تقرير الحراک الاجتماعى العالمى 2020 المساواة، الفرصة وحتمية اقتصادية جديدة خارطة طريق لمجتمع جديد واقتصاد جديد قراءة تحليلية فى ضوء المستجدات الراهنة (کوفيد-19) The Global Social Mobility Report 2020 Equality, Opportunity and a New Economic Imperative Platform for Shaping the Future of the New Economy and Society

نوع المستند : أبحاث علمیة

المؤلف

جامعه المنيا کلية الاداب

المستخلص

اللامساواة قضية تاريخية عايشتها المجتمعات المتعاقبة فى کافة العصور، غير أنها بلغت حدودها القصوى تحت وطأة العولمة والتکنولوجيا، ومن المتوقع أن تتفاقم مع الثورة الصناعية الرابعة. فقد اتضح أن مسار الاقتصاد العالمى السائد قد أدى الى غياب المساواة وازدياد الفقر وتعدد ابعاده  سواء داخل المجتمعات أو فيما بينها. ففى ضوء التحولات الکبرى التى يشهدها العالم اليوم لم يعد الفقر قاصرا على فقر الدخل فقط وانما امتد ليشمل فقر الفرص المتاحة للأفراد وعدم العدالة فى اتاحتها، وظهر ما يعرف بالجيل التالى أو المستجد من أوجه عدم المساواة کما ورد بتقرير التنمية البشرية الأخير.
وعلى الرغم من أن الدول الکبرى وأثرياء العالم لعبوا دورا أساسيا فى تعميق اللامساواة العالمية، فانهم يحرصون على الاجتماع دوريا فى بداية کل عام جديد فى منتدى عالمى فى دافوس لمناقشة القضايا المختلفة للاقتصاد العالمى. ومن بين القضايا التى تناولها المنتدى هذا العام قضية اللامساواة داخل الدول وآليات مواجهتها. وکان من بين هذه الآليات تبنى الحکومات سياسات من شأنها تقوية الحراک الاجتماعى عبر الأجيال. ومن ثم دشن المنتدى – ولأول مرة - مؤشرا للحراک الاجتماعى العالمى يقيس قدرة الدول على اتاحة الفرص فى مختلف المجالات والتى تؤدى فى مجموعها اما الى قوة الحراک الاجتماعى أو ضعفه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*    مراجعة: أ.د.م. سهير صلاح الدين محمد، أستاذ علم الاجتماع المساعد، کلية الآداب - جامعة المنيا.
وقبل تناول هذا المؤشر ومعاييره وأهم النتائج التى تم توصل اليها فى تطبيقه فانه لا بد من الاشارة الى أنه فور الانتهاء من تلک القراءة التحليلية وقعت جائحة کوفيد-19 التى قلبت الأمور رأسا على عقب، وکشفت ضعف النظام العالى القائم، وضعف منظومة الرعاية الصحية فى أکثر الدول تقدما الى حد اضطرارها للاختيار بين المرضى بالفيروس الذين سيحظون بوضعهم على أجهزة التنفس الصناعى، وأصبحت هذه الدول تعيش فى لحظة تفضيل بين المرضى بحسب أعمارهم فى سابقة لم تحدث من قبل. ومن ثم کان لزاما اعادة مناقشة نتائج هذا التقرير فى ضوء تداعيات تلک الکارثة الشاملة المعولمة، وسيتم ذلک فى التعقيب الذى سيرد فى نهاية تلک القراءة.   
أکدت التقارير الصادرة عن المنظمات الدولية أن القرن الحادى والعشرين شهد تراجعا فى الحرمان الشديد والفقر المدقع، غير أن اللامساواة فى تزايد مستمر منذ ثمانينيات القرن الماضى کما أکد تقرير اللامساواة العالمى الصادر فى 2018، ففى الفترة من 1980-2016 فان 1% فقط من أثرياء العالم يستحوذون على ما يعادل ضعف نصيب أفقر 50% من سکان العالم. ولم يعد التفاوت قاصرا على الدخل فقط وانما شمل العديد من الفرص والامکانات وظهر ما أسماه تقرير التنمية البشرية "الجيل المستجد" من أوجه عدم المساواة مثل الفجوة فى التعليم العالى، وتغذية الأطفال، ونشر التکنولوجيا واتاحتها، والتعلم المستمر مدى الحياه وغيرها من الفرص التى کانت فى السابق من الکماليات أصبحت اليوم حاسمة فى التنافس خاصة فى ظل اقتصاديات المعرفة. هذه التفاوتات تتراکم مدى الحياة وکثيرا ما تعکس اختلالات عميقة فى موازين القوى. کما أن الثورة الصناعية الرابعة وما تتضمنه من تحولات وتقنيات ورقمنه تعزز أوجه عدم المساواة خاصة مع عدم وجود اجراءات حمائية تتيح فرصا متکافئة للجميع. وقد أدت هذه الأوضاع الى تراجع فرص الفرد فى الحياة والى ضعف الحراک الاجتماعى الذى يؤدى بدوره الى مزيد من التفاوت، ومن ثم اعادة انتاج اللامساواة وما يترتب على ذلک من آثار سلبية على المستويين الفردى والمجتمعى.
ومن هنا کان اهتمام القائمين على المنتدى الاقتصادى العالمى بقضية الحراک الاجتماعى وتم صياغة مؤشر لقياسه، وتم تطبيقه - فى نسخته الأولى - على اثنين وثمانين دولة على مستوى العالم من بينها مصر. وکما يقول کلاوس شواب  Klaus Schwab مؤسس المنتدى الاقتصادى العالمى والمدير التنفيذى له: "....التحولات الاقتصادية الراهنة انما تؤدى الى زيادة ترکيز الثروات واقتصارها على حفنة من المستفيدين ممن يمتلکون التکنولوجيا ورأس المال المادى والفکرى واتساع الفجوة بينهم وبين الآخرين فهؤلا هم الرابحون فى الأسواق الآن دون غيرهم. فالثورة الصناعية الرابعة وما تتضمنه من تحولات وتقنيات تعزز اللامساواة خاصة مع عدم وجود اجراءات حمائية تتيح فرصا متکافئة للجميع. ومن ثم فنحن بحاجة ماسة الى توفير ظروف ملائمة وعادلة لتعزيز وتشجيع الحراک الاجتماعى الذى لا يؤثر فقط على اندماج الأفراد فى الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وانما يؤثر أيضا على التماسک المجتمعى وعلى نمو الاقتصاديات، فقد ثبت أن الحراک الاجتماعى هو عامل حاسم فى تحقيق النمو الاقتصادى وأن انخفاضه يعيق هذا النمو".
ومن هنا فقد دشن المنتدى الاقتصادى العالمى أداة جديدة، ألا وهى مؤشر الحراک الاجتماعى العالمى الذى يقيس قدرة الدول على تعزيز الحراک الاجتماعى بين مواطنيها وتفعيل الوسائل المساعدة لتحقيق المساواة فى الفرص المتاحة. ويهدف هذا المؤشر الى مساعدة صانعى السياسات والقادة لتفعيل وتقوية أجندة الحراک الاجتماعى بالاعتماد على أداة تفيد فى التعرف على مناطق الضعف التى تحتاج الى تحسين واتاحة فرص متساوية وما يتطلبه ذلک من سياسات وممارسات.

