20.htm. Accessed on: 4-6-2020

6.    Internet World Stats: "Top Ten Languages Used in the Web", April , 2019. Available at: https://web.archive.org/web/20190601225651/https://www. internetworldstats.com/stats7.htm. Accessed on : 4-6-2020.

7.    Internet World Stats: "Usage and Population Statistics", Miniwatts Marketing Group, Colombia, 2020.

Available at: http://www.internetworldstats.com/stats5.htm.

Accessed on: 4-6-2020.

8.    Linda Weiser Friedman and Hershey H. Friedman: "The New Media Technologies: Overview and Research Framework", SSRN Electronic Journal, April 2008,

Available at: https://www.researchgate.net/publication/228193979.

Accessed on :8-12-2019.

9.    Miran Lavrič: "Socio-Political values and attitudes", (In): "Youth Studies Southeast Europe 2018/2019", The Friedrich Ebert Stiftung (FES), Berlin, 2019.

10.   Ralph Barton Perry: “Realms of Value: A Critique of Human Civilization”, HarvardUniversityPress, USA, 2014.

11.   Ralph Barton Perry: "General Theory Of Value: Its Meaning and Basic Principles Construed in Terms of Interest", HarvardUniversityPress, USA, 1950.

12.   The Free Dictionary By Farlex: "New media: Encyclopedia article by TheFreeDictionary", 2019,

Available at: https://encyclopedia.thefreedictionary.com/new+media,

Accessed on: 1-12-2019.

13.   William G. Jacoby: "Value Choices and American Public Opinion", American Journal of Political Science, Vol. 50, No. 3, 2006.