الكلمات الرئيسية


اللامساواة قضیة تاریخیة عایشتها المجتمعات المتعاقبة فى کافة العصور، غیر أنها بلغت حدودها القصوى تحت وطأة العولمة والتکنولوجیا، ومن المتوقع أن تتفاقم مع الثورة الصناعیة الرابعة. فقد اتضح أن مسار الاقتصاد العالمى السائد قد أدى الى غیاب المساواة وازدیاد الفقر وتعدد ابعاده  سواء داخل المجتمعات أو فیما بینها. ففى ضوء التحولات الکبرى التى یشهدها العالم الیوم لم یعد الفقر قاصرا على فقر الدخل فقط وانما امتد لیشمل فقر الفرص المتاحة للأفراد وعدم العدالة فى اتاحتها، وظهر ما یعرف بالجیل التالى أو المستجد من أوجه عدم المساواة کما ورد بتقریر التنمیة البشریة الأخیر.

وعلى الرغم من أن الدول الکبرى وأثریاء العالم لعبوا دورا أساسیا فى تعمیق اللامساواة العالمیة، فانهم یحرصون على الاجتماع دوریا فى بدایة کل عام جدید فى منتدى عالمى فى دافوس لمناقشة القضایا المختلفة للاقتصاد العالمى. ومن بین القضایا التى تناولها المنتدى هذا العام قضیة اللامساواة داخل الدول وآلیات مواجهتها. وکان من بین هذه الآلیات تبنى الحکومات سیاسات من شأنها تقویة الحراک الاجتماعى عبر الأجیال. ومن ثم دشن المنتدى – ولأول مرة - مؤشرا للحراک الاجتماعى العالمى یقیس قدرة الدول على اتاحة الفرص فى مختلف المجالات والتى تؤدى فى مجموعها اما الى قوة الحراک الاجتماعى أو ضعفه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*    مراجعة: أ.د.م. سهیر صلاح الدین محمد، أستاذ علم الاجتماع المساعد، کلیة الآداب - جامعة المنیا.

وقبل تناول هذا المؤشر ومعاییره وأهم النتائج التى تم توصل الیها فى تطبیقه فانه لا بد من الاشارة الى أنه فور الانتهاء من تلک القراءة التحلیلیة وقعت جائحة کوفید-19 التى قلبت الأمور رأسا على عقب، وکشفت ضعف النظام العالى القائم، وضعف منظومة الرعایة الصحیة فى أکثر الدول تقدما الى حد اضطرارها للاختیار بین المرضى بالفیروس الذین سیحظون بوضعهم على أجهزة التنفس الصناعى، وأصبحت هذه الدول تعیش فى لحظة تفضیل بین المرضى بحسب أعمارهم فى سابقة لم تحدث من قبل. ومن ثم کان لزاما اعادة مناقشة نتائج هذا التقریر فى ضوء تداعیات تلک الکارثة الشاملة المعولمة، وسیتم ذلک فى التعقیب الذى سیرد فى نهایة تلک القراءة.   

أکدت التقاریر الصادرة عن المنظمات الدولیة أن القرن الحادى والعشرین شهد تراجعا فى الحرمان الشدید والفقر المدقع، غیر أن اللامساواة فى تزاید مستمر منذ ثمانینیات القرن الماضى کما أکد تقریر اللامساواة العالمى الصادر فى 2018، ففى الفترة من 1980-2016 فان 1% فقط من أثریاء العالم یستحوذون على ما یعادل ضعف نصیب أفقر 50% من سکان العالم. ولم یعد التفاوت قاصرا على الدخل فقط وانما شمل العدید من الفرص والامکانات وظهر ما أسماه تقریر التنمیة البشریة "الجیل المستجد" من أوجه عدم المساواة مثل الفجوة فى التعلیم العالى، وتغذیة الأطفال، ونشر التکنولوجیا واتاحتها، والتعلم المستمر مدى الحیاه وغیرها من الفرص التى کانت فى السابق من الکمالیات أصبحت الیوم حاسمة فى التنافس خاصة فى ظل اقتصادیات المعرفة. هذه التفاوتات تتراکم مدى الحیاة وکثیرا ما تعکس اختلالات عمیقة فى موازین القوى. کما أن الثورة الصناعیة الرابعة وما تتضمنه من تحولات وتقنیات ورقمنه تعزز أوجه عدم المساواة خاصة مع عدم وجود اجراءات حمائیة تتیح فرصا متکافئة للجمیع. وقد أدت هذه الأوضاع الى تراجع فرص الفرد فى الحیاة والى ضعف الحراک الاجتماعى الذى یؤدى بدوره الى مزید من التفاوت، ومن ثم اعادة انتاج اللامساواة وما یترتب على ذلک من آثار سلبیة على المستویین الفردى والمجتمعى.

ومن هنا کان اهتمام القائمین على المنتدى الاقتصادى العالمى بقضیة الحراک الاجتماعى وتم صیاغة مؤشر لقیاسه، وتم تطبیقه - فى نسخته الأولى - على اثنین وثمانین دولة على مستوى العالم من بینها مصر. وکما یقول کلاوس شواب  Klaus Schwab مؤسس المنتدى الاقتصادى العالمى والمدیر التنفیذى له: "....التحولات الاقتصادیة الراهنة انما تؤدى الى زیادة ترکیز الثروات واقتصارها على حفنة من المستفیدین ممن یمتلکون التکنولوجیا ورأس المال المادى والفکرى واتساع الفجوة بینهم وبین الآخرین فهؤلا هم الرابحون فى الأسواق الآن دون غیرهم. فالثورة الصناعیة الرابعة وما تتضمنه من تحولات وتقنیات تعزز اللامساواة خاصة مع عدم وجود اجراءات حمائیة تتیح فرصا متکافئة للجمیع. ومن ثم فنحن بحاجة ماسة الى توفیر ظروف ملائمة وعادلة لتعزیز وتشجیع الحراک الاجتماعى الذى لا یؤثر فقط على اندماج الأفراد فى الحیاة الاجتماعیة والسیاسیة والاقتصادیة، وانما یؤثر أیضا على التماسک المجتمعى وعلى نمو الاقتصادیات، فقد ثبت أن الحراک الاجتماعى هو عامل حاسم فى تحقیق النمو الاقتصادى وأن انخفاضه یعیق هذا النمو".

ومن هنا فقد دشن المنتدى الاقتصادى العالمى أداة جدیدة، ألا وهى مؤشر الحراک الاجتماعى العالمى الذى یقیس قدرة الدول على تعزیز الحراک الاجتماعى بین مواطنیها وتفعیل الوسائل المساعدة لتحقیق المساواة فى الفرص المتاحة. ویهدف هذا المؤشر الى مساعدة صانعى السیاسات والقادة لتفعیل وتقویة أجندة الحراک الاجتماعى بالاعتماد على أداة تفید فى التعرف على مناطق الضعف التى تحتاج الى تحسین واتاحة فرص متساویة وما یتطلبه ذلک من سیاسات وممارسات.

 

المفاهیم والمنهجیة :

میز التقریر بین الحراک داخل الجیل الواحد intergenerational والحراک عبر الأجیال intragenerational، الأول یعنى قدرة الفرد على الانتقال بین الطبقات اقتصادیا واجتماعیا طیلة حیاته، بینما یعنى الثانى قدرة جماعة أسریة على الانتقال صعودا أو هبوطا – اقتصادیا واجتماعیا على مدى جیل واحد أو أکثر. وعلى نفس النهج فرق بین الحراک الدخلى المطلق وحراک الدخل النسبى، وکذلک الحراک التعلیمى النسبى والمطلق.

أما عن المنهجیة المتبعة فان التقریر یقدم تقییما لمسارات الحراک الاجتماعى فى الدول محل الدراسة. ؤیرکز المؤشر على تأثیر الاجراءات والسیاسات التى تم اتخاذها عبر سنوات والتى تحدد فى مجموعها الى أى حد یحصل کل فرد فى المجتمع على فرصة عادلة لتوظیف امکانیاته وقواه الکامنة بغض النظر عن خلفیته الاقتصادیة والاجتماعیة أو أصول والدیه أو محل میلاده. ومن ثم فقد وضع الباحثون خمسة معاییر رئیسة للحراک الاجتماعى کل منها یشمل عددا من المحددات الفرعیة وصلت فى مجموعها الى واحد وخمسین معیارا، یمکن تلخیصها فیما یلى:

1.   الصحة: یقیس قدرة الدول على تزوید مواطنیها برعایة صحیة عالیة الجودة لما لذلک من أثر مباشر على قدرة الفرد على العمل وبالتالى امکانیة تحقیق حراک اجتماعى.

2.   التعلیم: من حیث الاتاحة، الجودة، التکافؤ، التعلم الممتد مدى الحیاة باعتبار أن کلیهما عاملان حاسمان فى الحراک الاجتماعى.

3.   اتاحة التکنولوجیا وتوظیفها فى مناحى الحیاة المختلفة.

4.   العمل: اتاحة وعدالة فرص العمل، التوزیع العادل للأجور، ظروف العمل، حمایة حقوق العمال، نسبة العاملین فى مهن هامشیة، معدلات البطالة فى الریف والحضر.

5.   الحمایة الاجتماعیة: ویقیس هذا المعیار مدى تغطیة وفعالیة اجراءات الحمایة ونسبتها للناتج المحلى الاجمالى. ففى فترات التحول الاقتصادى یحدث حراک اجتماعى هابط لفئات عدیدة، وهنا تقوم شبکات الحمایة بدور هام.

 

ویحصل کل معیار من هذه المعاییر على نقاط محددة، وتتدرج هذه النقاط من صفر الى مائة، واجمالى نقاط هذه المعاییر الخمس یحدد مکانة کل دولة على المؤشر، وکلما اقتربت الدولة من النقط (100) کلما یعنى ذلک الأداء الأفضل فى الأخذ بمعاییر الحراک الاجتماعى وتقدم مرکزها على هذا المؤشر.

وقد تم تطبیق الدراسة على 82 دولة حول العالم من بینها مصر، وتم رصد أداء کل دولة. ویمکن القول أن التقریر اعتمد فى جمع المادة العلمیة المطلوبة على مصدرین أساسیین: أولهما أحدث الاحصاءات الصادرة عن منظمات دولیة مثل البنک الدولى، صندوق النقد الدولى، منظمة الصحة العالمیة ...، أما المصدر الثانى فهو مسح لاستطلاع آراء المسئولین التنفیذیین للشرکات الکبرى عبر العالم World Economic Forum's Executive Opinion(1).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) هو مسح یجریه المنتدى الاقتصادى العالمى کل عام مع اجراء تعدیلات علیه سنویا لملاحقة البیانات المستجدة، وذلک على عینة کبیرة من المسئولین التنفیذیین فى الشرکات التى تمثل القطاعات الاقتصادیة المختلفة فى اقتصادیات الدول، وذلک بغرض تقییم بیئة العمل وتصنیفها. ویعد هذا المسح هو الأساس الذى یقوم علیه التقریر السنوى للتنافسیة العالمیة. 

الحراک الاجتماعى والنمو الاقتصادى (تکلفة الفرصة الفائتة):

عند تحلیل الحراک الاجتماعى المنخفض وأثره السلبى على النمو الاقتصادى وتحویله الى شئ ملموس تم حساب التقدیر الکمى the dollar value لما یعرف بتکلفة الفرصة الفائتة لضعف الحراک الاجتماعى the opportunity cost of low social mobility. وقد تم ذلک من خلال استخدام اطار یسمح بتقدیر الزیادة الممکنة فى نمو الناتج المحلى الإجمالى اذا ما ارتفع معدل الحراک الاجتماعى، وذلک على هدى الفکرة العامة التى سار علیها کل من هول و جونزHall & Jones (1) والتى تفترض أن البنیة الاجتماعیة الأساسیة social infrastructure تؤثر على انتاجیة کل عامل بشکل مباشر أو غیر مباشر. وفى التقریر الراهن فان دوافع ومحفزات الحراک الاجتماعى تشمل نواحى عدیدة تنمى رأس المال البشرى مثل جودة التعلیم، شبکات الحمایة الاجتماعیة، جودة المؤسسات، مکافأة المتمیزین ... الخ، أى أنه بمثابة مقیاس أکثر شمولا للبنیة الاجتماعیة الأساسیة. فالبنیة الجیدة لا تؤثر على رأس المال البشرى بشکل مباشر فقط وانما تشجع على تبنى تکنولوجیا جدیدة وأفکار مبتکرة. اذن هنالک تأثیر متزامن ومتبادل بین کل من الحراک الاجتماعى والنمو الاقتصادى. ومن هنا تم صیاغة الفرض التالى:

 

"الحراک الاجتماعى النسبى محدد أساسى للنمو الاقتصادی"

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)  هذا المصطلح صکه کل من (Robert Hall & Charles Jones) أثناء دراستهما التى أجریاها فى 127 دولة لتفسیر الفروق فى انتاجیة العامل من دولة لأخرى، وذلک بعد أن لاحظا أن انتاج العامل فى الولایات المتحدة یفوق انتاج العامل فى النیجر بمقدار 35 المثل، فما ینتجه العامل الأول فى عشرة أیام فقط ینتجه عامل النیجر على مدار سنة کاملة، ومن ثم اهتما بتفسیر هذا الفارق الکبیر فى الأداء الاقتصادى، وکان ذلک فى اطار ما أطلقا علیه "البنیة الاجتماعیة الأساسیة" وقصدا بها سیاسات المؤسسات والحکومات التى تحدد البیئة الاقتصادیة التى یتمکن الأفراد من خلالها تراکم مهاراتهم وتتمکن الشرکات - فى ذات الوقت - من تراکم رأسمالها وأرباحها. وهذا المناخ یشجع الابداع والابتکار واکتساب المهارات والتحول التکنولوجى. وقد وجد الباحثان ارتباطا وثیقا بین انتاج العامل وبین الاجراءات التى تتخذ فى مجال البنیة الاجتماعیة الأساسیة.

لمزید من تفاصیل هذه الدراسة:

Robert E. Hall & Charles I. Jones, Why Do Some Countries Produce So Much More Output Per Worker Than Others? The Quarterly Journal Of Economics, Vol. 114, No. 1, 1999, pp. 83-116, OxfordUniversity Press.

فعلى سبیل المثال الدولة التى تحقق نموا بمعدل 1% یمکن أن یزداد هذا المعدل الى 1.4% اذا ما نجحت فى زیادة الحراک الاجتماعى بمقدار 10 نقاط على المؤشر، ولو کل الدول ارتفع أداؤها على المؤشر بمقدار 10 نقاط فسوف تحدث زیادة فى نمو الناتج المحلى الاجمالى للاقتصاد العالمى بمعدل 4.41% بحلول عام 2030.

وبالنسبة لمصر، فانها اذا ما استطاعت أن تضیف 10 نقاط لرصیدها على مؤشر الحراک الاجتماعى (44.8 نقطة حالیا) فانها ستحقق نموا اضافیا سنویا لناتجها المحلى الاجمالى بما قیمته 5.421 ملیون دولار، ومع عام 2030 سوف تحقق نموا اضافیا تراکمیا یبلغ 54.209 ملیون دولار.

 

نتائج الطبعة الافتتاحیة لمؤشر الحراک الاجتماعى :

لعل النتیجة الأساسیة التى نخرج بها من هذا التقریر أن المساواة فى اتاحة الفرص بین جمیع الأفراد - بصرف النظر عن خلفیاتهم الاجتماعیة والاقتصادیة – یحقق نتائج مجتمعیة جیدة، کما أنه یحقق دفعة قویة للنمو الاقتصادى بما یقدر بملایین الدولارات سنویا.

وقد کشفت نتائج النسخة الأولى من تطبیق هذا المؤشر أن أغلب اقتصادیات العالم بعیدة عن توفیر ظروف ملائمة وعادلة للنهوض بکل مواطنیها. فالفرص المتاحة للأفراد لا تزال تتأثر نسبیا بالأوضاع الاجتماعیة والاقتصادیة منذ المیلاد، مما یعید انتاج التفاوتات التاریخیة بدلا من تقلیلها.

 

أما فیما یتعلق بالدول التى شملها البحث فیمکن تلخیص نتائجها فى النقاط التالیة:

*    الدول الاسکندنافیة (شمال أوروبا) هى الأکثر قدرة على تحقیق عدالة الفرص لمواطنیها، حیث حصدت المراکز الخمس الأولى على المؤشر. فقد احتلت الدنمارک القمة بمجموع نقاط (85) من بین مائة نقطة، تلاها کل من النرویج، فنلندا، والسوید بمجموع نقاط (83) لکل منها. ثم جاءت هولندا، سویسرا، استرالیا، بلجیکا، لوکسمبرج فى المراکز من السادس الى العاشر.

وبتحلیل المعاییر الفرعیة التى وردت بالمؤشر نلاحظ أن هذه الاقتصادیات التى حققت حراکا اجتماعیا عالیا انما تشترک فیما بینها فى الاهتمام بالسیاسات الاجتماعیة التى تفید المجتمعات المحلیة، فهى جمعت بین نظام اجتماعى شامل یضمن اتاحة التعلیم وجودته والمساواة فى فرص الحصول علیه، وفى ذات الوقت أتاحت فرص عمل وظروف عمل جیدة، کما قدمت حمایة اجتماعیة عالیة. والى جانب ذلک أتاحت بیئة تنافسیة للأفراد والشرکات ساعدت على النمو والازدهار للجمیع.

*        ماذا عن الاقتصادیات السبع الکبرى وترتیبها على المؤشر؟

جاءت المانیا فى المرکز الحادى عشر (78 نقطة)، فرنسا المرکز الثانى عشر، کندا والیابان الرابع عشر والخامس عشر (76.1 نقطة)، بینما تأخر ترتیب بریطانیا الى المرکز (21)، والولایات المتحدة فى المرکز (27)، ثم ایطالیا التى جاءت فى المرکز (34). مما یعنى ضعف أداء هذه الدول فى مجال الحراک الاجتماعى على الرغم من قوة اقتصادیاتها، أى أنه لیس بالضرورة ارتباط الأداء الاقتصادى للدول بأدائها الاجتماعى فى مجال محددات الحراک الاجتماعى، فالدول مرتفعة الأداء اقتصادیا تراجعت على مؤشر الحراک الاجتماعى.

ومما یؤید ذلک أن نصیب العمال من الناتج المحلى الاجمالى فى الفترة من 1962 وحتى 2017 فى تراجع مستمر بالدول الکبرى المشار الیها (انظر الرسم البیانى التالى)، فى حین زاد نصیب الأغنیاء فى تلک الدول زیادة کبیرة خلال ذات الفترة. ففى الولایات المتحدة الأمریکیة - على سبیل المثال وفى عام 2018 حقق أغنى 1% زیادة فى دخولهم تزید عما حققوه فى عام 1979 بما یعادل 158%، بینما انخفضت هذه النسبة الى 24% فقط لآفقر 90% من الشعب الآمریکى.

 

 

 

نصیب العمال من الناتج المحلى الإجمالى فى الدول السبع الکبرى خلال الفترة (1962-2017).

مجمل القول هنا أن الاقتصادیات الأفضل اداء على مؤشر الحراک الاجتماعى لیست هى التى تحقق أداء اقتصادیا عالیا، وانما هى التى تخلق فرصا متکافئة لجمیع مواطنیها دون اعتبار لخلفیتهم الاجتماعیة الاقتصادیة أو الفروق الأخرى فى النوع أو العرق.

*    حصل مؤشر "عدالة الأجور" على أقل النقاط على المؤشر، فالتفاوت فى الأجور ما زال قائما فى العدید من الدول، مما یؤثر سلبا على کل من الحراک الاجتماعى والنمو الاقتصادى.

*    کذلک الأمر فیما یتعلق بمظلة الحمایة الاجتماعیة حیث حصل هذا المعیار على نقاط أقل على المستوى العام، مما یلقى الضوء على أوجه القصور فى عدم شموله بدرجة کافیة وقلة التمویل المخصص لآلیات الحمایة الاجتماعیة فى العدید من الدول محل الدراسة.

*    أحرز معیار "التعلم مدى الحیاة" تصنیفا منخفضا فى کل الدول محل الدراسة، فما زال هناک قصور فى برامج تدریب المتعطلین عن العمل أو هؤلاء الذین یحتاجون الى الارتقاء بمهاراتهم. فمع عام 2022 سوف یحتاج ما لا یقل عن 54% من العمالة العالمیة الى تدریب على رفع المهارات أو اکتساب مهارات جدیدة.

*    أوضح تحلیل المؤشر أنه فى العدید من الدول کان السبب الرئیسى للحراک الاجتماعى المنخفض مرتبطا بمحددات أبعد من مجرد الدخل مثل جودة التعلیم واتاحته، اتاحة فرص العمل، ظروف العمل المتدنیة، التفاوت فى الخدمات الصحیة.   

*    فشل معظم الدول فى القضاء على أوجه عدم المساواة التاریخیة التى تحول دون الاستفادة من کافة الطاقات والامکانات الکامنة، باستثناء بعض الدول الاسکندنافیة التى نجحت فى وضع الأسس لمزید من الحراک الاجتماعى لمواطنیها.

*    الدول التى تدعم نموذج "أصحاب المصلحةStakeholders " حققت نتائج أفضل على مؤشر الحراک الاجتماعى من تلک الدول التى ترکز على تعظیم أرباح المساهمین Shareholders. وأصحاب المصلحة هنا هم العمال والمستهلکون والموردون ولیس فقط أصحاب الأسهم. أما رأسمالیة الأسهم فهى تقود الى أن یجنى الرابح الثمار کلها وحده  وهى التى حذر منها الاقتصادى الشهیر جوزیف ستیجلیتز خلال المنتدى الاقتصادى لما  أدت الیه من أزمات والى تفاقم التفاوتات، داعیا الى "عقد اجتماعى جدید" یروض قوى السوق ویهتم بالمنظور المجتمعى ویتبنى اصلاحات شاملة لصالح الجمیع.

*    احتلت مصر المرکز 71 على مؤشر الحراک الاجتماعى بین قائمة دول الدراسة البالغة 82، وکانت أفضل نتائجها ما یتعلق باتاحة الکهرباء لکافة سکان الریف حیث حصلت على مائة نقطة کاملة، وفى مجال اتاحة التکنولوجیا بصفة عامة حصلت على (56.9 نقطة من بین مائة)، وفى معیار الصحة بلغت نقاطها (55.3)، ومعیار الحمایة الاجتماعیة (45.2 نقطة)، أما أکثر المعاییر تراجعا فهو معیار جودة التدریب المهنى حیث حصلت على (39) فقط من مائة نقطة وجاءت فى المرتبة قبل الأخیرة (80)، والمعیار الآخر هو شمولیة المؤسسات حیث حصلت على (39) فقط من بین مائة نقطة وجاءت فى المرکز (81)، والمقصود به هنا کفاءة الخدمات العامة ومعدلات الفساد فى المؤسسات الحکومیة.

 

وبناء على ما سبق یدعو القائمون على اعداد هذا المؤشر قادة الدول وصانعى القرار وأصحاب الأعمال الى ضرورة تبنى سیاسات للتعامل مع ترکز الثروات واعادة التوازن الضرائبى، وفرض الضرائب التصاعدیة على الدخل الشخصى، فهذا من شأنه دعم أجندة الحراک الاجتماعى، کما یدعون الى عقد جدید من الحمایة الاجتماعیة یقدم حمایة شاملة خاصة فى مراحل التحول التکنولوجى وما سیصاحبه من تحول وظیفى فى العقود القادمة، مع الاهتمام بالتدریب المهنى وتحسین المهارات وبرامج اکساب مهارات جدیدة، والترویج لثقافة الجدارة فى التوظیفmeritocracy at work .

دعا التقریر أیضا الى تضافر جهود الحکومات وقطاع الأعمال لوضع مسارات جدیدة للتحولات الاقتصادیة الاجتماعیة لضمان حصول الجمیع على فرص عادلة للنجاح. 

 

تعقیب

*    یعد هذا المؤشر المحاولة الأولى للقیاس الکمى لمحددات الحراک الاجتماعى على المستوى العالمى، فقد وضع خمسة محددات رئیسة للحراک الاجتماعى وضمًن کلا منها مجموعة من المعاییر التفصیلیة التى تغطى ما تقدمه الحکومات والمؤسسات من خدمات ورعایة شاملة لکافة مواطنیها فى مناحى الحیاة المختلفة والتى بلغت فى مجموعها واحد وخمسین معیارا.

*    کما یعد هذا المؤشر المحاولة الأولى من نوعها للقیاس الکمى للعلاقة بین الحراک الاجتماعى والنمو الاقتصادى. واذا کانت تقاریر التنمیة البشریة التى یصدرها البرنامج الانمائى للأمم المتحدة تهتم بنوعیة حیاة البشر وتزویدهم بالأدوات والفرص التى تساعدهم على تحقیق خیاراتهم فى الحیاة والارتقاء بنوعیتها وعلاقة ذلک بالاقتصاد والتنمیة، الا أن هذا التناول یغلب علیه التحلیل الکیفى، کما أن قضیة الحراک الاجتماعى فى حد ذاتها خارج نطاق أهدافها رغم الترکیز على کثیر من محددات ومعاییر الحراک الاجتماعى.

*    یعد هذا المؤشر بمثابة خارطة طریق لاقتصاد جدید ومجتمع جدید یرکز على محددات متداخلة ومترابطة: التعلیم والتعلم، العمل والمهارات، المساواة والاحتواء، النمو والتنافسیة.

*    تتفق نتائج مؤشر الحراک الاجتماعى فى طبعته الأولى مع نتائج تقریر التنمیة البشریة لعام 2019 والذى سلط الضوء على تزاید أوجه عدم المساواة على صعید العالم، وأشار الى أن التنمیة العالمیة یتهددها جیل جدید من أوجه عدم المساواة، وأنه اذا کانت الفروق فى الدخول عمیقة فان الفروق فى التنمیة البشریة أعمق.  وهذا مجمل ما توصل الیه مؤشر الحراک الاجتماعى حیث ثبت فشل معظم بلدان العالم التى شملها المؤشر فى القضاء على أوجه عدم المساواة التاریخیة التى تحول دون الاستفادة من کافة الطاقات والامکانات الکامنة.

*    أشار مؤشر الحراک الاجتماعى العالمى الى أن بعض الدول الاسکندنافیة هى وحدها التى نجحت فى وضع الأسس لمزید من الحراک الاجتماعى لمواطنیها، وهو فى ذلک یتفق مع دلیل التنمیة البشریة لعام 2018 حیث شغلت دول شمال أوروبا المراکز الأولى أیضا، فانفردت النرویج بقمة التنمیة البشریة، تلاها سویسرا، أیسلندا، فنلندا، بینما تراجع ترتیب بریطانیا والولایات المتحدة وبلجیکا الى المراکز من الخامس عشر الى السابع عشر، وذلک فى کل من التقریرین.

*    توصل مؤشر الحراک الاجتماعى الى أن مزیدا من الحراک الاجتماعى یؤدى الى رفع انتاجیة العامل والى زیادة رضائه عن حیاته، فهناک علاقة ایجابیة بین درجة الرضا عن الحیاة وبین انتاجیة العامل، وهو فى ذلک یقترب کثیرا من "تقریر السعادة العالمى"(1). فعلى مؤشر السعادة العالمى فى الفترة (2016-2018) جاءت دول شمال أوروبا أیضا على قمة الترتیب واحتلت المراکز الأولى کل من فنلندا، الدنمارک، النرویج، أیسلندا، بینما تراجعت بریطانیا الى المرکز الخامس عشر، والمانیا السابع عشر، بلجیکا الثامن عشر، تلیها الولایات المتحدة التاسع عشر، وجاءت فرنسا فى المرکز الرابع والعشرین.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) هو مسح سنوى لشبکة التنمیة المستدامة للأمم المتحدة یجرى فى 156 دولة، وترتب الدول وفقا لعدة متغیرات من بینها نصیب الفرد من الناتج المحلى الاجمالى، الدعم الاجتماعى، متوسط العمر المتوقع، حریة الاختیار فى الحیاة، الوفرة والسخاء.

*    اذن هناک توافق یصل الى حد التطابق بین نتائج تقاریر کل من مؤشر الحراک الاجتماعى العالمى 2020، ودلیل التنمیة البشریة 2018، ومؤشر السعادة العالمى 2018، ویرجع ذلک فى المقام الأول الى أن محور الاهتمام فى هذه المؤشرات الثلاث هو البشر وما یتعلق بنوعیة حیاتهم والفرص المتاحة لهم وعدالة توزیعها.

*    محددات الحراک الاجتماعى وجائحة کورونا:

اذا کانت التقاریر الدولیة السابقة – وغیرها - قد التقت جمیعها على هدف واحد ألا وهو الاهتمام بالبشر وحیاتهم من کافة النواحى، فقد جاءت  کارثة کورونا لتعصف بحیاة آلاف من هؤلاء البشر وتهدد حیاة الآخرین بشکل مفاجئ ومتسارع وغیر مسبوق. واذا کانت نظم الرعایة الصحیة والحمایة الاجتماعیة واتاحة فرص العمل هى من المحددات الأساسیة للحراک الاجتماعى فان جائحة فیروس کوفید-19 قد کشفت هشاشة هذه النظم فى العدید من البلدان ومن بینها الدول المتقدمة وأظهرت خللا جسیما فى الکثیر من نظم الرعایة الصحیة والاجتماعیة فى العالم. وقد أوضحت تقاریر منظمة الصحة العالمیة المتتالیة أن نصف سکان العالم یفتقرون التغطیة الکاملة من الخدمات الصحیة الآساسیة  وأن الرعایة الصحیة الأولیة تعانى قلة الموارد، بل ان انتشار الوباء بهذه السرعة یرجع أساسا الى ضعف الأنظمة الصحیة حتى فى الدول الأکثر تقدما. وقد شهد العالم ممارسات لم تعرفها البشریة من قبل مثل أعمال سطو وقرصنة بین الدول جوا وبرا وبحرا للاستیلاء على المستلزمات الطبیة الضروریة لانقاذ ملایین من المصابین، أیضا التفضیل بین المرضى وفقا لأعمارهم لتلقى العلاج العاجل. ولم یقتصر هذا القصور على مجال الرعایة الصحیة فقط، وانما امتد لیشمل نظم الرعایة الاجتماعیة التى لم تستطع ملاحقة التداعیات الکارثیة لهذا الهجوم القاتل. فقد أطاحت هذه الکارثة بملایین من العمالة المؤقتة لتوقف الکثیر من الأعمال والدخول فى حجر صحى طویل الأمد، فأصبحوا لا یجدون مصدرا للرزق ورأینا طوابیر من الفقراء والمهمشین فى انتظار حصولهم على وجبات ومعونات. وأصبح العالم أمام کارثة متعددة الأبعاد صحیة واقتصادیة واجتماعیة تحتاج الى العدید من الدراسات فى کافة فروع العلوم الاجتماعیة ... وهذا هو موضوع الاصدار القادم للمجلة بمشیئة الله.